آلية صناع السوق وسعر الصرف معركة كسر العظم
قال خبراء إن دورها اقتصر في مجاراة السوق وزيادة السعر
تقرير: نجدة بشارة
لجأت الحكومة إلى تكوين آلية صناع السوق، والمحددة من قبل لجنة مالية يترأسها البنك المركزي، لكبح جماح سعر الصرف، ومحاربة السوق الموازي، عقب استفحال أزمة تدهور العُملة الوطنية الجنيه، أمام العُملات الأجنبية بداية شهر نوفمبر الماضي، لتصبح الآلية الجسم الرسمي لتحديد سعر الصرف وفقاً للمعطيات التي يتطلبها سعر السوق، ومنذ تكوين الآلية نشطت في تعديل الأسعار صباح كل يوم وتعميمها في نشرات على المصارف السودانية لإزالة الفجوة بين السوق الرسمي والموازي وتجفيفه، وعد خبراء تكوين الآلية خطوة في سبيل تحرير سعر الصرف، إلا أن الحكومة رفضت التجاوب مع صوت التحرير وعدته وسيلة لكبح جماح الدولار .
بيد أن قيمة الجنيه استمرت في التراجع خلال الأيام الماضية وتجاوز حاجز الـ(80) جنيهاً، وفقد على نحو (80%) من قيمته مقابل العُملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى تدخل السُلطات واتخاذها لتدابير أمنية وإدارية أدت لتراجع سعر صرف الدولار إلى (65)جنيهاً أمس، وتم اعتقال عدد من المتاجرين بالعُملة.
وأجمع خبراء اقتصاد على فشل آلية صناع السوق في إيقاف تدهور العُملة الوطنية واستقرار سعر الصرف الذي قفز إلى مستويات قياسية في الأسواق الموازية وسط تخبط كبير وعزوف المتعاملين عن الشراء بأسعار مرتفعة بالرغم من ارتفاع حدة الطلب مقابل العرض .
ويرى خبراء أن الدولار انضم إلى قائمة السلع اليومية، وبات سلعة تباع وتشترى، وارجعوا السبب الرئيسي للمضاربات في السوق، مبينين أن التعامل بالدولار يجب أن ينحصر في العلاج والاستيراد، وأوضحوا أن تراجع الصادرات زاد من فجوة النقد الأجنبي، ما أدى إلى عجز في ميزان المدفوعات، بجانب زيادة الطلب الكبير على الدولار، وأن الدولار أصبح مخزوناً للعُملات وتجارة رابحة لكثير من الناس ما أدى إلى تلك الزيادة.
وتظل المراهنة على عودة انتعاش سعر صرف الجنيه أمام العُملات الأجنبية أمراً ليس سهلاً في ظل تحديات حالة الاقتصاد الراهنة .
في ذات الوقت رفضت آلية صناع السوق، أي اتهامات بشأن تأثيرها على ارتفاع سعر الصرف، وكانت الآلية في بداية عملها حددت سعر صرف متجاوزة سعر السوق الموازي (45) جنيها، ونفت أي علاقة لها بتدهور سعر الصرف، خاصة وأنها جهة مهمتها أن تعلن فقط لسعر الصرف لزيادته أو نقصانه ووضع قيمة محفزة لشراء العُملات الأجنبية من أجل إنعاش السوق، مبينة أن الآلية عقدت عدة اجتماعات مع عدد من الجهات من بينها بنك السودان، من أجل الوقوف على نتائج أعمالها خلال الفترة الماضية، وأشارت إلى أن التقييم أداء الآلية شارف على الانتهاء.
وارجع الخبير الاقتصادي والنائب البرلماني د. “بابكر التوم” في حديثه لـ(المجهر) أن آلية صناع السوق لم تحقق النتائج المرجوة في ضبط والتحكم بسعر الصرف، وأردف يجب تفعيل دور الآلية كجهة رقابية لضبط الطلب العالي من قبل المستوردين على الدولار، خاصة وأن الأصل في تحديد سعر العُملات هو آلية السوق (العرض والطلب)، وأوصى بعدم ترك الحبل على الغارب للمستوردين للحصول على الواردات عن طريق التسهيلات طويلة المدى بالسعي مع المنظمات الدولية والإقليمية، البنك الدولي للحصول على دعم ميزان المدفوعات وتسهيل التسهيلات لاستيراد القمح والوقود كي تقلل من الطلب العالي على الدولار، وقال إن الحل يكمن في زيادة الصادر، وفتح علاقات انفتاحية مع الدول المتقدمة، بالإضافة لتفعيل دور الآلية كرقابة بجانب تحديد السعر.
فيما اتهم المشاركون بملتقى حماية المستهلك قطاع الاتصالات بأنه السبب في أزمة سعر الصرف.
وطالبوا الحكومة بضرورة فرض هيبتها على قطاع الاتصالات والالتفات إلى إيراداته الكبيرة غير المستفاد منها، متهمين القطاع بالتسبب في أزمة سعر الصرف جراء تحاويل الأرصدة بشكل غير قانوني للخارج.
ودفع الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية، العميد “صلاح الدين كرار” جملة من الحلول لخفض الطلب على الدولار باستيراد الضروريات من السلع فقط، وقال لـ(المجهر) الآن مواردنا أكثر من أربعة مليارات دولار تكفي فقط للضرورات، وأردف تقليل الاستيراد من شأنه أن يقلل الإيرادات من جمارك وضرائب، لكن ذلك يتم معالجته بتقليل الصرف الحكومي في الحكم الاتحادي والأجهزة الأمنية والخارجية، وكبح جماح الشركات الحكومية مثل جياد وشركات الاتصالات، هذا يعني حشد الموارد وجمعها تحت إدارة بنك السودان بالمالية ثم صرفها حسب أولويات مرتبة الأهم فالمهم فالأقل أهمية.
وحسب الخبير الاقتصادي د. “عز الدين إبراهيم” في حديثه (للمجهر) بأن الآلية لم تحقق المأمول منها لجهة استمرار انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، بالإضافة لوجود سعرين للدولار بالسوق الموازي، ويرى أن من أسباب ارتفاع الدولار أن الاحتياطي من النقد الأجنبي غير كاف، لجهة أن الطلب أصبح عاليا، ثانيا فإن أصحاب الدخول الكبيرة كتجار ومصدري الذهب باتوا يتجهون للتخلص من الجنيه عن طريق شراء الدولار لحفظ مدخراتهم في ظل تدهور قيمة الجنيه، بالإضافة إلى سياسة الحكومة بتمويل منصرفاتها من خلال الاستدانة من الجهاز المصرفي، وهذا يؤدي لمزيد من الطلب على الكاش وضرب مثال على ذلك بخطابات الضمان التي تعطى للمسؤولين للسماح لهم بالاستدانة من البنوك، واقترح “إبراهيم” ضبط السوق وتحكم بنك السودان في كمية طباعة وضخ الجنيه.