حوارات

رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور “محمد عثمان صالح” في حوار مع (المجهر)

الهيئة رأيها واضح وصريح في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني المحارب!!

بيع النقود بالشيك من المعاملات الربوبية واضحة الحرمة .. وما يؤخذ على قرار الدفع الإلكتروني أن معظم السودانيين لا يملكون حسابات مصرفية
عامل الكسل والتبطل والبحث عن (الساهلة) هو ما جعل أغنى البلاد في أفريقيا أفقرها
حوار – نجاة صالح شرف الدين
حوار مختلف أدرناه مع رئيس هيئة علماء السودان البروفيسور “محمد عثمان صالح” تناول عدداً من القضايا المهمة، على رأسها ما أثير حول إمكانية إقامة السودان علاقات مع إسرائيل، وكيف يصور هذا الأمر من واقع ديني، كذلك قضايا الانحلال المجتمعي والتطرف الديني، والظواهر السالبة.. كذلك راهن العلاقات الاقتصادية وتصورها وإمكانية حلها.. بروفيسور “محمد عثمان صالح” تحدث في حوار مع (المجهر) بصراحة وأجاب عن كل أسئلتنا دون تردد.. فإلى مضابط الحوار..
{ كيف قرأتم مبادرة الرئيس التشادي “إدريس دبي” للتوسط لتطبيع إسرائيل ورغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” والزيارة للسودان؟
– الذي تم بين الرئيس التشادي ورئيس الوزراء الإسرائيلي شأن يخصه هو ولا علاقة للسودان به، وربما كان غيره من المطبعين مع إسرائيل يريدون للسودان أن يسلك دربهم الوعر في العلاقة مع الكيان الصهيوني ولكن نحمد الله حتى الآن السودان حكومة وشعباً ضد العلاقة مع إسرائيل، ولا أتصور أن هذا الموقف يتغير أبداً إلا إذا نال الفلسطينيون كل حقوقهم في الأراضي المقدسة في فلسطين.. وبهذه المناسبة صدر لي كتاب جديد في هيئة علماء السودان بعنوان (قضية القدس والأرض المقدسة) شرحت فيه أمر هذه القضية من ألفها إلى يائها والكتاب متوفر بالهيئة يوزع مجاناً للمهتمين والباحثين.
{ ما هي الرؤية الشرعية في خيار التطبيع مع دولة إسرائيل؟
– هذه القضية مفصلة تفصيلاً واضحاً في القرآن الكريم في سورة (الممتحنة)، يقول الله سبحانه وتعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، هذا في من يحارب المسلمين أو يعتدي عليهم من أهل الكتاب، لكن يأتي بعد ذلك الحكم على اليهودية الصهيونية ودولتها المغتصبة قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).. واضح جداً من الآية أنها تنطبق على ما تقوم به دولة الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين الآمنين، فقد أخرجوهم من ديارهم فحاربوا الإسلام والمسلمين، فكيف يمكن أن نهرول للتطبيع مع إسرائيل وهي الدولة المحاربة.. فلله الحمد والمنة أن موقف السودان لا يزال قوياً وبعيداً عن الاعتراف بإسرائيل وذلك هو الحكم الشرعي…
{ (مقاطعة).. ولكن الرسول “صلى الله عليه وسلم” كان يتعامل مع اليهود.. ألا يتناقض ما ذكره مع مبدأ عدم التعامل مع إسرائيل؟
– الآية التي سبقت أوضحت كيفية التعامل مع المسالمين كما أوضحت التعامل مع المحاربين، الرسول “صلى الله عليه وسلم” صالح اليهود أول مجيئه إلى المدينة المنورة ووقع معهم صحيفة المدينة التي هي بمثابة الدستور الأول المكتوب في العالم، لكنهم نقضوا العهد فحاربهم وأخرجهم من جزيرة العرب.
{ لقد عاش في السودان في الفترة الماضية عدد من اليهود بمعنى أن السودان كان إحدى المحطات للوجود الإسرائيلي في السودان والدليل على ذلك أن لهم جذوراً وحياً في أم درمان وآخر في الخرطوم.. كيف تفسر ذلك؟
– نعم هذا صحيح، فقد عاشت جالية يهودية محدودة في السودان منذ الحكم الخديوي الذي يسمى خطأ بالحكم التركي في السودان إلى عهد الاستعمار الإنجليزي، ولكن بعد الاستقلال بقليل هاجر معظم أفراد هذه الجالية إلا من اعتنق الإسلام وأصبح سودانياً، وهذا هو الذي تم من المعاملة الطيبة من هذه الجالية هو من قيم الإسلام السمحة التي أشرنا إليها خلال استشهادنا بالآية السابقة.
{ أصوات هنا وهناك بين مؤيد ومعارضة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.. فما رأيكم كهيئة علماء السودان في ذلك؟
– هيئة علماء السودان التي تقوم على الدفاع عن العقيدة والوطن رأيها واضح وصريح في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني المحارب، ولا يمكن أن ترى الهيئة ما يحدث لإخواننا الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، وما تراه من ظلم وهدم للمنازل ومصادرة للأراضي وإزهاق للنفوس البريئة وحتى الأطفال، وترضى بالتطبيع مع إسرائيل.. وتحذر الهيئة أصحاب الأصوات البائسة الخواء الذين ينفخون في الرماد وغاب عنهم وعن عقولهم الرشاد، أنها لن توافق على ما يرمون إليه من مودة مع أعداء الله والإنسانية.
{ فلننتقل إلى سؤال مباشر عن الوضع الاقتصادي الخانق والمتأزم.. وما يعانيه المواطنون في الحصول على احتياجاتهم الضرورية ما أدى إلى وجود ظاهرة الصفوف في المخابز ومحطات الوقود وصرافات البنوك والمصارف.. كيف ترون ذلك؟
– السودان بلد غني بموارده وكل الذي يحتاجه استغلال هذه الموارد بدءاً من الأفراد والأسر وأصحاب الأعمال رجالاً ونساءً، فضلاً عن وضع الدولة والخطط الرشيدة لاستغلال هذه الموارد.
الضائقة المعيشية الذي يعانيها الناس حالياً وعدم العمل الجاد والمجهود الكبير مما سبقت الإشارة إليه، أعتقد أن عامل الكسل والتبطل والبحث عن (الساهلة) هو الذي جعل أغنى البلاد في أفريقيا أفقرها، والعبء يقع على الجميع، الحكومة أولاً والشعب ثانياً.
وأنا أدعو الدعاة والعلماء والتربيين أن يبذلون جهدهم لتحريك طاقات المجتمعات بدءاً بالتضرع إلى الله عز وجل والقنوت في الصلوات أن يرفع الله ما نزل بنا من التبطل والبلاء، والإكثار من دعاء الرسول “صلى الله عليه وسلم” المأثور (اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ من غلبة الدين وقهر الرجال)، وواضح من هذا الدعاء أن لا يكون التبطل والعجز والكسل سبباً للهم والحزن، وأن لا يكون مدخلاً لغلبة الدين وقهر الرجال.. وعلى سبيل المثال، صفوف الوقود والخبز والوقوف أمام البنوك والصرافات جلبت للناس الهم والحزن وجلبت لآخرين غلبة الدين وقهر الرجال.. البلد كلها الآن تبحث عن القروض الخارجية في الوقت الذي تهرب فيه سبائك الذهب وكتل الدولارات والعملة المحلية والأجنبية.. هذا الذي يحدث لا يشبه السودان ولا السودانيين.. هذا جانب، والجانب آخر أكثر أهمية وهو التعامل بالربا.
{ البعض من الجشعين وعديمي الضمير قاموا باستغلال هذه الظروف الاقتصادية الطاحنة وحاجة الناس للسلع الضرورية ولجأ البعض من التجار لزيادة الأسعار بصورة كبيرة مما أضعف وأنهلك كاهل المواطن خاصة محدود الدخل؟
– المغالاة في الأسعار والزيادة فيها عن الحد المعقول من السيئات ومساوئ الأخلاق ومن الشح الذي يهلك الجميع، يقول المصطفى “صلى الله عليه وسلم” (أتقو الشح فإنه أهلك من كان قبله) بل جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فزيادة الأسعار في السلع كافة لا مبرر له حتى زيادة سعر الدولار لا تبرر هذه الزيادات، فسعر الدولار في أي بلد لا يفرضه الخارج وإنما يفرضه أهل البلد على أنفسهم، ونحن الذين أوصلنا الدولار إلى هذا الحد حكومة وشعباً وذلك بعاملين.. العامل الأول قلة الاستفادة من تصدير الإنتاج وتكاثره، والعامل الثاني يتمثل في الاستهلاك الأكبر من الإنتاج، وبهذا يختل الميزان فيحدث التضارب في سعر الدولار وكل ذلك بسبب الجشع والطمع وعدم تحديد الضروريات كالمأكل والمشرب والدواء، مما أدى إلى الانحدار إلى غير الضروريات من السلع الكمالية ونحوها التي يحتاج استيرادها إلى شراء الدولار بأي سعر.
ليس من سمة المسلم المؤمن بالله أن يلحق الضرر بالآخرين بزيادة الأسعار والمغالاة فيها، لأنه بهذا يخالف القاعدة الشرعية الواردة في الحديث (لا ضرر ولا ضرار) ومن أشد الضرر احتكار السلع وفرض أثمانها على المحتاجين لها.. وعلى الدولة العمل على ضبط الأسواق وتحديد الأسعار بدءاً من الدولار الذي أصبح سلعة من السلع وانتفت فيه صفة النقود، وعليه لا بد من سن تشريع صارم لمن يخالف ما تقرره الدولة من إجراءات لضبط الأسواق ومعاقبة المفسدين الجشعين.
{ هلا تحدثت في هذا الإطار عن التسعير من ناحية فقهية؟
– الأصل في الأسواق والتجارة أن تكون حرة وعن تراضٍ كما جاء في الآية الكريمة: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .. وحينما ينتفي هذا الشرط بالاحتكار واحتواء الأسواق حينئذ يجور التسعير، ويعتمد المانعون للتسعير على أن النبي “صلى الله عليه وسلم” قال: (المسعر هو الله)، لكن تركه “صلى الله عليه وسلم” للتسعير لأن الأسواق كانت منضبطة لا احتكار ولا احتواء ومن ثم يسود قانون العرض والطلب، لكن عندما حدث خلاف ذلك جاء الخليفة “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه، وبعده سيدنا “عثمان” رضي الله عنهما وأقرا مبدأ التسعير وعملا به.
حالة أسواقنا الآن من طمع أهل السوق وجشعهم تقتضي من الدولة التدخل بالتسعير برضا أهل السوق أو بغير رضاهم إذا لزم الأمر إقراراً للعدالة ورفعاً للمعاناة عن أغلب المواطنين.
{ في إطار تحجيم السيولة في أيدي المواطنين حيث أقرت الدولة العمل بالدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية.. كيف تنظرون لهذا الإجراءات؟
– في رأيي هذا القرار لا بأس به لأنه يضمن عدم التعدي على المال العام خاصة في المعاملات الحكومية، لكن ما يؤخذ على قرار الدفع الإلكتروني أن معظم السودانيين لا يملكون حسابات مصرفية يتعاملون بها للدفع الإلكتروني فالمطلوب عدم إرهاقهم بما لا يستطيعون وتيسير أمورهم في التعاملات الرسمية.
{ شاع في الآونة الأخيرة لجوء البعض إلى التعاملات التي وصفت بالربوبية.. على سبيل المثال بيع النقود بالشيك وخلافه من المعاملات الأخرى.. فما رأيكم في هذا الجانب؟
– هذا التعامل الخاص ببيع النقود بالشيك من المعاملات الربوبية واضحة الحرمة، لأنه لا يجوز بيع التفاضل كبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا يداً بيد من غير تفاضل، وهذا النوع من الربا يسمى في بعض الحالات ربا الفضل، وإذا تأخر الأجل يسمى ربا النسيئة (التأخير) مثل بيع الألف جنيه بألف وعشرة جنيهات أو نحو ذلك.. ووقوع الناس في هذا النوع من المعاملة فيه غضب الله ولعنته وكما جاء في الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)، والربا يمحق الاقتصاد والثروة للفرد والجماعة والدولة بصريح الآية: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
{ نود أن نتعرف على موقف الهيئة من ظاهرة الفساد الذي طال العديد من المؤسسات؟
– من أشد أنواع الفساد ما أشرنا إليه من تفشي الربا وسببه في الأصل ما أشرنا إليه من طمع وجشع واستعجال الغنى، فالذي يرابي كذلك والذي يرتشي أو يختلس مثله مثل الذي يحتكر السلع ويتحكم في سعرها أو يهربها للخارج، ومثله مثل الذي يأخذ القروض من البنوك ولا يرد ما أخذه بقصد تام، ومثله مثل الذي يستغل موقعه في السلطة ويمارس أفعالاً تتعارض مع النزاهة والشفافية وصلاح الحال.. كل هذه أنواع من الفساد شرها مستطير ويصيب الجميع ولا يفرق بين كبار المسؤولين أو صغار المواطنين الفاسدين والمفسدين، وكلما كبر الجرم عظمت المصيبة ووجب ردعها بما يوازي ضررها وعلى الدولة العمل على فصل قضايا الفساد وإنفاذ الحكم فيها بعدالة ناجزة وسريعة.
{ هنالك ممارسة رسمية بطلب التحلل من المختلسين.. كيف تنظرون لهذه القضية؟
– هذا النوع من طلب التحلل لا يجوز شرعاً لأن التحلل إنما يكون قبل أن ينكشف أمر الجاني المختلس، فيرد المال إلى أصله وموضعه من غير أن يطلع على ذلك أحد، وهذا نوع من التوبة.. أما من يكشف أمره واختلاسه المراجعون فليس له تحلل، بل يقدم للعدالة لاعتدائه على المال العام مثله مثل السارق الذي يرتكب جناية السرقة مع الفارق في الحكم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية