رشان أوشي
“روري تومسون” الصحافي البريطاني الأشهر، ممن وضعوا بصمة واضحة على تاريخ الصحافة البريطانية، قال في كلمة ألقاها في مناسبة ما ونشرت في كتاب “أخلاقيات الصحافة”: (أؤمن أن الدورية العامة قائمة على ثقة الجمهور؛ وتعمل الجوانب المرتبطة بها كافة على الوصول إلى القدر الكامل من المسؤولية، وهي إذن تعد وصية على الجمهور، وبالتالي يكون أي قبول بخدمة أقل مستوى من الخدمة العامة بمثابة خيانة لهذه الثقة، أؤمن أن الصحفي يجب أن يكتب الأخبار التي يؤمن بصحتها في نفسه. ويجب ألا يكتب أي شخص يعمل صحفياً عن شيء لا يستطيع أن يقوله كرجل نبيل؛ فالرشوة التي نمتنع عن إيداعها في محفظة الجيب لأحد الأشخاص نظير عمل صحفي كتابي يلزم تجنبها بنفس القدر بالنسبة لتلك التي يتم إيداعها بصفة عامة في محفظة الجيب الخاصة بشخص آخر نظير خدمة غير قانونية؛ ولا يمكن التهرب من المسؤولية الفردية من خلال الاحتجاج بتعليمات الآخرين أو حصولهم على الأرباح منه، أؤمن أن الإعلانات والأخبار والأعمدة التحريرية ينبغي أن تخدم المصالح العليا للقراء).
كلمته تلك وضعت إطاراً مفاهيمياً واضحاً لعنوان فضفاض يسمى “أخلاقيات الصحافة”، وبالتالي يصبح الخروج عن القواعد التي تعارفت عليها المهنة جريمة أخلاقية نكراء، تجعل صاحبها متسوّراً لجدران المهنة ولم يأتها من بابها الأمامي.
تغافُل عدد من المنتسبين لمهنة الصحافة عن ذلك الإطار الأخلاقي الذي يحيط بها، يجعلها في موضع سخرية العامة والقراء، يجب أن نعترف أن تأثير صحافتنا قد تضاءل كثيراً في الآونة الأخيرة خاصة بعد أن ولجها عدد من الفاقد الأخلاقي، أصحاب الأنا الدُّنيا التي تعظُم مع المكاسب الشخصية، وتصغُر أمام الدور الرسالي الذي يجب أن تؤديه الصحافة.
على سبيل المثال، الحملة الإعلانية التي دفع بها والي جنوب دارفور”آدم الفكي” بقيمة تفوق المليار جنيه تتعلق بالدورة المدرسية، والتي يعلم كل السودانيين على امتداد البسيطة موعد انطلاقها، ونفذها صحافي واحد.. هذا المبلغ الخرافي كان الأجدر إنفاقه في توفير بعض الخدمات التي يحتاجها الطلاب، وتحتاجها المدارس، كان من الممكن أن تنفق تلك الأموال التي أنفقت على الحملات الإعلامية حافزاً لاستاف معلمي مدينة نيالا ممن سهروا الليالي برفقة طلابهم وضيوفهم.