تقارير

هل يتقاطع نشاط الخرطوم الإقليمي مع المصالح الفرنسية في المنطقة؟

ما بين طرابلس وبانغي..

تقرير- ميعاد مبارك
ظلت العلاقات السودانية الفرنسية واقفة بتحفظ في المربع الرمادي لعقود، ربما خطت بخجل إلى الأمام أحياناً ولكنها في الأغلب كانت تتراجع، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية التي فرضت على السودان منذ العام 1988.
بيد أن مبادرة الخرطوم الأخيرة لجمع الفرقاء في أفريقيا الوسطى ودفعها لجهود المصالحة الليبية يفرض تساؤلاً حول مدى التقاطع ما بين نشاط الخرطوم الإقليمي والمصالح الفرنسية في المنطقية ، ومدى تأثير ذلك على العلاقات بين البلدين.
الخرطوم – ميعاد مبارك
بعد النجاح الذي أحرزته الخرطوم في مصالحة فرقاء دولة جنوب السودان وتوقيع اتفاق السلام الجنوبي الجنوبي، دفعت بمبادرة أخرى للتقريب بين الأطراف المتنازعة في أفريقيا الوسطى سبتمبر الماضي ، والتي رحبت بدورها بالمبادرة والتي حظيت أيضاً بمباركة الاتحاد الأفريقي. وكان وزير الخارجية دكتور “الدرديري محمد أحمد”، قد أعلن خلال زيارته لتشاد منتصف أكتوبر الماضي موافقة حكومة أفريقيا الوسطى على استئناف المفاوضات مع معارضيها منتصف نوفمبر المقبل بالخرطوم.
وكان وزير الخارجية قد أجرى وقتها مباحثات في بانغي وإنجمينا مع الرئيس التشادي “إدريس ديبي” ومع رئيس أفريقيا الوسطى “فوستان أرشانج تواديرا”.
وحسب تقارير صحفية، استضافت الخرطوم أواخر أغسطس الماضي مباحثات مع الجماعات المتمردة في أفريقيا الوسطى بعيداً عن الأضواء، ولاحقاً أعلنت توسط الحكومة الروسية في اجتماع استمر ليومين للسلام في الخرطوم بين ميليشيا “بالاكا” المسيحية بقيادة “ماكسيم موكوم” وفصيل مسلم بقيادة “نور الدين آدم”،التزمت بعدها الجماعات المسلحة الرئيسية في أفريقيا الوسطى، بالعمل من أجل السلام والاستقرار السياسي وفق ما أعلنته الحكومة في بانغي.
من جانبها ، كانت سفيرة فرنسا في الخرطوم قد أكدت في لقاء جمعها بوزير الخارجية أكتوبر الماضي تقدير بلادها للمبادرة السودانية لجمع الأطراف المتنازعة في أفريقيا الوسطى.فهل عنت السفيرة ذلك؟
بعدها بأيام أعلنت وزارة الخارجية تأجيل مفاوضات الفرقاء الأفرو أوسطيين في الخرطوم.
وكان رئيس الجمهورية “عمر حسن أحمد البشير”، قال خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام التاسع للحركة الإسلامية :إ ن الغيرة السياسية والحسد جعلتا بعض الجهات تعطل مبادرة السودان لتحقيق السلام في أفريقيا الوسطى في ظل قناعة كل الجماعات بأفريقيا الوسطى بأن السودان هو المكان الذي يجمعهم لتحقيق السلام.
“البشير” أكد وقتها أن السودان تبنى مبادرة تحقيق السلام في أفريقيا الوسطى، لكن الذين يسعون لتدمير قارة أفريقيا عملوا لإفشال المبادرة، ولكننا سنسعى حتى يقتنعوا أن السودان هو الذي يحقق السلام.
وأضاف:(بعد أن فشلت كل الدنيا في جمع فرقاء الجنوب لتحقيق السلام نجح السودان في تحقيق السلام بدولة جنوب السودان لأن النوايا كانت صادقة والسودان يسعى للاستقرار في كل دول الإقليم).
وقام وزير الخارجية الشهر الماضي بجولة أوربية شملت فرنسا وألمانيا وبلجيكا- باعتبار بروكسل عاصمة للاتحاد الأوربي- في وقت تأجلت زيارته لبريطانيا في اللحظة الأخيرة، وحسب الخبير الإعلامي د.”عبد الملك النعيم” كان الغرض من الجولة حشد الدعم فيما يلي مبادرة الخرطوم لجمع الأطراف المتنازعة في أفريقيا الوسطى ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وقال النعيم لـ(المجهر) : (السودان عندما تبنى المبادرة أراد رأب الصدع في أفريقيا الوسطى ،لكن يبدو أن فرنسا كانت لديها تحفظات) ، مشيراً إلى الجولة الأوربية لـ”الدرديري” ودعوته لوزير الخارجية الفرنسي لحضور المفاوضات.
وأضاف (فرنسا بحكم علاقاتها ووجودها الاستعماري السابق لديها وجود ونفوذ في أفريقيا الغربية، مشيراً إلى أنه لا بد من استصحاب موافقتها، ولفت إلى التجربة السابقة مع تشاد.
وزاد عبد الملك: (فرنسا لديها نفوذ وهي شريك ولها حضور في أي تحولات هناك) وأرجع عدم حماسها لمبادرة الخرطوم لكونها تريد أن تلعب هذا الدور، مشيراً إلى تحول النزاع في أفريقيا الوسطى إلى نزاع بين مسلمين ومسيحيين وأنها تمنح نفسها الحق في حماية جهة دون الأخرى.
# التقاطعات في الملف الليبي..
لعل الخرطوم بحكم جوارها مع ليبيا وتأثرها بالنزاع هناك والحركات المتمردة السودانية التي تمركزت هناك وظلت تهدد الحدود السودانية الليبية، ظلت تنادي بضرورة جمع الفرقاء الليبيين حيث طالب وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” خلال اجتماع وزراء خارجية جوار ليبيا الذي انعقد في الخرطوم (الخميس) الماضي بحضور مبعوث فرنسي ، على ضرورة إيجاد مبادرة موحدة لجمع جميع الأطراف الليبية تحت راية الأمم المتحدة، وأكد أن دول الإقليم هي الأدرى بالشأن الليبي.
“عبد الملك النعيم” أكد أن فرنسا بحكم علاقتها الاستعمارية بدول شمال الصحراء وغرب أفريقيا تعتقد أن لديها شراكة مع دول جوار ليبيا وتريد أن يكون لها إسهام، مشدداً على أنها يمكن أن تساهم إذا ابتعدت عن حساسية سحب الملفات.
وأضاف “النعيم” إن الخرطوم خطت خطوات متقدمة خلال جولة وزير الخارجية الأوربية فيما يلي أفريقيا الوسطى وليبيا.
وفي تقييمه لمدى تأثر العلاقات بين باريس والخرطوم بهذه التقاطعات يرى “النعيم” أنها لن تؤثر.
وأشار إلى أن العلاقات بين البلدين كانت أفضل في السابق وأن وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب أثر على علاقته مع فرنسا وكل دول الاتحاد الأوربي التي ظلت تحافظ على مصالحها مع واشنطن، لافتاً إلى العقوبات التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على البنك القومي الفرنسي لتعاونه مع الخرطوم والتي وصلت وقتها لـملياري دولار.
وتوقع “عبد الملك” أن تشهد الفترة القادمة بعض الانفراج في العلاقة بين الخرطوم وباريس.
# نشأة العلاقات السودانية الفرنسية..
نشأت العلاقات الرسمية بين السودان وفرنسا في العام 1956م عند استقلال السودان، وكانت فرنسا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال السودان، وحسب موقع وزارة الخارجية السودانية في تسعينات القرن الماضي شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية وانفراجاً نسبياً على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد ساهمت الزيارات واللقاءات المتبادلة في إزالة الكثير من العقبات بين البلدين ،إلا أن نشوب أزمة دارفور في العام 2003م قد أثر سلباً على العلاقات بين البلدين.
وترى الخارجية أن مشكلة دارفور وقتها أصبحت المعضلة الحقيقية بين البلدين خاصة وأن فرنسا هي التي بادرت مع بريطانيا بطرح القرار 1093 الذي بموجبه تمت إحالة موضوع دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
وبدأت لجان التشاور السياسي بين البلدين في فبراير 2006م . واتفق البلدان في الدورة الثالثة من لجنة التشاور في فبراير 2012 بالخرطوم على تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين وزيادة المنح الدراسية المقدمة للسودان في مجال الدراسات العليا وعمل دورات طويلة للدبلوماسيين السودانيين في معهد الإدارة بباريس، فضلاً عن ذلك وعدت فرنسا بالتحرك في نادي باريس لمعالجة ديون السودان.
وحثت دولة جنوب السودان على عدم التدخل في شئون السودان وانتهاك حرمة أراضيه واحتضان الحركات المسلحة المعارضة.
أما فيما يلي العلاقات الاقتصادية، حسب وزارة الخارجية، تعمل الشركات الفرنسية في السودان في قطاعات البترول، التعدين، الأسمنت، التوليد الكهربائي، الطاقة، الزراعة، والصمغ العربي،وهنالك زيارات متبادلة لوزارات القطاع الاقتصادي في البلدين تشمل ( الطاقة ،النقل، التعدين، والثروة الحيوانية ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية