عرفت المدن في السودان بشعرائها، وأدبائها، بأن اشتهرت “كسلا” بكجراي، والحلنقي، وآخرين، عرفت البطانة بشعر الدوبيت والمسادير، حتى الشمال النوبي غير الناطق بالعربية ،اشتهر منه شعراء أفذاذ أثروا الوجدان الأدبي السوداني “خليل فرح ” ، ولكن وسط كل هذا الزخم الأدبي السوداني ، حرمت دارفور من التعريف بشعرائها، حتى تسرب إليّ الشك يوماً..ألم تقدم تلك الطبيعة الساحرة، الغارقة في الرومانسية شعراء يجسدونها نظماً ،وحرفاً؟، دفعتني تلك الحيرة إلى التنقيب في قلب تيار “الغابة والصحراء” ، هناك حيث أفريقانية الشعر وعروبته،بحثاً عن ثروة شعرية أنجبتها الجبال والوديان والإنسان المتنقل في دارفور ،ولكن ظلت الذاكرة الشعرية هناك فارغة.
رغم التمازج العربي الإفريقي ثقافة وهوية في إقليم دارفور إلا أن التوثيق الأدبي في السودان لم يحرص على تقديم شعراء مناطقيين منه، مع العلم أن هذا التمازج العربي الأفريقي في السودان هو الذي يشكل الأصل في الثقافة السودانية، وخاصة مدرسة الغابة والصحراء التي تعتبر في حد ذاتها رمزية دلالية للعنصر الأفريقي الذي تمثله الغابة والعنصر العربي الذي تمثله الصحراء وهي بذلك تجسد الواقع الجغرافي السوداني والبيئة السودانية حيث تمتد الصحراء في السودان من الشمال حتى تخوم الوسط وشمال الوسط حيث تقطن أغلبية القبائل العربية أو تلك المتحدثة باللغة العربية ثم يليها نطاق السافنا الفقيرة والغنية ومنطقة الغابات الإستوائية قبل انفصال الجنوب، رغم أن مدرسة الغابة والصحراء لم ترق لكثير من الأدباء السودانيين ووجهت بنقد شديد حيث وصف المفكر “عبد الله علي إبراهيم” في حوار له في صحيفة (الرأي العام) ، شعراء الغابة والصحراء بأنهم كانوا جيلاً «مفعماً باليسارية السمحة اختلطت عندهم الممارسة بالتنظير بمعنى إنهم كانوا يساريين رومانسيين لا واقعيين».
أثارت هذه القضية انتباهي بقوة ،عندما دفعت زميلتنا الصحافية “مزدلفة دكام” في جلسة أنس أخذ الشعر منها حيزاً مقدراً في وادي “نيالا” قبل أيام، دفعت بتساؤل “أين شعراء دارفور على غرار الحلنقي في كسلا ، والحقيبة في أم درمان”؟، لم نجد إجابة شافية للسؤال، حاول البعض اتهام الإعلام بالتقصير في التوثيق، ولكن لماذا أغفل الإعلام الشعبي هذا الجانب المهم في حياة إنسان الإقليم، يبدو أن المهتمين بحركة الشعر في السودان بحاجة للتنقيب عن كنز ثمين مدفون بين ثنايا الحرب والتوتر السياسي .
مخرج:
من اشتَرَاكِ اشترى فوح القرنفل
من أنفاس أمسية
أو السواحل من خصر الجزيرة
أو خصر الجزيرة
من موج المحيط
وأحضان الصباحيّة
من اشتراك اشترى
للجرح غمداً
وللأحزان مرثية