جرس انذار

استقالات الشرطة.. بركان فوق الطمأنينة!

عادل عبده

الوسائط الإعلامية أظهرت بالعناوين البارزة إرهاصات عن موجة استقالات على وشك أن تحدث في جهاز الشرطة، احتجاجاً على ضعف المرتبات وسوء أوضاعهم الوظيفية.. بغض النظر عن صحة هذه المعلومات.. وبغض الطرف عن وجود بعض التسريبات الصحيحة في المعلومة على نطاق ضيق من منسوبي الشرطة، فإن الخطوة إذا ما تحققت فإنها تشير إلى منعطف في غاية الخطورة، يؤطر إلى بداية تنامي الإشكاليات المجتمعية، بل الصورة أيضاً ستكون مزعجة حتى لو كانت الإرهاصات مجرد مناورة لاستدرار العطف والالتفات إلى الحالة الشرطية الماثلة للعيان.
فالشاهد أن الشرطة صمام أمان المجتمعات، وهي المؤسسة الراسخة المناط بها حفظ حقوق المواطنين والسهر على راحتهم وبعث الطمأنينة وراحة البال على أحوالهم، ولا يمكن لأي مكافأة تقدم للشرطة مهما كان علو كعبها، ستكون مساوية لخدماتها المقدسة والتي تدلقها على شرائح المجتمع بحسبان أن واجباتها معطونة بالدم والتضحية ونكران الذات.. في ثنايا هذه الميزة المعنوية والإنسانية من جانب الشرطة للمواطنين، لا بد أن نعترف بكل صدق إلى حاجتها الماسة في معالجة قضاياها المحورية المتمثلة في الراتب الضعيف والارتباك الوظيفي والهيكلي والإهمال المؤسسي الواضح، فالجهاز الشرطي يحتاج إلى نظرة أبوية من السلطة الحاكمة ترفع عن كاهله الحيف والظلم حتى تعيد إليه الروح الوثابة التي تتماهى مع خصائصه المتأصلة في مكوناته المهنية والتاريخية، فلا بد من القول بأن تحسين الأوضاع المعيشية وزيادة الرواتب ومضاعفة المكتسبات في السلك الشرطي سوف تفجر طاقات منسوبيه وتضيء لهم بصيرة الانطلاق والإبداع في تنفيذ المهام والتكاليف الموكولة لهم، حيث إنهم يواجهون ساحة مليئة بالاحتيال والسرقات والقرصنة والتهريب والفساد والابتزاز، فالشرطة الآن أصبحت جهازاً واسعاً متنامي الأطراف، تضم المباحث الجنائية والشرطة الشعبية وشرطة الولايات والمرور والجمارك والسجون وأمن المجتمع والسياحة والرئاسة، ومثل هذا التوسع الكبير حري أن يقدم له الدعم الإستراتيجي والتعبوي المرتبط بالسياسات العليا على النطاق المالي والمعنوي واللوجستي والهيكلي والمؤسسي، حيث إن الوقاية من ضعف رجل الشرطة أمام عاديات الزمن هو تحصينه بالمكتسبات الحسية قبل التفكير في ردعه بالقوانين والجزاءات، صحيح أن هنالك فوائد وامتيازات يجدها الشرطي في المؤسسات التكافلية والتعاونية، فضلاً عن توفر المسكن والحوافز للسواد الأعظم من هؤلاء، غير أن الصحيح أيضاً يتمثل في معالم السوق الهائج وطوفان الأسعار الكاسح الذي ربما يسلب الكثير من هذه الفوائد.. هنالك أكثر من معنى يتولد عن استقالات الشرطة، فهي خطوة قد لا تكون مقنعة في معالجة المطالب وحل الإشكاليات على الرغم من وجاهتها المطلبية، غير أنه قد ينتج عن تسريب الشرطة ظهور بركان فوق الطمأنينة في المجتمع، فالمحصلة عندما يعلو الحديث عن مفهوم الاستقالة في المؤسسات الحساسة، فإن ذلك لا بد أن يؤدي إلى التأمل الشفيف والتفكير العميق!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية