تقارير

خفايا وأسرار اتفاق وزيري دفاع السودان ومصر بالخرطوم

بعد توقيع الاتفاق الأمني والعسكري

حديث السبت – يوسف عبد المنان

هل يقود “حسن صباحي” تيار معارضة دمج المحليات من داخل البرلمان؟؟

منذ أكثر من ثلاثين عاماً لم توقع الخرطوم والقاهرة على اتفاق يخاطب مشاغل الدولتين الأمنية على الحدود.. وقد فعلها الجنرالان “عوض ابن عوف” وزير الدفاع السوداني، وشقيقه الفريق “محمد زكي” وزير الدفاع المصري، ووقعا على اتفاق أمني بعد مباحثات طويلة بعضها معلن وآخر غير معلن، وشهدت الخرطوم منتصف الأسبوع الماضي اتفاق البلدين على إقامة دوريات مشتركة على الحدود وتشكيل قوات مشتركة (سودانية مصرية) دون تحديد حجمها وبداية عملها، وذلك لمكافحة الإرهاب والجرائم العابرة وضبط الحدود وحسم مظاهر التفلت وفرض الأمن والاستقرار على الشريط الحدودي، وفي تصريحات أطلقها الفريق ركن “كمال عبد المعروف” رئيس أركان الجيش السوداني أن المباحثات التي جرت بين وزيري دفاع البلدين كانت مثمرة وبناءة للغاية، حيث تواثقا على استدامة العلاقات في كافة المستويات للتعاون المشترك وبناء شراكة إستراتيجية في التعاون العسكري، واتفق الوزيران على إقامة الدورات التدريبية للضباط والصف والجنود وزيادة فرص التدريب في المعاهد العسكرية السودانية والمصرية، وكذلك التعاون الاستخباراتي والأمني في كل الملفات والمجالات، وإقامة مشروعات استخبارية تدريبية مشتركة في البلدين بالتناوب والتنسيق المستمر في كل الملفات التي تهم المنطقة والإقليم، ويُعد الاتفاق الذي وقعه وزيرا دفاع البلدين أهم اتفاق في تاريخ البلدين بعد اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها وزير دفاع السودان الفريق “عبد الماجد حامد خليل” ووزير دفاع جمهورية مصر الفريق أول “عبد الفتاح أبو غزالة” في عهد الرئيس السوداني الأسبق “جعفر نميري” والرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك” ، المعروفة باتفاقية الدفاع المشترك والتي أثارت جدلاً سياسياً بعد ذلك في السودان ، مما أرغم “الصادق المهدي” رئيس الوزراء في الحكومة المدنية التي تمخضت عن انتخابات جرت عام 1986م، على تجميد اتفاقية الدفاع المشترك إذعاناً لشروط متمردي الجيش الشعبي الجنوبي حينذاك.. وجاءت اتفاقية الخامس والعشرين من نوفمبر 2018م، بعد توترات وجذب وشد ومد وقبض في العلاقات السودانية المصرية حتى استوت العلاقة مؤخراً على درب المصالح المشتركة.. وتجاوز الهواجس والظنون.. والمخاوف بإعلان شأن الاتفاقات ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية على التفاهمات السياسية الموجودة أصلاً بين القيادتين في البلدين، وكشفت مصادر خاصة تحدثت عن خفايا وأسرار الاتفاقيات الأمنية التي وقعت في الخرطوم، حيث بدأت التفاهمات بزيارة الفريق “صلاح قوش” غداة تعيينه مديراً للمخابرات، وأبلغ المصريين النافذ السوداني “قوش” بمخاوفهم وانشغالاتهم وأولوياتهم المتمثلة في تسلل عناصر من تنظيم القاعدة أو تنظيم الأخوان المسلمين المحظور عبر الحدود المفتوحة بعد أن أيقنت القيادة المصرية بأن السودان لا يدعم الإسلاميين المصريين الذين هم على خلاف مع الإسلاميين السودانيين منذ أيام الرئيس السابق “محمد مرسي”.. وفي ذات الوقت وضعت الحكومة السودانية مخاوفها وهواجسها أمام الطاولة والمتمثلة في نشاط المعارضة في المدن المصرية ودعم المعارضة التي تتواجد في الأراضي المصرية للعمل المسلح في المنطقتين ودارفور عطفاً على وجود مكتب للحركة الشعبية في القاهرة.. ومكاتب لحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة “مناوي” ، واتخذت مصر خطوات عملية بتجفيف الوجود المعارض هناك.. بل أقدمت على تعاون على صعيد تبادل المطلوبين.. ويعتبر تسليم القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي “محمد الحسن البوشي” ثمرة أولى لهذا التعاون.. وحذرت الحكومة المصرية اللاجئين السودانيين من مغبة ممارسة أنشطة سياسية علنية أو سرية، وأوصدت القاهرة الأبواب في وجه الإمام السيد “الصادق المهدي” الذي اضطر للانتقال إلى لندن حيث ضعفت آليات اتصالاته ببقية قادة المعارضة خاصة من في الداخل.. ولعبت الضغوط الاقتصادية دورها في تسريع التفاهمات السياسية والأمنية.. واستخدمت الحكومة السودانية بذكاء ورقة واردات الفواكه والحمضيات المصرية، حيث أوقفت السلطات السودانية في العام الجاري وارد البرتقال المصري واليوسفي والفراولة بعد أن أثار بعض الإعلاميين المصريين قضية استخدام المزارعين المصريين لمياه الصرف الصحي في ري المزارع مما يجعل هذه المحصولات ملوثة وتشكل خطراً على صحة الإنسان، وخسرت الحكومة المصرية (2) مليار دولار هي عائدات الصادرات المصرية للأسواق السودانية، وقبل وصول وزير الدفاع المصري أصدر الرئيس “عمر البشير” توجيهات بإعادة السماح للأغذية المصرية بدخول الأسواق السودانية، وبذلك وضع قرار حظر دخول تلك السلع في جنده السياسي وليس الصحي.. وتبع التوجيه صدور قرار من وزارة التجارة بإلغاء قرارها السابق لتبدأ مرحلة جديدة.
وفي ذات السياق، تبحث الحكومة السودانية عن دعم عربي أو إقليمي للخروج من محنتها الاقتصادية الحالية، ولا تزال القاهرة تشكل ثقلاً في الإقليم وعاصمة مفتاحية في المنطقة.. ويملك الرئيس “عبد الفتاح السيسي” أوراقاً عديدة بيده من شأنها دفع بلدان خليجية كبيرة (محور الرياض أبو ظبي) لتقديم مساعدات وقروض مالية للسودان تقيل عثرته الحالية وتحول دون عودته لمحور (الدوحة موسكو أنقرة) الذي ظل يقف مع السودان منذ انفصال دولة الجنوب.. ولمصر مشاغل ومخاوف من أي تمدد لتركيا في منطقة البحر الأحمر، التي أصبحت محطة يتسابق عليها الأتراك والروس والفرنسيون والولايات المتحدة الأمريكية، ومما جعل للمنطقة أهمية للعرب، الحرب اليمنية الحالية ومحاصرة النفوذ الإيراني من خلال اريتريا والصومال وجيبوتي، ولا تبدو إسرائيل بعيدة عن ملف العلاقات العسكرية المتينة بين الخرطوم والقاهرة، وتعتبر إسرائيل المنافذ الصحراوية على الحدود مع السودان أهم الدروب التي يستغلها تجار السلاح الذين يهربون الأسلحة إلى سيناء ومن ثم إلى داخل إسرائيل، وقرار الحكومة السودانية بجمع الأسلحة من أيادي المواطنين له أبعاد داخلية باستقرار الأمن والحيلولة دون نشوب الصراعات القبلية، ولكن للقرار أثره الخارجي حيث تستغل شبكات تجارة السلاح وجود السلاح في أيادي المواطنين وإغرائهم ببيعه لعناصر الشبكات العابرة للحدود.. وخلال العام الجاري انحسرت تجارة السلاح العابرة للحدود.. وفي ذات الوقت ساهمت الاحترازات الأمنية ونشر قوات من الدعم السريع وشرطة مكافحة التهريب على نطاق واسع على خفض معدلات تهريب البشر إلى ليبيا التي تضطرب فيها الأوضاع.. وكذلك انحسار تجارة السلاح.. وقرار وزيري الدفاع في البلدين بإعادة استنساخ تجربة تشكيل قوات مشتركة على الحدود، كما هو الحال بين السودان وتشاد، خطوة عملية لمراقبة الحدود السودانية المصرية، وطمأنة القاهرة بأن عناصر الإرهابيين التي تم تضييق الخناق عليها في داخل الأراضي المصرية لن تستطيع التسلل إلى الأراضي السودانية، وفي ذات الوقت يمثل تشكيل قوات مشتركة حائط صد دون تسلل المعدنين السودانيين الذين يبحثون عن الذهب الأصفر في كل مكان مما أوقعهم في قبضة الأمن المصري في السنوات الأخيرة، ولا تزال قضية هؤلاء المعدنين تنتظر الحل السياسي والأمني، ولم يرد ذكر لبعض هؤلاء الموجودين في السجون المصرية.
{ تنامي معارضة إلغاء المحليات
عندما يرفض النائب البرلماني عن دائرة المجلد بغرب كردفان “حسن محمد صباحي” علناً ومن قبة البرلمان تقليص المحليات بتذويب بعضها وإلغاء أخرى، ويهدد بالتمرد على القرار الذي جاء كتوجيه ضمن مقررات مؤتمر الحوار الوطني، وكذلك مؤتمر تقويم تجربة الحكم اللا مركزي الذي عقد قبل عام من الآن، فإن “صباحي” يبدو أقرب لنبض ورغبات مئات القيادات الولائية المتمسكة بمحلياتها، ولكنها (خائفة) من تبعات الجهر بمواقفها علناً.. ومنبع الخوف الظروف المعيشية الصعبة التي تواجه الناس، مما سلبهم حتى شجاعة الجهر بمواقفهم علناً.. و”حسن محمد صباحي” الذي يقول إن الحكم حلو المذاق ولو تم اقتلاعه عنوة من الناس فإنهم يذرفون الدموع على فقدهم للمحليات، وأضاف “صباحي”: (الدواس في الحكم من زمن الجنوبيين وكل زول يداوس حسب قدرتو أكان لرئاسة الجمهورية أو الوزارات)، تلك لغة ولهجة “حسن صباحي” النائب البرلماني بسيطة جديدة وبليغة ومباشرة وخالية من المحسنات اللفظية و(التقة) بمنهج الشيعة و(المداراة) بمنهج أهل السنة والجماعة.. و”حسن صباحي” رجل أعمال ثري لا ينتظر الوزراء أمام مكاتبهم للتصديق له بمصاريف الأسبوع، ولا يقدم طلبات الإعانة للولاة.. لكنه ينفق من ماله الخاص على بناء المستشفيات والجامعات، وعندما يقول (المحليات محلياتنا بنيناها بقروشنا) فهو يعني ما يقول، و”حسن صباحي” ، ود.”عيسى بشرى” على عاتقهما نهضت محلية الدبب بغرب كردفان.. بل الدبب كمدينة تم بناؤها بجهد “حسن صباحي”، استقطب لها دعماً من صديقه الرئيس “عمر البشير” ودفع من ماله الخاص لتشييد رئاسة المحلية ومبنى الشرطة والقضاء والنيابة واستراحة الدبب وحتى الكلية التي نهضت دفعت من أجلها الأموال، وكان “صباحي” سخياً بماله.. وكذلك د.”عيسى بشرى” الذي حينما كان وزير مالية ونائباً للوالي بجنوب كردفان ثم وزيراً في الحكومة الاتحادية وحتى اليوم ظل يدفع بسخاء من أجل غرب كردفان.. ولذلك لم يخسر المؤتمر الوطني جنيهاً واحداً في الانتخابات الأخيرة بدائرة الدبب.. فاز “حسن صباحي” بالتزكية وإجماع أهله وعشيرته مثله وآخرون في مناطق أخرى، بينما سقط “بلال عثمان” في دنقلا رغم نفوذه داخل الحزب وتأثيره على د.”نافع علي نافع” ، وحينما يعارض أو يتحفظ “حسن صباحي” على تقليص المحليات وإلغاء بعضها في الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة حري بالمؤتمر الوطني الإصغاء لأمثال “صباحي” بدلاً من الإصغاء لأصحاب الاحتياجات الخاصة الذين يهتفون لأي قرار ولا تعنيهم مصلحة الحزب ولا قواعده بقدر ما يبحثون عن إرضاء الولاة والوزراء و(الناس الفوق) والمحليات في غالبها نشأت بدعم شعبي وسند ولائي.. والقيادات في المحليات من رؤساء لجان وقادة مجتمع هم من يحرضون الناس للتسجيل للانتخابات ولهم دور في التعبئة الجماهيرية.. وإسناد مشروعات الحكومة، وقرار إلغاء المحليات في الظروف الراهنة يفقد المؤتمر الوطني بصفة خاصة قيادات عديدة.. وستجد نفسها (خارج الخدمة)، والأوضاع الاقتصادية الراهنة تجعل من إجراء الانتخابات بمثابة مخاطرة وسيراً على حافة الهاوية، وتنذر الأوضاع بعزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فكيف يضمن د.”فيصل حسن إبراهيم” مشاركة تمنح الرئيس مشروعية فترة رئاسية جديدة، وقطاع عريض من القيادات يتم إقصاؤه.. والمحليات التي (بناها) الناس بأموالهم تُلغى دون استشارة أصحاب الحقوق الأصلية.. واللجان الفنية التي طافت على الولايات اجتمعت فقط بموظفي الدولة في المحليات وأعضاء المجالس التشريعية المتطلعين للعودة لمقاعدهم، ولن يتحقق ذلك إلا برضاء القيادة العليا.. وفي ظروف الانتقال وانتظار الآلاف من الفاقد الدستوري والسياسي للمعينات كوزراء ومعتمدين لم تجد لجان ديوان الحكم الاتحادي من يقول ما في ضميره.. وخلجات نفسه، لكنهم يتحدثون بما يطلبه الوالي والولاة معينون من الخرطوم!! لو اجتمعت لجان ديوان الحكم الاتحادي بالمواطنين في المحليات وقالت إنها جاءت للإصغاء لرؤية القواعد بشأن إلغاء المحليات أو دمجها لسمعت ما لا تطيقه أذان الموظفين ولعادت للخرطوم برؤية مغايرة لما كتبته في تقاريرها.. و”حسن صباحي” عبر عن موقف الأغلبية المغلوبة على أمرها.. ولكن من يصغي لأمثال “حسن صباحي”؟؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية