حوارات

(المجهر) في أول حوار مع نجل الفريق “عبود” المهندس “محمد” عن انقلاب 17 نوفمبر 1958

نوفمبر 1958 لم يكن انقلاباً بل كان تسليماً وتسلماً بين الوالد والأميرلاي "عبدالله خليل"

هذه هتافات الجماهير بسوق الخضار بالخرطوم للوالد(ضيعناك وضعنا معاك)
الرئيس “جمال عبد الناصر” أول رئيس عربي يعترف بحكومة (17نوفمبر)
أوقف الوالد تشييد منزل اشترته الوالدة خشية حديث الشارع عن امتلاكه منزلين
حوار : صلاح حبيب
ظللت لثلاث سنوات أحاول إقناع نجل الفريق “عبود” الباشمهندس “محمد” عن إجراء صحفي يتناول حياة الراحل الفريق “إبراهيم عبود” الذي حكم السودان ست سنوات والجدل الدائر حول (17 نوفمبر) هل هي انقلاب أم تسليم وتسلم، وأخيراً نجحنا في إجراء هذا الحوار الذي يعد أول حوار يجري مع أحد أبنائه رغم أننا قد التقينا بابنه الدكتور “عمر عبود” بالدوحة عام 2000 ولكن رفض فكرة إجراء الحوار.
في هذا الحوار تناولنا الكثير من خفايا الانقلاب وحياة الرئيس “عبود” الخاصة والعامة وعلاقته بأسرته والإنجازات التي حققها خلال فترة حكمه والمآخذ التي أُخذت علي النظام وقتها والأصدقاء المقربين إليه، فنترك القارئ يطلع على تلك الأسرار والخفايا التي زودنا بها الباشمهندس “محمد” الابن الثاني للفريق “عبود”.
“محمد إبراهيم عبود”:
والدي تزوج زوجته الأولى اسمها التومة أنجب منها أخي الأكبر أحمد، ولكنها توفت وتزوج أختها، ونُصح أن يتزوج من خارج الأسرة لأنها كانت تجهض كثيراً
الوالدة اسمها “سكينة محمد أحمد”
كم أبناء الفريق عبود؟
الولد البكر اسمه على توفى في عمر العشر سنوات بصدمة كهربائية ثم أنا وبعدي عمر طبيب،ثم سلمي ثم عثمان ويلقب بختم وأصغرنا خالد.
أين كانت مراحلك الدراسية؟
التحقت بمدرسة العزبة الأولية ثم بحري الأميرية الوسطى ثم الخرطوم الثانوية ومن ثم ذهبت للدراسة الجامعية بانجلترا.
هل تتذكر أسماء دفعتك؟
كثر هم ومن الصعب تذكرهم الأن ولكن احتل العديد منهم المناصب الرفيعة.
في أي المجالات كانت دراستك؟
الهندسة.
لماذا انجلترا وليس الخرطوم؟
درست عاماً بكلية الهندسة بالخرطوم ثم ذهبت إلى بريطانيا لأن دراسة الهندسة بالخرطوم ست سنوات سنتين في الأول ثم أربع سنوات بعد ذلك وفي انجلترا سنتين في الأول ثم ثلاث سنوات أخرى لذا الدراسة في انجلترا خمس سنوات وحينما أكملت الدراسة بانجلترا زملائي كانوا بالسنة الأخيرة.
وحينما عدت إدارة الجامعة لم تنظر إلى أنني أكملت ست سنوات أو خمس، فقالت لي إنك حصلت على البكالوريوس وتم تعييني بجامعة الخرطوم معيداً.
بعد جامعة الخرطوم أين كانت محطتك الثانية؟
ذهبت إلى الدراسات العلىا بانجلترا ومنها إلى أبو ظبي ثم عدت إلى الخرطوم عملت بالمصرف العربي للتنمية الاقتصادية بأفريقيا ومن ثم بدأت أعمل بالتدريس بجامعات مختلفة الجامعة الإسلامية ثم جامعة السودان ثم جامعات خاصة والأن بكلية قاردن سيتي الجامعية في مجال الهندسة.
وأنت ابن الرئيس عبود الذي حكم السودان منذ عام (17 نوفمبر 1958) كيف كان تعامل الطلبة معكم؟
الوالد كان محرم علىنا نستغل اسمه في أي حاجة، فكنا نعامل معاملة عادية .
هل كانت لكم عربة خاصة للمدرسة أم زيكم وزي بقية الطلبة الغبش؟
أبداً كنا نذهب بالمواصلات العادية.
بتذهبوا إلى السينما؟
نعم ، وحياتنا كانت عادية ونشاهد الأفلام التي كانت سائدة وقتها وكنت أهوى الأفلام البوليسية خاصة أفلام أجاثا كريستي.
هل لك هوايات وقتها؟
كرة القدم والتنس.
السياسة ألم تستهويك؟
أبداً.
المواد الدراسية المحببة ليك؟
الرياضيات والفيزياء والتاريخ.
كيف كانت علاقتكم مع الوالد؟
عادية .. فعندما كنا في المرحلة الوسطى كان بيشرف على دروسنا وبراجعها وعند النتائج كان بقول لينا شدوا حيلكم.
هل حدد مساركم الدراسي وهل اختار لكم التخصصات؟
أبداً بالعكس كان بقول لينا ما يعجبه يذهب فيه.
زيارات الناس ليكم وكيف كانت مقابلته ليهم؟
لا توجد حواجز والوصول إليه كان سهلاً وكان اجتماعي مع الناس في الأفراح والأتراح.
هل كان بسر ليكم ببعض المعلومات؟
الوالد كان فاصل حياته العسكرية عن الحياة الأسرية ولم يطلعنا علي شيء لكن كنا بنعرف الأنجازات التي كانت بتتم.
هل كان بيصحبكم في زياراته الخارجية؟
أبداً لا الوالدة ولا أنا ولا أي واحد من الأخوان لا داخلياً ولا خارجياً.
هل بطلع معاكم في نهاية الأسبوع؟
بطلع معانا للترفيه لكن ما كان بمشي معانا لا سينما ولا غيرها فنحن كنا بنذهب لوحدنا لكنه كان بيصر نجئ بدري ففي المرحلة الوسطى كنا بندخل الدور الأول وفي الثانوي كنا بندخل الدور الثاني.
كان بفرض عليكم أي قيود؟
أبداً كان معطينا مطلق الحرية.
من هم الأصدقاء المقربون؟
دفعته والدفعة التي خلفه.
من الشخصيات التي كانت تتردد عليه؟
بعد أن ترك الحكم كان اللواء محمد نصر عثمان، وكان صديقه وهو من أبناء شرق السودان، وكان بيلتقي بيه يومياً بالإضافة إلى أساتذتنا في الجامعة.
ما هو تقييمك لفترة حكمه؟
كانت هناك مأخذ عن غرق حلفا، فالرئيس عبد الناصر كان مُصراً على قيام السد العالي، أمريكا سحبت التمويل وبقت روسيا فكان لابد من قيام السد العالي والسودان وقتها ليست له مقدرة في الدخول في حرب مع روسيا وأمريكا فعملوا على ترحيل سكان حلفا إلى حلفا الجديدة ولكن اشترطوا عليهم دفع تكاليف الترحيل ومصر تتحمل ذلك ،فالتهجير تم وحاولوا أن تكون حلفا نموذجاً فملكوا الأهالي المنازل وأذكر أن أحد السكان قال ليه أنا أسرتي كبيرة فكيف أسكن فيه، فمنحه بيتين وهو حر أن يكونا مع بعض أو كل واحد منفصل وتم تسجيل البيتين باسمه.
ما هي مأخذ الناس على حكمه؟
البعض كان بيعتبر أنها حكومة عسكرية تعمل على كبت الحريات ولكن الكل كان يعلم كيف آل الحكم إلى العسكر .
كيف؟
يوم (17 نوفمبر 1958) كان يوم انعقاد البرلمان ففي ذاك الوقت قامت الجمهورية العربية المتحدة وقام الإقليم الشمالي سوريا والإقليم الجنوبي مصر فكانت بعض الأحزاب ترى أن يكون السودان الإقليم الثالث، فالأمين العام لحزب الأمة عبد الله خليل، وهو الرجل الثاني بعد السيد عبد الرحمن المهدي ، قال للوالد أنا بديك أمر تستلم البلاد لأن السودان سوف يفقد استقلاله، فقال لي أديني فرصة أفكر، الموضوع دا أكبر من كده ، فكان صديق عمره وزميله محمد أحمد عبد المنان الذي كان بمحكمة العدل الدولية ـ أظنه كان رئيس المحكمة أو كده ، فجابوا الدستور ووجدوا القانون يعاقب من يخرق الدستور إذا كان رئيس مجلس السيادة بالإقالة فهو حكى لي أنهم ما خايفين لأننا حاربنا في كرن وليبيا لكن نحن موقفنا حيكون شنو في التاريخ ونحن اخترنا وأمرنا فدخل في فلسفة الجيش يحمي البلد من الخارج ولا الداخل فوصلوا في النهاية أن الحكومة إذا فقدت البلد استقلالها فائدة الجيش شنو بعد كده ، فاستلموا، فقال لعبد الله خليل إني استلم وأمشي البلد بالصورة اللي أنا أشوفها وأنت تبعد من الموضوع دا ،أنت غلبتك سلمها وتبعد ، يعن يما تجئ تقول لي عين لي نقد وزيراً أو دا وزير ، أنت سلمت تبعد منها خالص خالص ، بعد داك حالاً سلمه وحصل اعتقال تحفظي ونقلوهم جوبا لكن عاملوهم معاملة كريمة نزلوهم في أحسن الفنادق واكلوهم وشربوهم بعد ذلك أطلقوا سراحهم.
يعني كانت عملية تسليم وتسلم ..؟
نعم هي كانت تسليم وتسلم ، وفي برنامج عملتو قناة أبوظبي اسمو (بين زمنين) عملو واحد اسمو أحمد المعني، أنا ما عندي الأشرطة جاء سجل معانا أنحنا ، وأنا كنت في أبو ظبي وأخواني في الدوحة جاء سجل ومن ضمنها قال الترابي ” أمروه أمراً بالاستلام” دي بشهادة الترابي أنا إذا لقيت أشرطة بين زمنين أجيبها ليك.
أنتم في البعثات بتقعدوا مع بعض كأسرة ..؟
نعم بنقعد عادي بعد يجئ من المكتب نقعد نتغدى وهو بيأخد ليه قسطاً من الراحة زي نص ساعة ، أنحنا كنا ساكنين في البيت اللهو دار الخريجين في شارع الجمهورية ورغم أن به أربع غرف لكن نستقبل في غرفتين كبار الزوار أمثال جمال عبد الناصر وبعد ذلك رحلنا في قصر الضيافة فترة مؤقتة وسكنا في بيت صغير بالقصر وهو لا يركب عربية ويمشي من البيت للمكتب إلا إذا في اجتماع يمشي ليهو في مجلس الوزراء.
ما تملك بيوتاً؟
لا ، أنحنا في الخطة الإسكانية وقع لينا بيت في شهر نوفمبر ولغاية ما توفى ما قدر يتمه فبعناه ، وكنا ساكنين في شارع 45 ودا بيت الوالدة وهي اشترته بالدس لأنو هو عرف هي اشترت وجابت المقاول ووقف معها أخوها وعايزة تبني فقام وقف البناء في البيت دا قال ليها الناس يقولوا عبود عندو بيتين في وقت واحد فوقف البناء ،فاضطررنا بعنا بيت شارع 45 ، وكلنا الأخوان بنينا سكناً واحداً وسكنا فيهو في المعمورة أربعة أخوان وأختي ساكنة في بحري.
طيب عن إحاطات الثورة وشهود العيان القريبين من الوالد .؟
أنا كنت في انجلترا لكن عرفت هو في اجتماع كان يخطط فيهو إنو يمشوا لقدام ومحاولين ينقلوا السلطة عملوا المجلس المركزي وكانت في انتخابات وفي فترة وجيزة يسلموا لأنو في بيانات تقول إن الجيش ليس في نيته أن يبقى إلى الأبد في السلطة ، فقام طلع وهم قاعدين، وقال الناس إن المرحوم جلال الدين محمد أحمد عبد القادر قام بمظاهرة إلى القصر حتى النصر، وما كان هو عارف حاجة، فقامت اتصلت به الوالدة وقالت له هل أنتم معتقلين ، قال لها معتقلين شنو؟ ، قالت له تعال شوف ، فقام جاء شاف ، نادي الكمندان قال ليهو انتو واقفين هنا ليه ، قال له أنحنا عندنا أوامر نحمي القصر ، قام طلع للجماهير شالوه ولفوا به ، وهتفوا عبود ليس مجرماً فلما رجع جوه قال (أنحنا أساسا ما كنا عايزين وجبرونا ، بلا حكم بلا وجع راس) ، فقام جمع الناس وشكل لجنة من الجيش على أساس يجمعو جبهة ، اشترطوا ثلاثة شروط ، الأول إن أي شخص عُين تعييناً سياسياً لا يمس ، وأي شخص يثبت عليه فساد بما فيهم أنا يحاكم محاكمة علنية ، والشرط الثالث تجده في كتاب محجوب برير محمد نور، أنا كنت في انجلترا ، فقالو له نتكفل بتعليم ابنك قال لهم ما عايز حد يتكفل بتعليم ابني ولا حاجة أنا بس أحول له 30 جنيهاً شهرياً ما تقطعوا له تعليمه ، وأنا درست على حسابه وليس على نفقة الحكومة .
هل كل أخوانك درسوا كذلك ، حتى عمر ..؟
حتى عمر درس كلية الطب جامعة الخرطوم وسافر انجلترا على حسابه وتخصص وأخوي الأصغر مهندس ميكانيكي ، وختم (عثمان) تخرج من جامعة الخرطوم سنة 1979م وخالد تخرج من الجامعة الأمريكية بالقاهرة .
ما حقيقة هتافات الجماهير بسوق الخضار بالخرطوم: (ضيعناك وضعنا معاك)؟
دي حصلت آي ، هو جا وطلع عادي وده أظنه واحد من أخواني ونزل السوق ومشى يشتري بطاطس وطماطم وحاجات البيت ، واحد شافو قال ليهم دا عبود، الجماعة بدأوا يلتفوا حوله، في اليوم داك أكلنا بطيخ كتير وشمام ، وهتفوا حول العربية (ضيعناك وضعنا معاك ياعبود) ، هذا في سوق الخضار الخرطوم جنب ميدان الأمم المتحدة .
هل لديه طبيب خاص يشرف عليه ..؟
أبداً هو كان بصحة جيدة ، لكن عنده صديقه الدكتور (محمد علي) اشتغل في حلفا وعينه وزيرا للصحة ، يمشي عادي للأطباء بسبب أو بدون سبب .
كيف كان نظام أكله ..؟
الأكل العادي اللي يتعمل في البيت ، ويحب السمك، أنا عندي عمي حسن عبود كان مدير الميناء في بورتسودان ، فكان من وقت لوقت يرسل له سمك البحر الأحمر .
ماهو تقييمك لفترة حكمه..؟
هذا رأي شخصي ، الحكومات الديمقراطية كلها كانت جارية وراء تقسيم الدوائر الأحزاب وكده ، أنا ما بذكر أي حكومة مدنية في الثلاث فترات الديمقراطية بدليل أن حكومة عبد الله ما قدرت تعمل حاجة من 64 إلى 69 ، المشاريع التي مفترض تتعمل في الزمن داك هي لفترة 6 سنين والمشروع لا يعطي إنتاجاً إلا بعد (10) سنين وهذا ما جعل الاقتصاد يمشي والناس لا تشعر ، بعد ذلك جات فترة نميري هو كان رجل نظيف ووطني لكن رؤيته محدودة.
هل كان يشرف بنفسه على المشاريع ..؟
كنا بنعرف الزيارات الخارجية .
زياراته الخارجية ..؟
الصين ويوغسلافيا ، الاستقلال ما كان تم ، المؤتمر الثاني كان في يوغسلافيا جروا القرعة على أساس تطلع الرئاسة لمنو والكلمة الأولى لمنو، قامت طلعت للسودان ، والمصريين حاولوا يلعبوا لعبة ، وأرسل رسالة لتيتو قال له إذا أنا ما حضرت المؤتمر دا باسم السودان وألقيت الكلمة الأولى ورأست الجلسة الأولى وليس أنا كشخص وإنما كدولة ، إحنا ما جايين ،وترأس الجلسة الأولي وووو إلى آخره ، فالعلاقة بينه وتيتو كانت علاقة وطيدة ، ولما هم عملوا دا ، الدول كانت منشقة عن روسيا واعترفوا بالصين، الاتحاد السوفيتي انزعج لأن هؤلاء منشقين عليهم،والصين عدوتهم قاموا قدموا دعوة الروس ، افتكروها دولة شيوعية فقام سافر يوغسلافيا ، و(برزنييف) جاء السودان استقبلوه في البيت أول بشارع الجمهورية الذي استقبل به عبد الناصر وبه أربع غرف ،والأمريكان خافوا قالوا دي دولة شيوعية وقدم الأمريكان دعوة له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية