بيننا و”نزار” و”عثمان عبد الغفار” .. !!
( .. أشعر بالزهو والكبرياء حين أرى حروفي التي نثرتها في الريح قبل عشرين عاماً تورق وتزهر على ضفاف النيلين الأزرق والأبيض.
هذا الذي يحدث لي ولشعري في السودان شيء لا يصدق، وهو شهادة حاسمة على نقاء عروبتكم، فالعربي يرث الشعر كما يرث لون عينيه ولون بشرته، وطول قامته، ويحمله منذ مولده ويحمله كما يحمل اسمه وبطاقته الشخصية.
مفاجأة المفاجآت لي كانت الإنسان السوداني، الإنسان في السودان حادثة شعرية فريدة لا تتكرر، ظاهرة غير طبيعية، خارقة من الخوارق التي تحدث كل عشرة آلاف سنة مرة واحدة، الإنسان السوداني هو الوارث الشرعي الباقي لتراثنا الشعري، هو الولد الشاطر الذي لا يزال يحتفظ دون سائر الإخوة بمصباح الشعر في غرفة نومه، كل سوداني عرفته كان شاعراً أو راوية شعر، ففي السودان إما أن تكون شاعراً أو أن تكون عاطلاً عن العمل، فالشعر في السودان هو جواز السفر الذي يسمح لك بدخول المجتمع ويمنحك الجنسية السودانية، الإنسان السوداني هو الولد الأصفى والأنقى والأطهر الذي لم يبع ثياب أبيه ومكتبته ليشتري بثمنها زجاجة خمر، أو سيارة أمريكية، هو الإنسان العربي الوحيد الذي لم يتشوه من الداخل.. ) .. هذه اللمحة من خطاب ونثر الشاعر العربي الكبير “نزار قباني” عند زيارته الخرطوم في سبعينات القرن الماضي، وقد دفع لي بها إسفيرياً رجل الأعمال المعروف “عثمان عبد الغفار” .. وقد أجاد في انتقائه لمرافعة “نزار” هذه التي تدفعنا للزهو بمثل ما تدفعنا الآن للتساؤل حول ما إذا كان مشهدنا الذي شاهده “نزار” آنذاك هو الذي نعايشه الآن .. لقد قال “نزار” في ذات هذه المناسبة، وفي نفس المكان قولته الشهيرة : ( القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ) .. ولكن لا عليكم فهذا السؤال ( غير إجباري ) ولا يجب أن تمنعكم إجابته من أن تحتفوا مع “عثمان عبد الغفار” بكلمات “نزار” المجيدة هذه ..