الخرطوم : نجدة بشارة
“لم تكتمل فرحتنا بانسياب السيولة ” بهذه العبارة عبر مواطنون مصطفون أمام الصرافات الآلية بالخرطوم عن خيبة أملهم لتجدد أزمة السيولة .. في غضون أيام معدودة من الانفراج المحدود الذي صحبه سيل من الآمال العريضة ، بحل جذري لأزمة النقد.
ورصدت جولة لـ(المجهر) بالصرافات الآلية ، بالخرطوم ، اصطفاف العشرات من المواطنين أمام الماكينات المغذاة أملاً في الوصول إلى كابينة الصراف قبيل فراغها من النقد نتيجة للإقبال الكبير.
فيما أصبحت بعض الصرافات خارج التغطية ، وتشهد البنوك في ذات الوقت ازدحاماً كبيراً،
وعادت أزمة شح السيولة للظهور هذه المرة بالتزامن مع موعد مرتبات صرف العاملين بالدولة في القطاعين الخاص والعام .
وكان رئيس الوزراء “معتز موسى”، قد حدد ميقات (7إلى 10) أسابيع لحل أزمة السيولة بالبلاد جذرياً ، ووجه في وقتٍ سابق بمعاقبة المصارف التجارية الممتنعة عن تغذية الصرافات الآلية لأكثر من (24) ساعة بفرض عقوبات مالية.
فيما أكد محافظ بنك السودان ، “محمد خير الزبير” ، عن وصول أربع شحنات من الأوراق النقدية خلال أكتوبر ونوفمبر من مطابع خارج البلاد، وقال في تصريحات صحفية سابقة بأن هذه الكمية ستحل مشكلة شح النقد وأقر “الزبير” بأن الأزمة ليست في السيولة النقدية وإنما في طباعة الأوراق .
وأوضح حسب تصريح صحفي بأن أول شحنة من الأوراق المالية ستصل في الحادي عشر من الشهر الحالي وشحنة أخرى في الرابع والعشرين من ذات الشهر ، وأن شحنتين في مطلع شهر نوفمبر ونهاية الشهر .
ومع ذلك يتردد سؤال مشروع هل الأزمة باتت عصية على الحل ….؟؟ أم أن فقدان الثقة بين العملاء والبنوك أصبح يؤثر في حجم النقد في البنوك، خاصة في إطار مقارنة حجم الكتلة النقدية الخارجة من البنوك مع حجم الإيداع..؟
ويرى خبراء أنه بالرغم من طرح الدولة لكمية معقولة من النقد بالمصارف إلا أن حجم السحب تجاوز الكمية المطروحة لاستعجال أغلب العملاء سحب أكبر قدر من أرصدتهم .ولم يردعهم السقف الذي حددته الصرافات بـ(2000) جنيه
*بنوك توقف بطاقات البنوك الأخرى من السحب من صرافاتها….
وفي خضم تفاقم الأزمة لجأت بعض البنوك أمس إلى إيقاف التعامل بصرافاتها مع أي بطاقة صرف تتبع لبنك آخر وحصرت هذه البنوك تعاملاتها مع عملائها فقط ،وأبدى مواطنون سخطهم نتيجة لهذا القرار واعتبروه مجحفاً في حقهم حيث أشار المواطن “حامد” بأنه قضى نصف النهار يزحف بالصف بإحدى الصرافات الآلية وعندما وقف أمام الماكينة تفاجأ بعدم استجابة الماكينة لبطاقته التي تتبع لبنك آخر ، وأن الصراف لا يتعامل إلا مع عملاء البنك فقط .
وقال الخبير الاقتصادي ووزير الدولة السابق بالمالية د.”عز الدين إبراهيم” في حديثه لـ(المجهر) إن من حق البنوك احتكار صرافاتها لصالح عملائها فقط ، وقال (أولى لك فأولى )في إشارة أن الأولوية للعملاء ،وقال إن شح الكاش اضطر البنوك لاتخاذ هذا القرار.
*معالجات …ولكن ¡…
ويرى د.”إبراهيم” أنه لمعالجة أزمة شح الكاش لا خيار أمام الحكومة سوى طباعة مزيد من العملة بيد أن شحنة العملة التي دخلت قبل فترة قليلة نضبت في فترة وجيزة ،فيما أن طباعة الكاش تكلف مزيداً من العملة الأجنبية.
وناشد المركزي بطرح كميات أكبر من الكاش لإشباع النهم وبالتالي سيقل الطلب تدريجياً ،وطرح “عز الدين” سؤالاً: هل هنالك مشكلة في مطبعة العملة بالسودان ؟؟ أم هنالك مشكلة تدعو الحكومة لتلزم الصمت ولم تصرح بها ….؟
فيما يرى الخبير الاقتصادي د.”عبد الله الرمادي” في حديثة لـ(المجهر) أن الحكومة لجأت لطباعة العملة كحل للأزمة ،ولكنها سرعان ما أعطت نتائج عكسية ومازالت الحلول عصية، فكمية النقد التي طبعت قبل فترة بالخارج لا تفي حجم الطلب المتزايد .وأردف: الحكومة بهذه السياسة ستضطر لطباعة المزيد ثم المزيد وبالتالي ستحتاج إلى مزيد من العملة الأجنبية لطباعة النقود .
* قرار يمنع استخدام (الكاش) في بيع العربات والأراضي…
ورغم مراوحة الأزمة لمكانها أصدرت لجنة القواعد في السلطة القضائية قراراً بتعديل القواعد الخاصة بتنظيم وضبط أعمال التوثيقات لسنة 2000م، وذلك في ما يتعلق بوثيقة التصرف الخاصة بالعقارات والأراضي والعربات، بحيث لا تتم كل التصرفات الناقلة للملكية في الأراضي والعقارات والمركبات إلا عن طريق الشيكات المصرفية وفقاً لأسس وضوابط يُلزم بها جميع الموثقين والجهات ذات الصلة.
واعتبر أن هذا القرار سياسة حكومية لربط السوق بالدفع الالكتروني بتحويل الحساب من حساب لحساب آخر وستقلل الطلب على الكاش مما تعطي انفراجاً نسبياً في الطلب على الكاش، وقال مثلا: إذا كان حجم السيولة الكلية بالبلاد (300) مليار جنيه ،لدى المواطن (80) مليار جنيه ولدى البنوك (220) مليار جنيه وهذا يعني ليس هنالك أزمة سيولة بالمصارف وإنما أزمة ورق نقدي.
وحسب خبراء فإن الحكومة تعمدت بذلك تجفيف الكتلة النقدية، للحد من التعامل بالنقد خارج النطاق المصرفي ،واعتمدت سياسة تحجيم السيولة التي مضى عليها حتى الآن (7) أشهر، على تحديد سقوف لعملاء البنوك للسحب من أرصدتهم، وهو ما أثار استياءً بالغاً وسط العملاء الذين أحجم غالبيتهم بعد ذلك عن إيداع أموالهم في البنوك، ويُقابل تلك السياسة تشديد من البنك المركزي على العملاء على استخدام أدوات الدفع الإلكتروني كبديل لاستخدام النقود.
وفي المقابل، حذر “عبد الله الرمادي” من آثار أزمة السيولة على قطاع المصارف، خاصة بعد أن فقد العملاء ثقتهم بالبنوك التي باتت غير قادرة على تلبية طلباتهم بسحب ودائعهم.
وحمّل البنك المركزي السبب من تجدد شح السيولة نسبة لسياساته بعدم التوازن بين حجم الكتلة النقدية مع حجم التوسع في الإنفاق ،مما أدى إلى تجفيف الكتلة النقدية ،وأردف لابد من أن يتناسب حجم الكتلة النقدية مع الناتج المحلي لأن الناتج المحلي تضاعف عدة مرات من إنتاج الذهب (200)طن فيما ظل حجم الكتلة يراوح مكانه.