مجرد سؤال

(غابت شموس العز)

رقية ابوشوك

لن يستطيع الإنسان أن يتغلب على الحزن العميق إلا بالصبر والإيمان القوي والرضا بقضاء الله وقدره والقول في لحظة مصيبة الموت (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) .. فموت عزيز يؤدي إلى تغيير مجرى الحياة على نطاق الأسرة والأهل والأصدقاء، ومن ثم تبدأ الترتيبات للتأقلم مع الوضع الجديد والحياة بدون الأب مثلاً أو الأم أو الأخ والأخت أو حتى زميل أو صديق خاصة وأنهم يمثلون كل شيء في حياة الإسرة التي لن تنساهم مهما طال الزمن.. فعندما تجيء لحظات الفرح نتذكر أمواتنا الذين لم ننسهم، فالأفراح تذكرنا دائماً بهم بشكل أعمق لأن الذين سيشاركوننا أفراحنا بشكل أعمق قد رحلوا.. هذه هي الدنيا وهذه هي الحياة التي تمضي رغم كل شيء.
بالأمس رحل عن دنيانا الفانية واحد من أعز الأعزاء لدينا “هاشم المبارك” (الهاشمى) ابن (كورتي) بالولاية الشمالية.. صديق ورفيق درب شقيقي “محمد أبو شوك” الذي سبقه بعام ونصف العام.. كان خبر وفاته كالصاعقة علينا.. بكينا من الأعماق (والدي ووالدتي وشقيقاتي وأهلنا ومعارفنا)، توفي فجأة بعلة لم تمهله نصف ساعة ليلحق بصديقه الذي توفي بحادث حركة ليؤكدا لنا أن موت الفجأة يجب أن نعده له.
رحل “الهاشمى” الذي عرف بورعه وأخلاقه العالية، رحل وهو الذي كان الأب الثاني لـ(مصعب ومعاذ وأشقائهما) يقف معهم وهم يتأهبون للزواج.. رحل وهو الذي كان يتفقدهم ويسأل عنهم ويسأل عن والدي ووالدتي ويسأل عنا.. رحل النبيل الأصيل أبو (عبد الله وريان).. شقيق علي وعثمان وإخوانهما.
فالموت حق (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).. رغم هذه الآية الكريمة لكننا مع زحمة الحياة ننسى أننا (ميتون) وتلهينا الدنيا ولكن فجأة نتذكر الموت لحظة موت عزيز.
نعم أنهم (شموس العز التي غابت) كما أشارت لذلك شقيقاتي وهن ينعين “محمد” و”الهاشمى” في إشارة منهن للتوثيق للشموس التي غابت عن دنيانا.
أقول هذا وفي خاطرى البص الذي يأتي قادماً من (الكلاكلة اللفة للسوق العربي) والعكس.. هذا البص كتب على مؤخرته (لن أنساك وبعدك الأيام حزينة) وأقول مبالغة إن هذا البص يصادفني أكثر من أربع مرات في الأسبوع وأردد حين أراه نعم: (لن أنساك وبعدك الأيام خزينة)، وحينها تنهمر دموعي وأتذكر لحظة موت شقيقي “أبو شوك”.. نعم إنه الشيطان الذي يزين لنا ويجمل حتى نكون ضعفاء أمامه.
جالت بخاطري كلمات شاعرنا ابن الشمال د. “محمد بادي” وهو يرثي الشاعر “إسماعيل حسن”، وودت أن أختم بها وهي ذات المرثية التي كنت قد اخترت منها أبياتاً وأنا أكتب عن الراحل المقيم بيننا “محمد أبو شوك” مخاطباً هنا (طويرة الأحزان) التي تبكي وهي تفقد ريشها.. تبكي للريش الذي سيرجع إليها مرة أخرى ولكن ما بال الذين لا يرجعون.. فنحن نبكي ونحزن ولكنهم لا يرجعون:
آه يا طويرة الأحزان
آه لو كان تعرفي البي
جرحك إنتِ صاب الريش
وجرحاً لي مسافر في النسيج الحي
دريبي بعيد وحزني فريد
ومما رحل البلبل الغريد
بسرح في عيون الناس
بسـأل ولو سؤالي يفيد
كيف الدنيا تصبح دنيا
والصيد يبقى يا هو الصيد؟
نسال الله الرحمة والمغفرة لجميع موتانا وموتى المسلمين وأن ينزلهم منزلة الصديقين والشهداء ولا نقول إلا ما يرضى الله (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية