خارطة طريق "الكودة" .. دعوة لـ (الدولة المدنيّة) من حزب إسلامي!!
{ قدم (حزب الوسط الإسلامي) وثيقته المسماة (وثيقة الإطعام من جوع والأمن من خوف)، المكونة من (14) بنداً، وعنوانها العريض (حكومة قومية تخرج البلاد من مأزقها الحالي وأوضاعها السيئة) عبر لقاء الحادبين على الإصلاح – كما قالت – وتم تسليمها أخيراً إلى القوى السياسية كافة ومنظمات المجتمع المدني، دون أن تستثنى الحكومة، علها تعين – حسب توصيفها – في الخروج بالبلاد إلى بر الأمان، والإطعام، وفقاً لتوصيفات الدكتور “يوسف الكودة” رئيس الحزب، الذي أدار نقاشاً مفتوحاً صباح أمس (السبت)، شاركت فيه قوى المعارضة الحزبية وأكاديميون وخبراء اقتصاد وساسة مستقلون، من بينهم الدكتور “كامل إدريس”، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية.
{ وأبرز ما يُحسب لصالح هذه الوثيقة، بحسب مراقبين، أنها أتت من أحد الذين يوصفون عادة بأنهم من الدعاة الإسلاميين، حيث جاهرت أولى بنودها بأن (السودان دولة مدنية)، باعتبار أن ذلك لا يتعارض مع الإسلام، وهو ما يعتبر رأياً متقدماً ومتماهياً مع العصر، سجل فيه هذا الحزب سبقاً لقضية صراع فكري وسياسي بين أبرز التيارات الموجودة على الساحة السودانية والإقليمية، وبخاصة دول الجوارالقريبة والبعيدة التي اجتاحها الربيع العربي، فقفزت هذه القضية كأبرز التحديات والاختلافات بين التيارات الإسلامية من جهة والليبرالية واليسارية من الجهة الأخرى، ولكونها أتت من حزب إسلامي هو (حزب الوسط)، في وقت يشهد شداً وجذباً كبيرين بين دعاة الدولة الدينية والدولة المدنية.
{ والوثيقة المطروحة التي وزعت على الحضور من الأحزاب والمنظمات والإعلاميين، دعت علاوة على طرحها ذاك إلى (نبذ العنف أيا كان طريقاً للتعبير، والى اعتماد الطرق السلمية تداولاً للسلطة)، واعتبرت أن كل وسائل الديمقراطية من انتخابات وبرلمانات واعتماد لرأي الأغلبية هي آليات لتحقيق الشورى في مناحي الحياة كافة، وقالت إن المرأة هي إنسان كامل مكلف كالرجل تماماً، ولا بد من اكتشافها من جديد للوقوف على مدى الخسارة التي لحقت بالأمة جراء غيابها عن ميدان الحياة العامة، وقالت أيضاً (إطعام الناس من جوع وتأمينهم من خوف من أولويات الأنظمة الحاكمة)، وأكدت على أن (العدل وبسط الحريات والمساواة أساس الحكم)، وأشارت بوضوح إلى أن (المواطنة أساس توزيع الحقوق بين المواطنين، والانتماء للسياسة والجماعات أمر مباح طالما أنه يسود بين تلك المجموعات التعاون والإخاء ليصب الجميع داخل الانتماء الأعظم وهو الانتماء للأمة)، أما غير المسلمين في السودان فاعتبرتهم وثيقة حزب الوسط (تحت جوارنا وأمننا وبرنا وقسطنا، والدم المعصوم لا يباح بالشك ولا بالضعيف من الأقوال)، واعتبرت (التواصل مع الغير من أهل الديانات والملل الأخرى ضروري للتلاقح والحفاظ على الهوية)، وقالت (إن أهل القبلة جميعاً يعاملون وفقاً لما طلبه الشرع من معاملة المسلم لأخيه المسلم حسبما تطلب الأمر من محبة أو نصح أو توبيخ)، وأكدت أن (الجهاد لا يعني القتال فقط، إنما له معانٍ ومدلولات أخرى كثيرة، فهو أعم من القتال والقتال أخص منه)، وختمت الوثيقة بنودها بالقول (يكفي في إثبات محاربة الفساد ما كان من قرائن ولا تشترط فيه من قواعد إثبات كما هو الحال في بقية الجرائم الجنائية الأخرى من شهود أو إقرار أو غير ذلك).
{ أبرز المرحبين بوثيقة حزب الوسط كان الإمام “الصادق المهدي” الذي أرسل خطاباً مختزلاً بهذا المضمون، فيما كان القيادي بحزب الأمة القومي “عبد الرحمن الغالي” مشاركاً بالنقاش وإبداء وجهة النظر حيال البنود التي حملتها وثيقة السودان السياسية.
{ وفي سياق تناوله لبنود الوثيقة نادى “محمد ضياء الدين”، الناطق الرسمي باسم (حزب البعث العربي الاشتراكي)، بضورة تأكيد مدنية الدولة والإقرار باستقلال الدولة عن الدين، واستقلال الدين عن السياسة لا الفصل بينهما، وقال إن نبذ العنف يتطلب الإعلان الواضح عن تجريم التعذيب، وتجريم المليشيات، ونادى بتعريف مصطلح (الشورى) وعدها مرادفاً للديمقراطية على أن تكون أهم مضامينها حرية التعبير واحترام الرأي الآخر، على أن تكون المرأة مواطناً كامل الأهلية لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات، على أن يكون القضاء مستقلاً، والشرطة والأجهزة النظامية الأخرى قومية، والمواطنة بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، والتأكيد على حرية التنظيم والتعبير والتجمع السلمي والرأي، والامتناع عن أي تشريع ينتقص من تلك الحقوق. ونادى حزب البعث بالمساواة بين المواطنين وتجريم أي مظهر أو فعل للتمييز الديني أو العرقي أو الجنسي ، مع تأكيد التسامح الديني وحرية الاعتقاد، إضافة لتأكيد سيادة القانون والمساءلة وإعلاء قيمة الشفافية في أعمال الدولة.
{ وفيما اتفق الجميع على ضرورة تغيير النظام القائم، ثمنوا الوثيقة المقدمة نائب الأمين السياسي وعضو هيئة القيادة بحزب المؤتمر الشعبي “الأمين عبد الرازق آدم”، وقال إنهم يتفقون مع أغلب البنود التي حملتها الوثيقة، إلا أن المصطلحات تحتاج للاتفاق حولها، مثل بندها الأول (الدولة المدنية) وعدم تعارضها مع الإسلام، وهل هي دولة دينية أم عسكرية. وأضاف ممثل المؤتمر الشعبي: (نحن نقبل بالحكومة القومية على أن تكون انتقالية حرة ومكونة من كل أهل السودان، وهذه لن تأتي إلا بإسقاط النظام).
{ من جانبه عد الأمين السياسي للحزب الوحدوي الناصري “ساطع محمد الحاج” الوثيقة، مهمة، وقال إن النظام القائم فشل في إيجاد معادلة لإدارة التنوع في السودان، وعمق الفشل في الاقتصاد، واعتبره أسوأ نظام يمر على البلاد منذ العام (1821)، حيث عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحول الوطن إلى مجتمعات قبلية وجهوية في القرن الحادي والعشرين، ورأي ضرورة إسقاط النظام مهما ارتفعت الكلفة، ثم وصف الوثيقة بأنها محترمة وجيدة، وفيها الكثير من إزالة الضبابية بالنسبة للأحزاب الإسلامية، وقال: (نحن نتحدث عن دولة مواطنة، والمطلوب توضيح لبعض بنود الوثيقة، ثم اقترح أن يتقدم حزب الوسط الإسلامي بها لقوى الإجماع بعد مناقشة بعض فقراتها).
{ أما القيادي بحزب الأمة القومي “عبد الرحمن الغالي” فهو، بعد تأييده للوثيقة، وصف بنودها بالجيدة، وقال: (نحن نؤيد المخرج السلمي المدني عبر الجهاد المدني لإيجاد تغيير آمن وسلس من أجل المستقبل)، ودعا لتوسيع دائرة المشاركة لتشمل كل قطاعات المجتمع المدني، وأضاف: (هنالك أصوات من داخل النظام نفسه تنادي بضرورة التغيير وتقر بوجود أزمة بالبلاد).
{ وفي سياق متصل نادي الخبير الاقتصادي “محمد إبراهيم كبج” بقيام ديمقراطية اجتماعية فيها دولة الرعاية الاجتماعية التي تهتم بالشرائح الضعيفة، وقال إن شعارات (الإنقاذ) الاقتصادية سقطت، وأكد أن الأزمة الاقتصادية الحالية ما كان لتحدث لو أحسنت الإنقاذ إدارتها للاقتصاد، وقال إن الحل في قيام “دولة مدنية وللرعاية الاجتماعية.
{ وتحدث الأستاذ “غازي سليمان” معلقاً على الوثيقة السياسية، وقال ناصحاً رئيس منتدى مراجعات الدكتور “يوسف الكودة” بأن لا تعتمد الوثيقة على الحزبين الكبيرين، لأنهما يجلسان مع الحكومة وداخل القصر، في الوقت ذاته يؤيد بعض منسوبيهما المظاهرات والاعتصامات، وذلك حتى لا يعاد إنتاج الأزمة، ويجب تلافي الخطأ. كما أشار “غازي” إلى أنه لا ينتمي حالياً لأي حزب أو جماعة، ويقول كلمته في أي مكان ويذهب.
{ وقرأ “أمين بناني” رئيس حزب العدالة القومي، الوثيقة السياسية، واقترح حذف ثلاثة بنود قال إنه لا داعي لها، تهتم بتنظيم التعامل مع غير المسلمين من دول الجوار، متفقاً مع الأستاذ “ساطع الحاج”، وردد قائلاً: (إن إدارة البلاد أمنياً هي جوهر المشكلة في السياسة الحالية).
{ كما أكد خمسة من المتحدثين على وجود مشكلة في لغة ومصطلحات الوثيقة بكونها ذات خلفية إسلامية ولم تراعِ مبتدأ الحلول من مراعاة التنوع الإثني والثقافي والديني في السودان.
{ وأقرت الأستاذ “نهى النقر” بتهميش المرأة داخل الأحزاب وحجبها من المشاركة في اتخاذ القرارات المهمة.
{ وفي عجالة خاطفة تحدث البروفيسور “عبد الله علي إبراهيم” معلقاً على الاتهام الخاص بالمرأة وتغيير اللغة حول إشكالات المرأة.
{ هذا ولم يشارك القيادي بالمؤتمر الوطني “إبراهيم غندور”، حسب ما هو معلن، لمناقشة الوثيقة السياسية المقدمة من حزب الوسط، ولم يشرك أي ممثل من الحكومة أو المؤتمر الوطني، والسؤال: هل ستتسع دائرة الاهتمام والنقاش لضم أطراف أخرى من الحكومة والمؤتمر الوطني، أم أن الوثيقة معدة أصلاً لتكون نواة جديدة لتكوين تحالف ثانٍ من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني؟! هذا كله منظور في مقبل الأيام.