رأي

اعتراف "أبو قردة".. ورغبة الأطباء عن دارفور!!

للأسف أصبحت مهنة الطب، الوظيفة الإنسانية التي تداوي جراح وقلوب المرضى لدي بعض الأطباء مجرد (بيزنس ), انتابتني الدهشة عندما علمت من الأنباء الواردة في بعض الصحف اليومية في مطلع الأسبوع المنصرم عن اعتراف وزير الصحة الاتحادي “بحر إدريس أبو قردة” في اجتماع مجلس الولايات بتردي الأوضاع الصحية ونقص الكوادر الطبية من الاختصاصيين بدارفور، وعدم رغبتهم في العمل بولاياتها, الأمر الذي أضطرهم إلى استقدام اختصاصيين من الخارج لسد هذا النقص, وعزا ذلك إلى أن الاختصاصيين غير راغبين في العمل في دارفور لقلة الرواتب التي يتقاضونها.
اختار أطباؤنا الهجرة إلى خارج البلاد مع تزايد أعدادهم حسب  التقارير الحكومية، التي رسمت صورة قاتمة عن تزايد معدلات المهاجرين السودانيين خلال العام الحالي، وأكدت أنها بلغت خلال عشرة أشهر حوالي (75.631) مهاجراً، غير أن التقارير أشارت إلى أن الكوادر الصحية والتعليمية هي الأكثر هجرة، حيث بلغ عدد المهاجرين من الأطباء (5028) طبيباً خلال الخمسة أعوام الماضية.
من الأفضل، والأيسر أن توفر وزارة الصحة البيئة المريحة للاختصاصيين وتحسّن أوضاعهم وتدفع لهم أجوراً مجزية حتى تنخفض نسبة هجرتهم أو تنعدم تماماً, بدلاً عن استقدام الكوادر الطبية من الخارج، وتعلمون أن مرتباتهم تدفع بالعملة (الدولارية) الصعبة في زمن التقشف هذا.
نعلم تماماً أن ظروف الحياة أضحت ضاغطة وقاسية، وهناك غلاء طاحن في أسعار كل شيء حول المواطن, كل أسرة تحلم بأن يتخرج ابنها أو ابنتها في كلية الطب، ويحمل صفة (طبيب) حتى ينعموا بخيرات وظيفته, وهذا لا يمنع أن يتعامل الطبيب السوداني مع هذه المهنة الإنسانية بما تحتمه عليه من العمل في كل مكان وتحت أي ظرف.. لماذا يرفض الطبيب تقديم خبرته لمعالجة جراح مرضاه في دارفور؟ أليست هي جزءاً من وطننا العزيز؟  هؤلاء هم أبناء الوطن الكرماء, على وزارة الصحة الاتحادية والولائية أن تعد خطة يتم بها تقسيم الأطباء وفق جدولة زمنية معينة تتراوح فترة عمل الأطباء فيها ما بين السنة إلى سنتين وإلزامهم بالعمل في ولايات دارفور لسد النقص في الكادر الطبي, أسوة بما يحدث في مجالات عدة، فمثلاً الطالب الحربي أو العسكري عندما يتخرج في الكلية ويتم توزيعه في وحدته ينفذ التعليمات التي توجه له بدون أي اعتراض أو رفض للعمل في أية منطقة مهما كانت, لأنه أقسم بالله أن يؤدي واجبه على أكمل وجه لحماية أرضه ووطنه.. فكيف للأطباء أن يرفضوا العمل بولايات دارفور أو غيرها من الولايات الأخرى؟!
 لذلك من حق الوزير والوزارة توجيه الأطباء بممارسة مهنتهم في المكان الذي تراه مناسباً, ولا تنصاع لأمانيهم ورغباتهم لأن هذه المهنة لا تحتمل المجاملة. وفي حالة رفض الطبيب المكلف بالعمل في الولاية المعنية على الوزارة أن تتخذ ضده إجراءات صارمة حتى لو استدعى ذلك سحب رخصته وحرمانه من مزاولة عمله كطبيب.
لابد لأي طبيب أن يجوب الديار السودانية ويعدّ نفسه (سفيراً) في طريق واحد، كما قال الحكماء (شق الديار علم) يدفع ضريبة الوطن.. تكدس الاختصاصيين في الخرطوم (دا كلام ما بنفع)، لابد من معالجة هذه المشكلة وينصاع الأطباء لتوجيهات الوزارة في تنقلاتهم لأداء مهامهم الإنسانية السامية في مختلف بقاع السودان لتزداد خبراتهم, حتى يتشرف المستقبل بكبار الاستشاريين في هذا المجال الحيوي، ويذهبوا إلى ولايات السودان غرباً وشرقاً و شمالاً ويقدموا عصارة تجاربهم في الحياة العملية بخدمات صحية متطورة في هذا الحقل المهم  للإنسان، وأداء محاضرات في الجامعات الولائية حتى ينهل الطلاب منهم علماً نافعاً.
على الوزارة أن تضع للذين يعملون في الولايات من الاختصاصيين زيادة في أجورهم، وتوفّر المخصصات الممتازة من إعاشة وسكن وترحيل وحوافز تشجعهم على العمل هناك.. وأن تخفض مرتبات الذين يعملون في المركز- أي – الخرطوم، وإلزام الاختصاصيين بساعات دوام كاملة يرابطون فيها بالمستشفيات العامة ثم بعد ذلك يتفرغوا لعياداتهم أو مستشفياتهم الخاصة.. وعليهم أن لا ينسوا يوماً أن الدولة قد ابتعثت البعض منهم خارج البلاد لعمل دراسات عليا وأعطتهم المنح لإنجلترا وألمانيا وغيرهما من الدول المتقدمة في هذا المجال، ومنهم من حاز على صفة (بروف) أو (استشاري) أو (عضوية) أو (زمالة).. كل هذه المقامات والرفعة كانت من مال الشعب.. ومن المهم أن يوجد اختصاصي في المستشفي العام حتى تنخفض نسبة الأخطاء الطبية الشائعة ومشاكل التشخيص الكثيرة بسبب التنظير وعدم الخبرة.. أمشوا (يا دكاترة) الغرب والشرق والشمال وشوفوا معاناة الناس وداووا جراحهم النازفة، وإن شاء الله وزارة الصحة تفطن لمسألة هجرة (الدكاترة) وتمنعهم، لأن السودان يحتاج لأبنائه العباقرة وإذا كان لا بد من الهجرة فيجب أن تكون بشروط، منها أن تعمل (يا دكتور) أولاً بولايات دارفور وغيرها من مناطق الشدة. ثم بعد ذلك (لو عايز تهاجر الله يسهلها عليك).
{ آخر البث:
سيّر أطباء كبار سعوديون قافلة طبية تحت رعاية منظمة (سند الخيرية) وقاموا بإجراء (80) عملية قسطرة لفلذات أكبادنا بـ(ود مدني) من مجموع مئات الأطفال في انتظار مداواة جراح وثقوب قلوبهم البريئة.. شكراً حزيناً لهم على هذا العمل الإنساني الكبير وثوابهم عند الله عظيم.. على أطبائنا تسيير مثل هذه القوافل الطبية وتسخيرها لواجب إنساني و(ما تكون صفقة بيزنس).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية