نزل فراق الخليفة الكبير “عبد المجيد عبد الرحيم” عن ساحة الدنيا على السودانيين والاتحاديين وأهل الطريقة الختمية كالصاعقة الحارقة والزلزال الكاسح، فقد كان الراحل على صدر قائمة أصحاب التقدير الفخيم والمنزلة الرفيعة على نطاق الحزب والطريقة، وكان للفقيد سحر لا يطابق إلا بصمته، ونكهة استثنائية لا تشبه إلا ذاته.. ظل الخليفة “عبد المجيد عبد الرحيم” يحتل مكانة ذهبية في سويداء مولانا “محمد عثمان الميرغني” فقد كان الراحل يقضي حوائج مولانا مهما تعقدت المهام والتكاليف ويحترق في سبيل إرضائه مهما تضخمت الأعباء والمسؤوليات، علاوة على ذلك فقد كان “عبد المجيد” قارئاً ذكياً وخبيراً عميقاً بتركيبة مولانا المزاجية والنفسية، يعرف كيف يدغدغ خواطره وانفعالاته ويلمس الزر السحري في شخصيته، وبذلك صار حائزاً على لوحة الإعجاب والثقة المعطونة بعلم الباطن من السيد “محمد عثمان”.
دور الخليفة “عبد المجيد” في إرجاع ممتلكات السادة “المراغنة” مسجل في دفتر التاريخ، فقد كانت مهمته في غاية الصعوبة والتعقيدات والتشابك المتداخل، حيث كان المطلوب منه معالجة إشكالية آلاف شهادات البحث للأراضي الزراعية والسكنية والمنازل والاستراحات المصادرة، في ظروف مضطربة وأجواء مكهربة، لكنه في نهاية المطاف استطاع أن ينجح في تحركه الواعي الذي أفضى إلى إرجاع هذه الممتلكات إلى أصحابها، وقد مارس هذا الدور بهمة عالية وذكاء شديد وصبر لا حدود له، وكذلك يحسب للراحل نشاطه الدافق في خدمة الطريقة الختمية بماله وجهده، كما ظل على صعيد العمل السياسي يعمل في إطار وحدة الاتحاديين من وراء الكواليس بمنهج معتدل، وكان يرفض أسلوب المشاكسين والمتعصبين في الحزب.. في الصورة المقطعية ظل الفقيد “عبد المجيد” يقوم بدور مولانا “أحمد الميرغني” بعد وفاته بشهادة الكثيرين، فقد كان يتفاعل مع الأحداث الملتهبة ويخترق المسارات المغلقة في إطار الرجوع للسيد “محمد عثمان” في كل صغيرة وكبيرة.
على المستوى الشخصي لمست قدرة الراحل على العطاء في البناء والتنظيم ومقارعة الصعاب من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها مولانا “أحمد الميرغني” للشمالية، فقد كان “عبد المجيد” المساعد الأول له في تلك الزيارة الملحمية، والتي شملت محافظات مروي وكريمة والدبة، وقد كان “عبد المجيد” فخوراً يومذاك وهو يقدم وثيقة جده الخليفة “محمد النقيب” الذي كلف بأعباء الخلافة ونشر الطريقة الختمية منذ وقت مبكر على يد السيد “محمد عثمان الختم”، فقد كانت سيرة الراحل تجسد ضمير الشخصية الصادقة التي لا تخذل أهله ورسالته انطلاقاً من مبادئ راسخة ويقين لا يخالطه الظن، وقد كان “عبد المجيد” خليطاً بين شخصية صاحب الإتيكيت والبرستيج والفخامة العصرية وبين شخصية الرجل المتواضع والملتصق بعامة الناس.
من المشاهد المؤثرة في مآتمه ما قاله صديقه الوفي “وداعة عبد الله” بشهادة “محمد خير محجوب” بأن رحيل “عبد المجيد” سوف يغير أشياء كثيرة في نفوسنا وتوجهاتنا خلال المستقبل.. لم يكن غريباً أن تتقاطر تلك الملل والأجناس والقامات السياسية المختلفة بالآلاف في يوم وداعه بمقابر فاروق، فقد كانت اللوحة صادقة ومعبرة على فداحة الحدث الجلل، وكذلك لا ننسى الصورة الباهرة في تأبين الفقيد والتي ارتسمت عند ترتيبات خلافة ابنه “محمد” في مكان والده “عبد المجيد” على الطريقة الختمية بكل ألقها وجمالها والتي تمت على يد مولانا “إبراهيم الميرغني”.. رحمه الله، لقد حزن عليه الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، وفقدته أسرته المكلومة وأبناؤه “محمد” و”خالد” و”عبد الرحيم” و”أبو بكر” و”عمر” والعزاء لجميع أهل الطريقة الختمية والاتحادي الأصل.. نسأل الله أن يتقبل الفقيد “عبد المجيد” في الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.