شهادتي لله

قفزة الدواء .. الثالثة في الظلام !!

أخيراً .. بعد أن طبقت الحكومة سياساتها الجديدة نحو تحرير سعر صرف النقد الأجنبي وتركت إدارته لمن أسمتهم (صناع السوق)، اكتشفت فجأة أن هناك مشكلات كبيرة ومعقدة نتجت جراء هذه السياسة ، لم تتحسب لها وربما لم تتذكرها ، لأن الفكرة الأساسية لهذه السياسات هي السيطرة على الارتفاع المستمر في سعر الصرف ، ولكن ما فائدة السعر الموحد إذا كان سيخلق أزمةً حادةً في سلعة الدواء .. مثلاً ، دعك من بقية السلع الاستهلاكية المهمة !
الدواء سلعة إستراتيجية ، وكان لابد أن تستصحب هذه السياسات معالجات خاصة للدواء ، كما هو الحال بالنسبة لسلعتي القمح والوقود ، فانعدام الأدوية أو ارتفاع أسعارها بأرقام فوق احتمال المواطن ، يعني المزيد من الوفيات ، والمزيد من المرضى بحالات حرجة في غرف المستشفيات وأسرة العناية المركزة صباح كل يوم جديد .
لقد ظللنا نخاطبهم طوال الأسابيع الماضية ، ونناشدهم ألا يقفزوا في الظلام غير أنهم قفزوا ودخلوا في مأزق بعد مأزق .
ويحدثنا (صناع السوق) الذين لا يصنعون شيئاً مفيداً غير أن يعلنوا السعر المناسب مع تجار الدولار ، يحدثوننا كل يوم عن ارتفاع مشتريات النقد الأجنبي بالمصارف ، وكيف أنها تجاوزت الـ(100) مليون دولار خلال الأيام الماضية . حسناً .. ثم ماذا بعد ذلك ؟!
ماذا تفعل البنوك ، بل ماذا يفعل الموردون بمائة مليون دولار بسعر (47) جنيهاً للدولار ؟
هل بإمكان المواطن السوداني احتمال أسعار أدوية مستوردة بحساب دولار (47) جنيهاً ؟!
هل بإمكانه الاستمرار في شراء أي سلعة بما فيها معجون الأسنان وصابون الحمام ، بقيمة محسوبة بسعر دولار (صناع السوق) ، زائداً رسوم الجمارك التي قد تبلغ (80%) في سلع بالغة الأهمية مثل لبن وحفاضات الأطفال ؟!
سيترك الناس لبن الأطفال الخُدج ، لأن سعر العلبة بلغ (400) جنيه ، والنتيجة المتوقعة في مقبل السنوات : أجيال منهكة صحياً ، تعاني باستمرار من أعراض وأمراض نقص الكالسيوم والحديد والفيتامينات .
لإقرار أية سياسات عامة ، ينبغي إمعان النظر جيداً في آثارها السالبة على المواطن ، فما قيمة حكومة لا تكون غاية سياساتها خدمة المواطن وتخفيف العبء عليه ؟!
الآن .. ولمعالجة أزمة الدواء المستفحلة ، وجه رئيس الوزراء مجلس الصيدلة والسموم والإمدادات الطبية باعتماد نظام العطاءات لاختيار الأصناف الدوائية الأرخص سعراً واعتمادها !!
وهو حل تعسفي ، لم يخضع لنقاش داخل مجلس الوزراء ، ناهيك عن تداوله بمنطق مع وكلاء شركات الأدوية العالمية .
هذه الشركات لديها أدوية مسجلة لدى المجلس منذ سنوات ، وقد صرفت على إجراءات تسجيلها ومعاملات استيرادها وتسويقها في السودان أموالاً طائلةً ، فكيف يأتي اليوم السيد رئيس الوزراء ليشطب كل ذلك بقرار غير مدروس ، ويمنح الحق لمجلس الأدوية والإمدادات ليقرران عبر لجان بيروقراطية في أمر الاستيراد أو منعه بعد أن نال الوكيل رخصة التسجيل والتوزيع منذ سنين عددا ؟!
ليس هذا حلاً ، بل هي قفزة ثالثة في الظلام .
فما دمت تعتمد سياسة السوق الحر ، فليس أمامك غير فتح التسجيل لآلاف الأدوية غير المسجلة بالسودان ليحدث التنافس بآليات السوق الذي حررته في سعر الدولار والريال والدرهم ، وتريد أن تتحكم فيه في سوق الدواء في مفارقة عجيبة وغريبة !!
وقبل أن تتحقق نتائج فتح تسجيل أدوية جديدة من كل دول العالم ، لتحدث الوفرة وهبوط الأسعار ، يتوجب على الحكومة أن تدعم سلعة الدواء بإجراءات محددة بالتفاهم مع غرفة مستوردي الأدوية .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية