رأي

حسن أبو سبيب: فقد وطن ورحيل حقبة

بقلم : جلال يوسف الدقير

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه. ثم الحمد لله القائل “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”.
الفناء والموت سنة باقية وناموس لا ينخرق نظامه وتسلسله يعاود فينا بين الكرة والكرة وبعد الفترة والفترة تصويب سهامه النافذة نحو من تشاء إرادة الله الكبير المتعال إلحاقهم بجواره وأكناف قدسه ومراتع رحمته عبر جسر الرحيل المورود وبرزخ الله الموعود المتسع للجميع، ورغم التكرار والمعاودة يظل طعم عبور الأحبة من على هذا الجسر الحتمي لا تستسيغه الأنفس رغم إيمانها بحتميته ورضاها بقضاء الله فيه، لكنها بثة الحزن وترجمان الإلفة، ففي الموت فلسفة عميقة لا ندركها ولا نفهمها إلا عند ملاقاته
فكل حي هالك وابن هالك
وذي حسب في الهالكين عريق
الشيخ حسن (أب) سبيب، هامة وقامة وشامة في جبين الوطنية وخدها، ترجل من على صهوة جواده ومقبض فرسه كما يترجل الفرسان الكبار عبر ذات الجسر المورود وعلى كتفيه وبين عينيه ثمانية عقود ونيف هي مساحة ما بين الميلاد والرحيل تشكلت لوحتها بناصع الخطوط وعميق الظلال فيها جوامع المكارم والفضائل والندى،
فيها ثقل الأمانات الوطنية ووطأة المسؤوليات الحزبية الراشدة الواعية، يحمل فيها بكل الشجاعة والصبر إرث العمراب وميراث حامد (أب) عصاةً سيف الثقيل متواصلاً بإمدادات الطريق والسلوك والإرشاد من حضرة الإمام “الختم محمد عثمان” الأكبر عليه رضوان الله .
ثمانية عقود ونيف ولج من خلالها فقيدنا سوح العمل الوطني عبر أبوابه الواسعة العريضة .
فقيدنا وجيله هم الذين درجوا وتربوا على نهج وآداب جيل آباء الوطنية وصناع مرتكزاتها .
فقيدنا وجيله مارسوا السياسة من منظور اجتماعي واسع وعريض مرتكز على الأعراف المجتمعية الراسخة المتجذرة يصغون من الإرث الاجتماعي والموروث المجتمعي معالجاتهم لقضايا السياسة التي تواجههم ، وذلك ديدن ورثوه من انتمائهم الوسطي في الخارطة السياسية، يحمل كل بساطة إنسان السودان ومباشرته وتلقائيته الذكية السلسة، فالسياسة في منظورهم تضيق وتضيق إذا انكفأت على نفسها وتخلت عن لازمها ومحتدها وهو الاجتماع والعرف والمجتمع وذلك ما قد يفوت على البعض من ضيقي الأفق من القادة الساسة.
فقيدنا الغالي كان من منارات أم درمان وأعلامها وعلمائها. داره كانت محجة لطلاب العلم وأصحاب الحاجات وشركاء الهم الوطني. اختارته أم درمان نائباً لها عقب الانتفاضة في الجمعية التأسيسية، فبرز كواحد من نجوم البرلمان ساعده في ذلك لسان ذرب ولغة رفيعة وحجة قوية. وأخذ مكانه المستحق في صدارة الحزب الاتحادي الديمقراطي أهله لذلك حضوره البهي ورأيه الشجاع وخطابه المبين.
فقيدنا والكثير من جيله فيهم صفات الفرسان يعارضون إذا عارضوا بشرف، ويساندون إذا اقتنعوا بشرف أيضاً، ويفرقون على الدوام بين معارضة الحكام ومعارضة الأوطان، ولذلك كان شرفهم الوطني دائماً بين عينيهم وطموحهم الشخصي تحت قدميهم.
نسأل الله له ولأسلافه الماضين، الرحمة والمغفرة وأن يجعله وهم في الغرف العلية ويخصهم بالتحف السنية ويكرمهم بكرمه الأوفى ويجعلهم ممن قال فيهم:
(وسيق الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية