مجتمع الشائعات!
(الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها).. فذات مرة صاح الممثل العالمي (أورسون ويلز) أثناء تقديمه برنامجاً إذاعياً شهيراً: إنهم يغزوننا من الفضاء الخارجي.. إنها كائنات فضائية شريرة.. فما كان من المستمعين وكانوا بالآلاف آنذاك.. إلا أن خرجوا من منازلهم إلى الجبال خوفاً من هذه الكائنات الفضائية التي غزت الأرض.. وكانت العواقب وخيمة بعد انكشاف اللعبة واتضاح أن الموضوع مجرد شائعة وكذبة رخيصة!!
ولعلنا لا ننسى الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين الهندوراس والسلفادور في ستينيات القرن الماضي.. بسبب شائعة أطلقها معلق المباراة آنذاك دون أن يقصد.. عندما قال يا إلهي إنهم يقتلون رجالنا.. وكان يقصد بذلك أان الهندوراس متقدمة على السلفادور في عدد الأهداف ليس إلا.. فكانت هذه شرارة الاشتعال لخروج سلاح الجو من أحد البلدين وإغارته على البلد الآخر.. ومات الكثيرون.
أصبحت الشائعة بعبعاً مخيفاً يسيطر على التفكير الجمعي للسودانيين، ساهمت في ذلك بشكل كبير وسائط التواصل الاجتماعي وخاصة “فيسبوك”،و”واتساب”، حيث أضحى الجميع مخبرين، السياسيين، الناشطين ، رواد مجالس المدينة، كل من يملك مدونة أسفيرية، يتبادل الأخبار من شؤون الدولة إلى اهتمامات العوام، تنتشر الشائعات كالهشيم، تقضي على نضرة المصداقية، وتحطم صلابة الحقيقة في طرفة عين، نتبادل الأخبار كالمطر المنهمر بدون نزعة للتحقق من صحتها، نفترض أن كل ما قذفت به أحشاء الأسافير هو حقيقة مطلقة قد تذبح بها أعراض الناس، وتنهش الألسن الجائعة لدسامة الثرثرة لحم الكثيرين، والأكثر خطورة من ذلك، هو انقياد الجميع خلف الشائعات التي أحياناً تطلقها جهات منظمة تتكئ على مستوى رفيع من الخبرة والتدريب في الحرب النفسية وبث الشائعة.
أصبحنا مجتمعاً متهالكاً، انهارت منظومة قيمه المثلى، وتفكك جسد الأمة الواحدة إلى أشلاء، فقدنا أبسط أعرافنا التي ورثها المجتمع من أسلافنا، كالستر، والتراحم، وغض الطرف عن كل عيب لجار أو قريب أو صديق.
وتعد ذلك من الكبائر التي نهى الدين عنها ليت يدرك الجميع خطورة الكذب ليتعافى المجتمع من النكرات.
علينا الالتفات لهذه العادة المدمرة، التي جعلت منها أناساً يتشاركون الأرض، ويتباعد وجدانهم الاجتماعي والإنساني، علينا أن نحارب الأكاذيب والشائعات، نصارعها حتى نصرعها.