الفريق أول “صلاح قوش” بذل جهوداً مضنية في سبيل قلب الصورة النمطية التي ارتسمت في أذهان الكافة عن طبيعة دور جهاز الأمن والمخابرات كمنظومة تقوم أعباؤها الأساسية في الملاحقة والاعتقال والغلظة، فهو يبشر من منظوره برؤية جديدة ترفض الأشكال القديمة وتتماهى مع عملية فتح النوافذ ومحاولة إدخال البعد الاجتماعي والإنساني في ثنايا العملية الأمنية.. لم يكن من السهل على الرجل تفكيك هذه القناعات المرسومة في دواخل الجمهور دون أن يحدث متغيرات جذرية على أرض الواقع تشكل انطلاقة تخطف الألباب والأبصار، الشاهد أن محاولة حدوث مصادقة بين الأمن والجمهور في دول العالم الثالث تكون محفوفة بالتعقيدات الكثيفة والمتاريس الكثيرة والشكوك الواسعة، غير أن الفريق أول “قوش” أذهل الساحة السودانية والمراقبين السياسيين عند تطبيق هذه الفكرة الصعبة والعاتية على النطاق المحلي، فالانقلاب على المسلمات يحتاج إلى عزيمة كبيرة وتصورات منطقية وثقة موفورة.
كانت البداية في الفترة من (2004م إلى 2009م)، حيث تمثلت في خطوة “صلاح قوش” بتقديم صورة الجهاز بوجه آخر يصادم الإيقاعات القديمة، فقد ظهرت كأنها لوحة على شكل بيروستريكا لها ما بعدها من منطلق إنساني اجتماعي، فكان الانفتاح على بوابة الشعراء والفنانين وأباطرة كرة القدم والأندية الرياضية والثقافية وملامسة أروقة الجنوبيين والتفاعل مع رث الشلك وسلاطين الدينكا والنوير، فالواضح أن “قوش” شرع في تقديم مهام جهازه بدون تكشيرة في الوجه وتقطيبة على الجبين، فهو يريد أن يجعل جهازه مبتسماً بوجه عصري يلتحف البعد القومي ويطبق التحقيقات المهنية مع السياسيين المخالفين حال ظهور الدواعي الضرورية والملحة بحبل القانون في ظل المعاملة المنصوصة في الدستور، ولا ننسى سياسة التعيينات في الجهاز التي صارت تطبق بطرق مفتوحة دون محاباة لأي إيديولوجية .
لقد انطلقت اهتمامات الفريق أول “قوش” منذ عودته إلى رئاسة الجهاز خلال (فبراير 2017م) في التصدي لقضايا الساحة الوطنية، حيث ظهر دور الجهاز في مكافحة التهريب بأنواعه سيما الذهب والدولار والمخدرات، فضلاً عن تطوير العلاقات الثنائية مع الأجهزة الأمنية المماثلة، فكانت بصماته في تأسيس منظومة السيسا الأمنية على النطاق الأفريقي، علاوة على التعامل الوثيق مع الأجهزة الأمريكية والغربية من منطق مكافحة الإرهاب والمساعدة على محو الصورة الظالمة عن علاقة الخرطوم بالأصولية المتطرفة السالكة في دروب الفظائع والإرهاب، وكذلك لا يخفى على أحد دور الجهاز الواضح في القضاء التام على محطات الفساد واستئصال نفوذ القطط السمان بشكل لا يقبل القسمة، فقط تصدى “صلاح قوش” في قيادة معركة كسر العظم في أوجه المفسدين والمضاربين بمكاسب الجمهور، فلا بد أن يتصدى الجهاز بمسؤوليته في اجتثاث هذا الداء الخطير انطلاقاً من قدراته الفائقة ومصادره المفتوحة وخبرته الطويلة.
العمل على انطلاقة الأمن بوجه عصري ستكون له نكهتها المميزة التي سوف تظهر في روح الجهاز وليس في قبضته، وسوف يلعب سلاح العصرية والانفتاح بعداً كبيراً في التغيير المنشود في مفاهيم الأمن بعيداً عن الخوف وحرق البخور!!