من كان يتخيل أن أقصى أزماتنا ووكساتنا ونكساتنا هو أن يبلغ الدولار الخمسين جنيهاً، فهو للأسف شخص لا يعرف المعنى الحقيقي للأزمة والوكسة والنكسة، لأن الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية مهما تضخمت وتضاعفت وتطاولت لن تكون نتائجها سلبية وقاتلة وهدامة مثل إصابتنا بأزمة في الأخلاق وضياع القيم أو انكسار مرق المبادئ، أقول هذا الحديث وكنت أتخيل حتى وقت قريب، أن الفوضى ضربت بأطنابها فقط الأسواق التي أصبح لا ضابط لها ولا رقيب ولا كبير حتى اكتشفت أن فوضى أخرى تشتعل ويتضاعف لهيبها ستحرق الأخضر واليابس في مخزون أخلاقنا ومثلنا وآخر ما تبقى لنا من معاني الاحترام والأدب، وعلى فكرة أنا (ما مكبرة الحكاية ولا مهولاها) لأنها أصلاً كبيرة وهائلة وترمومتر القيم لأي مجتمع تجسه وتقيس نبضه من خلال منتوج أفراده اللغوي والفني والإبداعي ومتى ما انحدرت المفردة وأصبحت سوقية ومبتذلة، فهذا مؤشر لانحدار المجتمع، ومتى ما أصبحت الفنون متواضعة ورخيصة تثير الغرائز وتخاطب الشهوات، فهذا معناه أن المجتمع في طريقه للسكة البتودي وما بتجيب، ولكم أن تتخيلوا مقدار صدمتي وأنا أستمع لأغنية غزت الوسائط بشكل وبائي اسمها (البزقلي)، ترددت في أن أكتب اسمها حتى لا أساعد في انتشارها، إلى أن اكتشفت أن كل الناس تقريباً استمعت لها ما عداي أنا وكأني أجلس على أذني، كل ما في الأغنية هابط بمعنى الكلمة إيحاءات وإيماءات وألفاظ مخجلة والأغنية يتم تداولها على نطاق واسع بين الشباب وهي ليست الأغنية الوحيدة على هذه الشاكلة، ومغنٍ آخر يردد بكل قوة عين، بل ويراهن على نجاحه وانتشاره على أغنية عنوانها (أحياااا)، والمصيبة أنه يرددها في المناسبات العامة، بل تطلب منه بالاسم، هل معقول وصلنا إلى هذا الدرك السحيق من الهبوط الأخلاقي وأصبحنا مهددين بشيوع الكلمة الهابطة التي أصبحت للأسف تجلب لصاحبها الشهرة والانتشار، في حين يتوارى ولا يجد صاحب المفردة المحترمة الشفيفة واللحن الحالم الرزين، حظه من الشهرة والانتشار، كيف تقف الجهات المسؤولة عن مراقبة المشهد الفني متفرجة تجاه هذا الانحطاط؟.. أين مجلس المهن الموسيقية الذي فرد ضلوعه وأوقف فناناً غنى “محاسن كبي حرجل” التي هي بالنسبة لـ(البزقلي) (وأحيا اااا) تعتبر واحدة من روائع “التجاني يوسف بشير”، لماذا سياسة الكيل بمكيالين؟.. ليه الوقوف في موقف المتفرج وكأن الساحة الفنية أصابتها عدوى الفوضى في غياب اللجان التي تجيز النصوص والألحان وحتى الأصوات.
ما يحدث كارثة بمعنى الكلمة أرجو ألا نستهين بها، لأن المجاهرة بالهبوط بهذا الشكل معناه أن من يؤدون هذه الأغنيات خلعوا برقع الحياء وأصبح التردي اللفظي والفكري على عينك يا تاجر وأصلها عايرة وأدوها سوط!!
}كلمة عزيزة
من الذي باستطاعته تحديد أسعار مقابلة الأطباء في عياداتهم الخاصة، هل هي النقابة أم الوزارة أم الأطباء أنفسهم، لأنه غير معقول أن يصبح ثمن مقابلة الطبيب أكثر من خمسمائة جنيه فقط للتشخيص وكتابة الروشتة ليتحمل المريض عبء أسعار الفحوصات الباهظة والدواء، من المسؤول عن حماية المواطن يا برلمان الهنا، أليس فيكم من عضو يثير هذه القضية تحت القبة ليوقف الفوضى واستغلال حاجة الناس واستعدادهم الفطري لشراء العافية حتى لو يبيعوا هدومهم؟
}كلمة أعز
يا سلام على مولانا “أحمد هارون” وهو ينحاز بكل شجاعة لنبض الشارع بإلغاء قراره السابق بتغيير غرض أراضي سواقي بارا، يا سلام على “أحمد هارون” وهو يؤكد أن المسؤول المحترم لا يركب رأسه ويعاند حتى لو اكتشف خطأه أو عدم رضا شعبه عن قرار من القرارات، يا سلام على مولانا الذي لم تنسه السياسة قيم العدل وعدالة القيم.