إن أراد الله بعبدِه خيرًا أنزلَ في قلبِه الرحمة؛ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [الفتح: 4]، قال ابن عباسٍ: “أي: الرحمة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ “.
ونصيبُ كل عبدٍ من هذه الرحمة على قدرِ نصيبِه من الهُدى، فأكملُ المُؤمنين إيمانًا أعظمُهم رحمة؛ قال – سبحانه -: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29].
والله وصفَ المُؤمنين بأنَّهم أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة: 54]، قال ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -: “يعني بالذلَّة: الرحمة”.
وامتلاءُ القلبِ بها علامةُ السعادة، وهي سببُ نَيل رحمةِ الله؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «الراحِمون يرحمُهم الرحمن، ارحَموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»؛ رواه أبو داود.
وممن يدخلُ الجنةَ أقوامٌ مُلِئَت قلوبُهم رحمةً ورِقَّةً مع الإيمان؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «وأهلُ الجنةِ ثلاثة: ذو سُلطانٍ مُقسِطٌ مُتصدِّقٌ مُوفَّق، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قُربَى ومُسلِم، وعفيفٌ مُتعفِّفٌ ذو عِيال»؛ رواه مسلم.
وقسوةُ القلبِ في فراغِه منها؛ ذمَّ الله أقوامًا فقال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة: 74].
قال البغويُّ – رحمه الله -: “أي: يبِسَت وجفَّت، وجفافُ القلبِ خروجُ الرحمةِ واللِّين منه”.
وذلك هو علامةُ الشقاء؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقِيٍّ»؛ رواه أبو داود.
ومن لا يرحَمُ الخلقَ لا يرحمُه الله؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «لا يرحَمُ اللهُ من لا يرحَمُ الناس»؛ رواه البخاري.