الكاتب الفرنسي الشهير “اندريه موروا” لديه حكمة شائعة مفادها (غير المتوقع يحدث دائماً)، فالواضح أن هذه الحكمة البليغة قد تجسدت هذه الأيام في القرار الدراماتيكي المفاجئ الذي صدر عن مشروع الإصلاح والتغيير في الاتحادي المسجل، الذي تقوده الأستاذة “إشراقة سيد محمود” ، فلابد أن هذا القرار الخطير الذي ارتكز على فض الشراكة مع الوطني وجمد التعامل مع الإنقاذ قد انبنى على معطيات كثيرة وقناعات متعددة مرت بمحطات زمنية طويلة مليئة بالصبر والرهان، لم تحقق العشم الذي كان تنتظره “إشراقة” من جماعة الإنقاذيين.. فالعلاقة بين الوطني و”إشراقة” ظلت متينة وقوية منذ أن كانت في المواقع الوزارية، واستمرت على هذا المنوال حتى بعد دخولها الصراع الطويل في حربها مع الحزب، فقد كانت التسريبات تتحدث عن مؤازرة سلطوية تقدم لها في المجالات السياسية والمادية واللوجستية، حيث ظهر ذلك في تحركاتها الضخمة في مواجهة الخصوم الحزبيين علاوة على كسبها الشكاوى في ذلك الظرف والإخفاق في إخراجها من البرلمان.
الآن تبدلت الأمور والأحوال حيث صارت “إشراقة” تتحدث عن موالاة الوطني للدكتور “أحمد بلال” والأستاذ “محمد الدقير” ، وبدأت تهاجم الإنقاذ على النطاق السياسي والعدلي بعد أن ذاب جليد لقاء الرئيس معها بمشاركة بعض رموز الحزب على النحو الذي لم تتوقعه، وربما رأت “إشراقة” في قرار الابتعاد عن الوطني بأنه قد أهمل مطالبها ولم يعد يتجاوب مع أهدافها وأنه كحزب براغماتي فضل الرهان مع الاتحادي الديمقراطي كمنظومة سياسية كبيرة تخدم رؤيته في تعدد المشاركة المتنوعة للقوى السياسية، فضلاً عن حاجته للحزب في ترتيبات طاحونة(2020) المرتقبة.. القطيعة بين “إشراقة” والوطني خطوة تستحق التأمل الشفيف والدراسة العميقة فالعملية التي بدأت بفض الشراكة والهجوم المحدود قد تتطور إلى محطات غليظة وفضاءات واسعة وربما تتوغل رئيسة مشروع الإصلاح بالاتحادي المسجل في تقييم ملامح سياسة الإنقاذ ووضعها على منضدة النقد والتعرية وجر الستار، فالشاهد أن “إشراقة” كطاقة جبارة في الميكانيكا السياسية كما هو ملاحظ ربما تفكر في مقارعة البطارية الإنقاذية ومغازلة تحالف(2020) المعارض، الذي يقوده الدكتور “غازي صلاح الدين” ، سيما وأنها على الصعيد الحزبي صارت متحالفة مع رئيس الحركة الاتحادية الوطنية “الشريف صديق الهندي”، ومسؤول كتلة القوى الحية بالحزب الأستاذ “سليمان خالد”.. شكل العلاقة بين الإنقاذ وتنظيم “إشراقة” قد يفتح فصلاً جديداً ومغايراً في الساحة السودانية، فهل نجح صبر “أحمد بلال” ، ومنهج “محمد الدقير” في رسم هذه الصورة الملحمية أم أن هنالك أشياء قد تظهر في المستقبل من وراء الغلالة؟!