تقارير

(المجهر) تطوف على مسارح معارك دونكي البعاشيم والوخايم ووادي هور

وادي الزرق قصة الأرض التي غسلت الدم بماء الزرع

دارفور – يوسف عبد المنان

أسفار وترحال في الصحارى والوديان

اتصال هاتفي في وقت مبكر في ذلك اليوم من اللواء “عبد الرحيم حمدان دقلو” قائد ثاني قوات الدعم السريع، قادني إلى ولايتي شمال وجنوب دارفور في رحلة تعددت أغراضها.. وتنوعت محطاتها.. قالها اللواء “عبد الرحيم دقلو” ندعوك لرفقتنا ورجال الأعمال واتحاد أصحاب العمل للتطواف على أقصى شمال دارفور) قلت للواء “عبد الرحيم” وهل أصبحت دارفور تستقبل رجال المال بعد أن كانت تحتضن كتائب المقاتلين.. وقوافل دعم النازحين وتهبط وتطير طائرات المبعوثين الأجانب.. وتتصدر أخبار الموت والنزوح والصراع نشرات أخبار الإذاعات في الداخل عن دارفور؟
حزمت حقيبة السفر إلى دارفور التي (نحبها) ولم نكتشف بعد مشاعرها نحونا.. هل تحبنا وهي أرض الأجداد الذين دفعت بهم المهدية إلى قلب أم درمان وبعد عودة المستعمر واستباحة الغزاة للمدينة الطاهرة، عادت جموع المقاتلين من حيث جاءت.. وتقطعت سبل الوصول ببعض الدارفوريين بكردفان.. وبعض الشماليين بالكدرو وبعض قبائل رفاعة والأشراف بشرق النيل.. وكل من هؤلاء وأولئك يتوقعون العودة لمنابت الجذور مثلما شكل حديث اللواء “عبد الرحيم” عن زيارة منطقة رهيد الجنيك حيث مملكة الأجداد اندثرت حافزاً مضافاً لحوافز السفر من صحبة كرام.. وعلم مكتسب.. ودارفور التي قصدها وفد رجال المال والأعمال ليست نيالا.. والفاشر.. والجنينة.. وزالنجي.. ولكنها قرى بعيدة.. وأرض تردد أسمها في أبواق الإعلام أثناء غمار المعارك التي دارت في تلك الأرض الخراب.
خرجت أرتال سيارات الدفع الرباعي من الفاشر “أبو زكريا” الذي وصفه “الشريف زين العابدين الهندي” في رائعته (الملحمة) بـ”أبو زكريا” أرض الشرف والطول.. ونخبة من رجال الأعمال يتوجهون شمالاً ويتخذون الدروب التي تسلل منها المتمردون للنيل من الفاشر.. والوصول لأم درمان.. وإراقة دماء أهل الكومة.. ودار السلام والهجوم على مليط.. ورجل الأعمال “سعود البرير”.. تطأ قدماه ولايات دارفور لأول مرة.. معترفاً بأن دارفور قد أصبحت قبلة يقصدها رأس المال الوطني.. قبل الأجنبي.. الطريق من الفاشر إلى مليط.. تحيط به كثبان الرمال التي نبت من فوقها (العيش).. وتمددت حبال (البطيخ).. والمزارعون ينتظرون حلول أكتوبر القادم.. وبدايات فصل (الدرت) الفاصل المداري تقهقر جنوباً.. وهبت نسائم الشمال الباردة.. إيذاناً بحلول فصل (الدرت).. أكثر من خمسة عشر سيارة تقل الوفد الذي ضم كبار رجال المال والأعمال بالخرطوم “محمد المنا محمد خوجلي” وصاحب المطاحن الشهيرة “عثمان التوم” الشهير بالأبلج.. والشاب “عبد المنعم عبد الرؤوف” مدير شركات وادي الجندي وهو يعتزم خوض تجربة جديدة في الاستثمار بعيداً عن الخرطوم (جغرافياً) وبعيداً عن اسبيرات السيارات، والشيخ رجل الأعمال “عوض كبير” والشاب “محمد عبد العظيم” الذي يمثل نموذجاً متفرداً للشباب السوداني الذي دخل السوق.. وركل الوظيفة.. و”محمود بدوي” صاحب شركات النقل.. و”بشير الكارس” المستثمر في قطاع الذهب.. وقصة زيارة وفد رجال الأعمال لدارفور بدأت فصولها.. كما ذكر اللواء “عبد الرحيم حمدان دقلو” في خيمة بالأراضي المقدسة عند المبيت (بمنى) هناك.. كان الحوار ساخناً بين “عبد الرحيم دقلو” ورجال المال والأعمال خاصة “محمد المنا” و”عبد المنعم عبد الرءوف” عن قوات الدعم السريع وانهالت الاتهامات التي يرددها الشارع عن طبيعة هذه القوات وشائعات المعارضة.. وكشف اللواء “عبد الرحيم” في حديثه في قلب الصحراء بمنطقة مجور أن حلقات الحوار الساخن أثمرت عن هذه الرحلة بعد تقديمه الدعوة لرجال الأعمال لزيارة دارفور والوقوف على فرص الاستثمار من جهة.. وتجربة قوات الدعم السريع في استقرار الإقليم وتضحياتها من أجل السودان، وبعد ثلاثة أيام من الطواف والمشاهدة البصرية.. طلب رجل الأعمال “محمد المنا محمد خوجلي” من اللواء “عبد الرحيم” ضم رجال الأعمال لقوات الدعم السريع ومنحهم بطاقات جنود لمساندة تلك القوات.. ابتسم “عبد الرحيم” وقال نحن جميعاً تحت قيادة القائد الأعلى المشير “عمر البشير”.
{ مليط.. وادي الزرق قصة لم تروَ بعد
خارج مدينة مليط.. كان استقبال قيادة المحلية التي تنتظر مصيرها عند موظفين سيبعث بهم ديوان الحكم الاتحادي لتقليص بعض المحليات وإلغاء بعضها.. ومعتمد مليط ضابط الشرطة الذي يستخدم سيارة متواضعة.. كثيرة الأعطاب مما يضطره للتواصل مع مدير وحدة جهاز الأمن بالمحلية الضابط “صاغة”.. الوفد الكبير.. طاف على مدينة تتمازج في أحشائها كل مكونات السودان.. وبها مقر ملك البرتي د.”ياسر أحمداي”.. وناظر الزيادية سنوات طويلة من الوئام والتصافي والتعايش وتبادل المنافع.. ولكن محنة دارفور وانقسام المجتمع قد ألقى بظلاله السالبة على وشائج الأرحام وتنازع الطرفان وسالت الدماء، وحينما تذكروا صلات القربى فاضت الدموع تصافي الزيادية والبرتي على المودة والتعايش وتلك من أكبر النجاحات التي حققها “عثمان كبر” حينما كان والياً على شمال دارفور.. في منزل زميلنا الصحافي “خالد تارس” استقبلتنا أسرته بالحفاوة والكرم الدارفوري.. قبل أن تتوجه القافلة نحو الشمال.. أرض الخضراء الممتدة بعض الأودية الصغيرة أثار السيول أمطار مطلة قبل أيام و”سلمان سليمان الصافي” الوالي السابق لغرب كردفان يستعيد ذكرياته كضابط إداري طاف بعض أطراف دارفور في سبعينيات القرن الماضي قبل أن تستوعبه السياسة ويصبح من قادة مايو (الأنصار) ومن بعد ذلك الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في سنوات الإنقاذ.. والركب يتمهل في سيرة ليفسح الطريق لبادية تجوب الأرض وتبحث عن العشب الطري والماء القراح، ومدت القافلة يدها نحو أراضي كانت مرتعاً لحركات التمرد.. وأرض أطلق عليها الأرض المحررة.. سنوات التمرد الدارفوري يحكم سيطرته على مناهل المياه ومنافذ التجارة مع ليبيا.. والأسواق. وتحت وطأة قسوة التمرد الذي أذاق الناس مر العذاب هجر السكان القرى.. وتناثرت قطعان عرب الماهرية البدو في الفلوات وعرب البدو بينهم مودة ورحمة وتعايش يصعب التميز بين البدو الرزيقات الماهرية والمحاميد.. والبدو الكبابيش العطوية.. وأولاد راشد ولا حتى البدو الزغاوة.. الذين يرعون الإبل والضأن.. والطريق إلى بادية وادي الزرق يشتد قساوة على السيارات اليابانية التي لو علم صناعها ما تفعله بالرمال والأودية في السودان لتفتقت عبقريتهم لصناعات سيارات بالسودان.. وادي الزرق قصة جديدة لعزيمة قوات الدعم السريع لبناء وطن مزقته الحرب البادية الواسعة التي تمتد من كتم شمالاً وحتى وادي هور بمسافة (450) كلم لا وجود لجهاز الحكومة في تلك الأصقاع.. لا مركز صحي.. ولا مستشفى.. ولا نقطة شرطة.. ولا حامية عسكرية.. ولا ضابط إداري.. لا خدمات لذلك وجد التمرد في بداية عنفوانه مساقط المياه في دونكي البعاشيم الذي لا تزال أثار المعارك العسكرية التي خاضتها قوات الدعم السريع في مواجهة حركة تحرير السودان بقيادة “مناوي” وحركة العدل والمساواة شاخصة على الأرض أثار المعارك هي هياكل حديد السيارات المدمرة.. وبقايا شظايا الذخائر التي تفجرت وصناديق الذخيرة الخشبية.. ولو تجول المرء وسط الأشجار لمشى على بقايا عظام بشرية متناثرة.. في سنوات مضت كانت أسماء مثل دونكي البعاشيم والوخايم ومجور وبئر مزه.. وعين سيرو.. وأم برو ومزيد أسماء تثير الخوف والرعب.. ومن وادي هور انطلقت عملية الذراع الطويل.. ومن الوخايم دارت معارك التشاديين وفتح “إدريس ديبي” طريق السلطة بهزيمته لقوات “حسين هبري” في الوخايم ثم سارت قافلته حتى دخلت أنجمينا.. وربما كان ذلك حافزاً لدكتور “خليل إبراهيم” لاستنساخ تجربة “ديبي”.. في رحلة الثماني ساعات حتى وادي الزرق الذي بلغته القافلة عند الساعة الخامسة مساءً.. رياح رطبة تهب من الشمال قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة بيوت بعضها من القش وأخرى من سعف النخيل.. وادي زرق الخير.. كما يقول العمدة “جمعة دقلو” زعيم عشيرة الماهرية أولاد منصور”.. استطاع هذا الرجل أن يجمع عرب الماهرية والزغاوة.. وأولاد “راشد” وما تبقى من مملكة خزام المندثرة منذ مئات السنين ولم يتبق منها إلا قصص أسطورية عن سلطانها “شر نقو” يقابل “جمعة دقلو” بابتسامة وفرحة وحضن دافئ.. ولكن تقاطيع وجه الرجل حينما تغوص عميقاً في تفاصيل وتتأمل الوجه الدائري يتسرب إليك حزن دفين يسكن قلب الرجل الكبير.. وهو يقدم ابنه العميد الشهيد “عبد الرحيم جمعة دقلو” الذي اغتالته أيادي آثمة في واقعة مستريحة التي انتهت بالقضاء على “موسى هلال” وتسليمه للخرطوم لمحاكمته مثل عصفور سقط بين يدي صياد.. “جمعة دقلو”.. يبني في مجتمع كبير برؤية قومية.. ودعم من قوات الدعم السريع التي حفرت الأرض وتدفق الماء من عشرين محطة في وادي الزرق وأكثر من خمسين محطة أخرى في الوخايم ووادي هور.. وبادية أقصى شمال دارفور الماء يكاد أن يخرج من الأرض البكر.. لا تتجاوز أعماق الآبار العشرة أمتار فقط.. المنطقة حسب الدراسات تقع فوق بحيرة الحوض الجنوبي العظيم.. وسعى العقيد “معمر القذافي” لنهب ماء السودان عبر النهر الصناعي.. واللواء “عبد الرحيم دقلو” يقول إن الرأسمالية الوطنية واتحاد أصحاب العمل ووزارة الزراعة الاتحادية أمام فرصة تاريخية لزراعة الأرض الممتدة لملايين الأفدنة من الأرض الخصبة بمحصولات القمح والعنب.. والتين.. والموالح وتعتبر منطقة وادي الزرق ووادي هور من أغنى الأراضي ومناخها في الشهور من يونيو وحتى سبتمبر خريف السافنا الفقيرة.. ومن سبتمبر وحتى مارس/ أبريل مناخ البحر الأبيض المتوسط حيث تنخفض درجات الحرارة إلى (5) درجات فقط في بعض فصول السنة.
{ (2000) سيارة مجهولة
ساعة ونصف أمضاها الوفد في قرية وادي الزرق حفاوة وكرم نحرت الإبل.. وسالت دماء الخراف في الوادي الذي ينحدر من الشمال إلى الجنوب ويصب في بحيرة الجنيك على بعد (55) كلم جنوب غرب وادي الزرق.. العمدة “جمعة دقلو” وحوله عدد كبير من المشايخ والأعيان.. يرفضون مغادرة الوفد في ذلك المساء لمنطقة مجور الواقعة شمال وادي الزرق وجنوب وادي هور.. اتجهنا إلى حوش السيارات التي تم القبض عليها قادمة من ليبيا بعد قرار حظر دخول السيارات للبلاد.. اثنا ألف سيارة بكاسي ولاندكروزرات.. وسيارات كليك صوالين.. أتوس.. وعربات نصف نقل هايس وعدد من الجرارات الزراعية.. تم حجز السيارات في منطقة تمتد لثلاثة كيلو مترات.. حفرت آليات قوات الدعم السريع خندقاً لحماية السيارات.. لم تمتد أيادي التشليع ولا السرقة إلى السيارات التي تحرسها قوات الدعم السريع في انتظار قرار من رئيس الوزراء “معتز موسى” وأمام رئيس الوزراء خيارات محدودة أما تسليم السيارات لأصحابها بعد فحصها وإصدار شهادات وارد لها.. وسداد أصحابها للجمارك والرسوم الحكومية، وإما تطبيق قرار مجلس الوزراء ومصادرة عدد (2) ألف سيارة لصالح حكومة السودان.. وتقديمها مكافأة وهدية لقوات الدعم السريع التي تنتشر في كل شبر من تلك الأراضي، شباب في عمر الزهور عمر الهنا على قول الفنان “محمد وردي” يفترشون الأرض ويسهرون الليل مع النجوم لحماية الأرض، وقد تم في الصيف الماضي القضاء على آخر جنود لحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بمنطقة وادي هور.. وانتهت أسطورة التمرد.. وفكر اتحاد أصحاب العمل في الوقوف ميدانياً على الأرض الموعودة بزراعة القمح وتبديل وجه دارفور من الدم إلى الإنتاج وفلاحة الأرض التي ارتوت بالدم.. فهل تغسلها مياه الزراعة من عار الانقسامات وتصدع الوطن.. واثنان من نواب المجلس الوطني في قيادة وفد اللواء “عبد الرحيم دقلو” يبددان الشكوك التي يثيرها البعض عن وجود انقسام قبلي أو عرقي فالنائب البرلماني “محمد أحمد مناوي” (المستقل) عن دائرة أم برو الطينة.. التي كان يفوز بها الراحل “سليمان مصطفى” ورثها الآن “مناوي” الشهير (بتكيش) وظل “مناوي” الساعد الأيمن لـ”حميدتي” في مشروعات خدمات المياه.. والصحة والتعليم.. أما النائب الأخر “الطيب أحمد إبراهيم” (كفوت) فهو ثمرة للتصالحات والتسويات التي جرت في دارفور في السنوات الأخيرة.
نواصل..

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية