ثلاثة أشهر من جولات المفاوضات في الخرطوم ، أنجزت ثلاث اتفاقيات-ترتيبات أمنية، ترتيبات سياسية، اتفاق نهائي حول آلية تنفيذ الاتفاق ، احتفالات التوقيع بدأت في الخرطوم واستمرت في أديس أبابا لتعود غداً إلى الخرطوم ومن ثم إلى جوبا.
فهل احتفال الخرطوم غداً (الجمعة) بالتوقيع النهائي للأطراف الجنوبية سيكون خاتمة مآسي المواطن الجنوبي وبداية الصفحة البيضاء؟.
بعد توقيع الأطراف الجنوبية بالأحرف الأولى على الاتفاق النهائي لسلام جنوب السودان في الخرطوم، انتقلت إلى أديس أبابا حاملة (5) قضايا خلافية حاولت الوساطة السودانية إيجاد حلول توافقية لها، حتى انعقاد الاجتماع الوزاري (إيقاد) صبيحة (الأربعاء 12 سبتمبر) الجاري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ،وقدم وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” مقترح الوساطة السودانية لحلول القضايا الخلافية، وناقشه مع وزراء خارجية (إيقاد)، وخرج الاجتماع بمجموعة توصيات حول الحلول الممكنة للنقاط الخلافية المتمثلة في : اختيار الوزارات وعددها وتم الاتفاق على الإبقاء على(23 وزارة بدلاً عن 29 وزارة)، على أن تمنح المعارضة (6) مواقع وزارية، وأن يتم اختيار الوزراء بالتوافق . النقطة الثانية هي الخلاف حول تكوين قوات لحماية السلام ،وتم تجاوزها بضرورة وجود قوات من جيبوتي والصومال والسودان ويوغندا باعتبارهم ضامنين للاتفاق تحت مظلة الأمم المتحدة بغرض تأمين وحماية الاتفاق وتم تفويض رؤساء أركان الجيش لدول (إيقاد) بوضع خطة لاختيار القوات التي ستشارك وعددها وتسليحها . وألزمت الطرفين بالرجوع لمقترح الوساطة الموقع في(19/8/2018م)، وآخر النقاط الخلافية كانت حول الدستور ،و تم الاتفاق على عقد ورشة عمل لصياغة الدستور،وتضم الورشة مفوضية مراقب، وقدم الوزراء توصياتهم لرؤساء (إيقاد) الذين أجازوها بالإجماع في نفس اليوم ،بعدها عرضت على الرئيس الجنوب سوداني “سلفاكير ميارديت” و”رياك مشار” وبقية الأطراف الجنوبية التي وافقت على الحلول المقدمة ،لتحتفل (إيقاد) بتوقيع الأطراف الجنوبية على اتفاق السلام النهائي.
وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” قال يوم (الإثنين) الماضي :إنه وبتنسيق من الوساطة السودانية أجرى الرئيس “سلفاكير ميارديت” رئيس جمهورية جنوب السودان مكالمة هاتفية مع “رياك مشار” الموجود حالياً في الخرطوم. وإن الرئيس “سلفا كير” أكد خلال المكالمة أنه بإعادة إحياء اتفاقية السلام فإن جمهورية جنوب السودان قد انتقلت تماماً من حالة الحرب الأهلية إلى مرحلة السلام المستدام، وإن “سلفاكير” عبر عن رغبته في الالتقاء بكل فصائل المعارضة الجنوبية أثناء وجوده بالخرطوم يوم غدٍ (الجمعة) تلبية للدعوة الموجهة له من الرئيس “عمر حسن أحمد البشير” بصفته ضامن الاتفاق لحضور الاحتفال المقام بالقصر الجمهوري بمناسبة التوقيع النهائي.
وأضاف “الدرديري”: إن سعي السودان يأتي في تحقيق هذا التواصل في إطار مباشرة الرئيس “البشير” دور الضامن الذي كلّفته به أطراف اتفاق السلام في جنوب السودان، وضمن سعي السودان الدءوب ليعم الأمن والاستقرار ربوع جمهورية جنوب السودان، وقد أكد الرئيس “سلفاكير ميارديت” أنه سيوجه من جانبه الدعوة لـ”رياك مشار”، وكافة قادة المعارضة الجنوبية للحضور إلى جوبا للمشاركة في الحفل الذي سيقيمه بدوره في عاصمة دولة جنوب السودان ترحيباً بتحقيق السلام.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “قريب الله الخضر” في ذات السياق :إن “سلفاكير” و “مشار” أمنا على أهمية استمرار التواصل الهاتفي بينهما ليعالجا سوياً أي خروقات قد تقع لوقف إطلاق النار.
وزير الخارجية “الدرديري محمد أحمد” قال في تصريحات صحفية في أديس أبابا : (الخرطوم أكملت مهمتها بنجاح بحجم القارة، لكن هذا لا يعني أن التحديات التي تبقت قليلة ، هناك تحديات كبيرة يجب أن يتصدى لها السودان والإقليم بأكمله بنفس الروح وبنفس الإحساس الجماعي الذي كان في فترة التفاوض، ونحن على ثقة بأنه متى ما توفرت هذه الروح أياً كانت هذه التحديات ومهما عظمت سوف يتم التغلب عليها،وأن أبرز هذه التحديات هو ضمان تنفيذ الآليات الأساسية في الفترة قبل الانتقالية ،هذه الفترة مهمة جداً،- الخاصة بالحدود وبالترتيبات الأمنية والآليات السياسية الخاصة بضمان إنفاذ الاتفاقية على المستوى السياسي – والتحدي الأمني والخاص باستقرار جنوب السودان أمنياً وانتهاء الحرب فيه فعلاً هو التحدي الأكبر فعلاً.
وزير خارجية جنوب السودان السابق ممثل مجموعة المعتقلين السياسيين، قال لـ(المجهر): (المرحلة القادمة هي الأصعب، لكنني متفائل بأننا أخذنا درساً، ولا أظن أننا سنكرر نفس الخطأ ) ، وزاد (الأمر يلزمه إرادة سياسية، ومؤكد الجدية مطلوبة بالذات من بعض الناس من أجل خلق الأجواء المناسبة للتنفيذ، مواطنو جنوب السودان تعبوا وكرهونا والإقليم تعب مننا والناس كلها تعبت مننا ولولا تحركات الخرطوم و(إيقاد) كنا لازلنا في نفس المحطة). وأكمل “ألور”: (هناك فرق بين الاتفاقين كل الناس احتفلت واستبشرت خيراً، لكن النتيجة كانت عكسية رغم أن اتفاق(2015) وجد الدعم من كل المجتمع الدولي والإقليمي وكان هناك تضامن والتفاف حوله وساعدونا بالمال، ولكن لم تتوفر الثقة بين القيادات الرئيسية خاصة “سلفا” و”رياك” ،و الآن هناك تفاهمات ، الناس احتفلت لكن بـ(شوية) ، المجتمع الدولي كان خطابه حذراً ،بالذات (الترويكا) خطابها كان “صعباً” وانتقدت الجميع خاصة القيادات السياسية ، ورفض المجتمع الدولي ضمان هذا الاتفاق ولم يوقعوا كـضامنين وقالوا :إنهم لن يدعموا الاتفاق، وحال لم يدعموه مادياً سيواجه تحديات صعبة لأنه مكلف ،وإعادة اللاجئين من السودان وتشاد وكذلك الترتيبات الأمنية مكلفة جداً مثلاً تحريك الجيش وإعادة بنائه داخل الجنوب ووضعهم مكلف جداً وغير كافٍ أن يكون لدينا فنيون من السودان ويوغندا وإثيوبيا وكينيا .
وأضاف ممثل مجموعة المعتقلين السياسيين: لذا جاء اقتراح “البشير” لعمل صندوق لتنفيذ الاتفاقية، صندوق محلي من عائدات البترول ،جزء من عائدات البترول تخصص لتنفيذ الاتفاق ، المجتمع الدولي قال :إنه سيراقب التنفيذ وإذا كنا جادين في تنفيذ الاتفاق وفي محاربة الفساد وهو واحد من المشاكل الأساسية، وكان هناك استقرار ملموس ، سيدعمون بعض القطاعات.
القيادي في مجموعة سوا “لام أكول” يرى أن أي اتفاق سلام هو بشرى للمواطن، مؤكداً أنهم وقعوا عليه لأنه احتوى على الحلول المرضية، معتبراً قوة أي اتفاق تكمن في إرادة الذين وقعوا عليه . واعتبر عدم حماس المجتمع الدولي لدعم هذا الاتفاق سببه فشل الفرقاء في تنفيذ الاتفاق السابق، ولكنهم رهنوا دعمهم للاتفاق بجدية الأطراف الجنوبية.
“أكول” أكد أن الأطراف الجنوبية تخطت القضايا الخلافية، مؤكداً أن الحلول التي قدمت لهم مرضية، وأضاف (ما كان وقعنا على الاتفاقية لو لم تكن مرضية ) مؤكداً أن كل القضايا تم حسمها بجهود الوسطاء.
وأوضح أنه لا يمكن الحكم على مدى قوة الاتفاقية، ليس هنالك من يحدد ،(الاتفاقية قوية بإرادة الذين وقعوا عليها وأنجزوها) وأكمل مستدركاً ( إن أي اتفاق سلام هو بشرى جميلة وإن مواطن جنوب السودان موعود بالسلام).
وعزا “لام أكول” عدم حماس المجتمع الدولي للاتفاق لتجربته مع الاتفاقية السابقة ، مشيراً إلى أنه يريد أن ينتظر ليرى ما سيفعله الفرقاء.
وأضاف(مهما كانت الخلافات واختلف الناس فالمصلحة العليا للبلد أهم). وحدد لام التحديات بالإرادة السياسية والإمكانيات المالية، مؤكداً أن عائدات البترول لن تكون كافية لحل مشكلة التنفيذ. مؤكداً أن المجتمع الدولي لن يقتنع بدعم الاتفاقية إلا عندما يرى أن الأطراف جادة في تنفيذ الاتفاقية، وشدد على أن الإرادة السياسية إذا لم تتوفر ستكون أكبر مهدد للاتفاق.