تقارير

قراءة سريعة في المصير السياسي لـ”مبارك الفاضل” معارضاً وموالياً..!

كيف خرج ولم يعد لحزب الأمة القومي أبداً؟

الخرطوم : أم زين آدم
عقب الإعلان عن الحكومة الجديدة التي خلفت حكومة الفريق “بكري حسن صالح”، والتي خلا تشكيلها من “مبارك الفاضل” وزير الاستثمار السابق، سارع الأخير لدعوة الصحفيين لمؤتمر صحفي عقده في منزله بالخرطوم. خلافاً للتوقعات لم ينتقد “مبارك” التشكيل الوزاري الجديد، ولم يظهر عدم رضا عن استبعاده ومع أنه لم يعلن اعتزاله العمل السياسي، فقد أكد زهده في العمل ضمن الحكومة، متخذاً لنفسه موقعاً، خارج حيز فعل التأثير السياسي، فلا هو معارض ولا هو موالٍ. تلك نهاية مثيرة لسياسي شغل الناس، بمواقفه المتقلبة، والتي يبدو أنه ستكون نهاية العديد من السياسيين، الذين انشقوا معه من حزب الأمة، ووجدوا أنفسهم، بعد أن استنفدت أغراضهم، في نهاية المطاف مجرد أفراد معزولين، بلا أحزاب وبلا جمهور. جنرالات بلا جيوش.
“مبارك الفاضل” نائب رئيس مجلس الوزراء القومي، ووزير الاستثمار السابق، استبق إعلان حل حكومة الوفاق الوطني، بالإعلان عن زهده في شغل الوظيفة العامة، والتفرغ للعمل السياسي، ولم ينسَ الفاضل إسداء النصح للحكومة الجديدة، باستكمال الملفات والمطلوبات التي وضعتها الحكومة المحلولة للفكاك من الأزمة الاقتصادية، والأمر الثاني إنهاء الحرب، قبل أن يختم تصريحاته المبثوثة بأن أمام الحكومة الجديدة مشوار طويل وصعب.
“مبارك الفاضل”، للمرة الثانية، يغادر الحكومة خالي الوفاض، دون أثر يذكر، يصفه مراقبون بالطموح والبراغماتي، ففي قمة الخصومة السياسية بين حكومة الإنقاذ والتجمع الوطني المعارض، الذي اختارت قياداته الإقامة بالقاهرة، عاد “مبارك الفاضل” إلى الخرطوم في صفقة سياسية، اتفاق جيبوتي، بعد المفاصلة التي شقت حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى شقين، ومغادرة “الترابي” عراب الإنقاذ الحكومة مغاضباً ومعارضاً. عاد “مبارك” وأسس حزباً سياسياً، الأمة الإصلاح والتجديد، واستقطب قيادات من حزب الأمة، بيد أن تلك القيادات انسلخت، وخرج من جلباب الإصلاح والتجديد، أربعة أحزاب، ومثل خروج “الفاضل” من حزب الأمة أكبر انشقاق للحزب برئاسة الإمام “الصادق المهدي”، ولم يغفر “المهدي” لـ”مبارك” ذلك، وسد عليه كل منفذ للعودة مرة أخرى لصفوف حزب الأمة القومي.
وباسم الشراكة بين “مبارك الفاضل” والحكومة، عين مساعداً للرئيس “البشير”، بيد أنه أقيل من المنصب بعد ثلاث سنوات، بدعوى خروجه على سياسات النظام، وأفاد “الصادق المهدي” أن النظام أقال “مبارك” بعد أن اكتشف اتصالات أجراها “مبارك” مع الحركة الشعبية من وراء ظهر الحكومة، ووصف ذلك بـ(دروب القش)، وتعرض “مبارك” للاعتقال من النظام في العام (2007) بدعوى ترتيبه لمحاولة انقلابية، بيد أن النظام أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.
وعقب أول انتخابات في حكومة الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في أبريل 2010 خاض الانتخابات منافساً على منصب رئيس الجمهورية، وسقط سقوطا مدويا، وبعد إعلان نتيجة الانتخابات، وإعلان اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات في كل المستويات، هندس “مبارك” مع قوى المعارضة التحالف الوطني أو تحالف جوبا، ولأول مرة يتم استيعاب حزب المؤتمر الشعبي في تحالف المعارضة ضد الإنقاذ، وبعد ترجيح خيار الانفصال في استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان، سارع “مبارك” بحل الحزب الذي أسسه وأعلن عودته إلى صفوف حزب الأمة القومي، بيد أنه لم يعد أبداً.
وأثار ظهوره في جولات الحوار الوطني، جلبة، لجهة أنه شارك بعد إعلان حزب الأمة القومي تجميد مشاركته في الحوار، بسبب الاعتقال الذي طال الإمام “الصادق المهدي”، لنقده قوات الدعم السريع، وكان غير ظاهر تحت أي مظلة سياسية، وبعد إعلان حكومة الفريق “بكري حسن صالح”، أعلن وزيراً للاستثمار ونائباً لرئيس الوزراء، باسم حزب الأمة، الحزب غير المسجل في قائمة مجلس شؤون الأحزاب السياسية، ودخل في مناكفات مع “الصادق الهادي المهدي” رئيس حزب الأمة القيادة الجماعية، و”حسن إسماعيل” رئيس المجلس الأعلى للبيئة، ووزير الحُكم المحلي السابق، لاعتقاد الاثنين أن “مبارك” يتمدد في الحكومة باسم الحزب.
“مبارك الفاضل”، يوصف بأنه من مهد لدخول الجبهة الإسلامية القومية في الحكومة الائتلافية الثانية، أيام الديمقراطية الثالثة، مما سبب خروج الحزب الاتحادي الديمقراطي، من الحكومة.
وحسب ما يرجح مراقبون، فإن المؤتمر الوطني، يستعين “بمبارك الفاضل” اعتماداً على ما يروجه عن علاقاته بالمجتمع الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا أشركه المؤتمر الوطني في الحكومة لمساعدته في فتح قنوات اتصال مع المجتمع الدولي، وأفاد مصدر مطلع بشؤون الأحزاب السياسية أن علاقة “مبارك” يمكن أن توصف بالجيدة مع المجتمع الدولي وأمريكا، بيد أن المشكلة الأساسية، أن الإدارة السياسية في أمريكا تتغير، وإن الحكومة الأمريكية محكومة بنفوذ اللوبيات، وهذا ما يحد من قدرة “مبارك” على إحداث أي اختراق يفيد الحكومة، كما أن الولايات المتحدة بالضرورة لها مطالب ومصالح في المقابل، ولديها شروط، وكذلك القوى الإقليمية، وذلك يضع السُلطة على حبل مشدود، وأوضح المصدر أن الحكومة في محاولتها لتوظيف علاقة “مبارك” بالمجتمع الدولي، تتعجل فتح تلك الأبواب.
الأمر الآخر، أن هناك مجموعة في الحركة الإسلامية تتوجس من براغماتية “مبارك”، لجهة أنه لا يكترث، ولا يقف كثيراً لدى الأيدولوجية التي يلتزم بها منسوبو الحركة والمؤتمر الوطني، لذا تعمد هذه المجموعة من الإسلاميين إلى أن لا يقترب “مبارك” كثيراً من الرئيس ولا يطرح له أي أفكار، ويتم ترصد عثراته، ليغادر الحكومة.
المؤتمر الوطني استخدم كرت استقطاب “مبارك”، لسحب البساط من تحت أقدام “الصادق المهدي”، الذي رفض المشاركة في السُلطة، بالرغم من توقيعه على اتفاقيات ثنائية مع المؤتمر الوطني، واحتفائه بها. المؤتمر الوطني، في خيارات الشراكة محكوم بموازنات الجهوية والسن، بيد أن “مبارك” في إفاداته الأخيرة والتوصية التي طرحها للحكومة الجديدة، تكشف أن “مبارك”، الذي انسد أمامه طريق العودة لحزب الأمة بقيادة “الصادق المهدي”، وانفض من حوله أنصاره، غير راغب في قطع علاقته مع الحكومة، كما في السابق، والإبقاء على شعرة معاوية مع السُلطة، على الرغم من أن “مبارك الفاضل” قد استنفد أغراضه الأساسية بحساب الإنقاذ، منذ أن تمكنت من إنشاء قناة اتصال مباشرة مع “الصادق المهدي”، واستمالت أسرته، بتمثيلها في أعلى مستويات الحُكم.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية