تقارير

سوابق الجمع بين منصبين تنفيذيين في الحكومات السودانية

أولهم "جعفر نميري" وآخرهم "معتز موسى"

تقرير ـ هبة محمود سعيد
لم تخلُ حكومة الوفاق الوطني في تشكيلها الثاني من المفاجآت العدة على الرغم من عدم تلبيتها لطموحات المواطنين وآمالهم. فما إن أعلن الرئيس حل الحكومة (الأحد) الماضي، حتى تمثلت المفاجأة الأولى في إسناد منصب رئيس الوزراء القومي، لوزير الري والموارد المائية والكهرباء، السيد “معتز موسى”، خلفاً للنائب الأول الفريق “بكري حسن صالح” وقد جاء تعيينه بمثابة مفاجأة لكونه أحد الكوادر الشبابية التي بحاجة للمزيد من الحنكة السياسية التي تؤهله لهذا المنصب، إلا أنه وبحسب مراقبين سياسيين فإن الرجل يستحق تقلد المنصب، سيما أنه أثبت جملة من النجاحات، ليؤكد ذلك تصريحات سابقة لرئيس القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني د.”عبد الرحمن الخضر” على أن اختيار “معتز موسى” في المنصب التنفيذي الأول في الحكومة، لم يكن عبثياً جاء بعد تمحيص كبير، قبل أن ينفض الحديث عن اختيار “معتز موسى” لهذا المنصب تم الإعلان عن تشكيل الحكومة عقب يومين من حلها، لتصدر مراسيم جمهورية بإضافة أعباء إضافية لرئيس الوزراء القومي الجديد، “معتز” وتكليفه بوزارة المالية عقب اعتذار الخبير الاقتصادي الدولي “عبد الله حمدوك”. ويرى الكثيرون أن خلفية “معتز” الاقتصادية الممتازة هي التي أهلته لتولي سُدة وزارة المالية، في الوقت الذي تراءت فيه سوابق الجمع بين المناصب التنفيذية في الحكومات السودانية المتعاقبة على مر السنين، لتطرأ أسئلة حول إمكانية نجاح الشاب “معتز” في العبور بالمهمتين المزدوجتين في آن واحد.

“أب عاج” رئيساً ووزيراً لعدد من الوزارات
أسطر التاريخ ومدوناته جعلت الرئيس الراحل “جعفر نميري” يتسيد قائمة الجمع بين منصبين تنفيذيين، خلال الحكومات السودانية المتعاقبة، فقد شغل الرجل بالإضافة إلى كونه رئيساً للجمهورية، منصب وزير لـ(الدفاع ـ الخارجية ـ التجارة ـ التخطيط). ففي أول تشكيل وزاري لحكومة “نميري” في (25/5/1969) تولى “نميري” وزارة الدفاع بجانب وزارة الخارجية، وهو نهج الحكومات الوطنية الاحتفاظ بمنصب الدفاع كمحاولة للحفاظ على مقاعدها، قبل أن يغادر وزارة الدفاع في رابع تشكيل لحكومته في عام (1970) ليتقلد منصب وزارة الخارجية، ليجمع رأس الدولة والخارجية، في العام 1971 وفي ثامن تعديل وزاري تولى الراحل “جعفر نميري” وزارة التخطيط، التي غادرها في العام الذي تليه، وفي تشكيله الوزاري التاسع ليعود إلى وزارة الدفاع مستمراً فيها حتى العام 76 ليتركه عقب ذلك للفريق أول “بشير محمد علي”، ولم يعد إلى وزارة الدفاع إلا خلال التشكيل الوزاري السابع عشر.
ووفقاً لبعض المصادر فإن “نميري” تقلد منصب وزارة التجارة لمدة سبعة عشر يوماً، لغياب أحد الوزراء، وفي رواية أخرى بسبب عمل إنساني، إلا أن أصل الرواية يظل غائباً.

*رئيس السُلطة التشريعية الأول وزيراً للخارجية والعدل معاً

السيد “بابكر عوض الله” مواليد مدينة القطينة في العام 1917 الذي دخل الحياة العامة من أوسع أبوابها قبيل الاستقلال عندما تم انتخابه رئيساً للسُلطة التشريعية (مجلس النواب) في العام 1954، وهو شاباً في السابعة والثلاثين بعد من العمر يرأس أول برلمان سوداني جاء لاحقاً عقب استقلال السودان، هو أيضا من الذين سطر التاريخ أسماءهم ضمن سوابق الجمع بين منصبين تنفيذيين، فهو أول رئيس للوزراء في حكومة مايو وسادس رئيس وزراء في السودان منذ عهد الاستقلال.
في العام 1964 انتقل السيد “بابكر عوض الله “ليعمل رئيساً للمحكمة العليا وليرأس الجهاز القضائي، ولم يكن وقتها قد تجاوز السابعة والأربعين، في تلك السنوات اتخذ موقفاً وطنياً ومهنياً نبيلاً عندما قدم استقالته من رئاسة السُلطة القضائية في العام 1968 رافضاً تغول السُلطة التنفيذية وعدم التزامها بتنفيذ قرار المحكمة العليا القاضي ببطلان حل الحزب الشيوعي، شارك في انقلاب مايو 1969م وكان الشخصية المدنية الوحيدة وسط العسكريين أعضاء انقلاب 25 مايو 1969، وهو الذي قام بصياغة بيان الانقلاب، وقد تولى في ثالث تعديل وزاري في الثامن والعشرين من أكتوبر 1969منصبي الخارجية والعدل معاً.

سليل (المهدية) ـ رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع

عقب تسلمه للحكومة في الديمقراطية الثالثة، جمع إمام الأنصار وسليل المهدية السيد “الصادق المهدي” بين رئاسة الوزراء ووزير الدفاع تأسياً بالرئيس الراحل “جعفر نميري”، وكما ذكرنا سالفاً أنه نهج الحكومات الوطنية الاحتفاظ بمنصب الدفاع كمحاولة للحفاظ على مقاعدها، إلا أن السيد “الصادق المهدي” بحسب المصادر، لم يستطع الحفاظ على مقعده طويلا، فقد أهمل جهاز الأمن وأوكله إلى عناصر هشة وضعيفة تمكن الانقلابيون من اختراقهم بسهولة ويسر في 30 يونيو 1989.
ولقد أصر السيد “الصادق المهدي” على الجمع بين رئاسة الوزراء وتولي وزارة الدفاع ولقد فشل فشلا ذريعاً في التصدي لقضية الجنوب الذي قويت فيه شوكة التمرد وأدى ذلك إلى سقوط الكثير من الحاميات والمراكز وتمكن المتمردون من احتلال الكرمك وقيسان وكذلك تفاقمت مشاكل النهب المسلح في دار فور وأخيراً وفي اللحظات الأخيرة حاول السيد “الصادق” إنقاذ ما يمكن إنقاذه وأسند وزارة الدفاع للفريق “عبد الماجد حامد خليل” الذي أضطر إلى تقديم استقالته بعد فترة وجيزة من تسلمه مهام منصبه بعد أن لمس تفاقم وسوء الأوضاع.
وعندما تقدمت القوات المسلحة بمذكرتها الشهيرة في فبراير 1989 كان تعامل السيد “الصادق” مع المذكرة تعاملاً سلبياً، كما أنه لم يستنفر أجهزته الأمنية عقب المحاولة الانقلابية التي سبقت انقلاب الإنقاذ بحوالي الأسبوعين.

ابن صراصر ورجل الكهرباء ـ ضمن القائمة
باختياره رئيساً للوزراء ووزيراً للمالية يدخل السيد “معتز موسى” قائمة سوابق الجمع بين المناصب التنفيذية، فبعد عودته من ألمانيا عُين “موسى” مديراً في عدد من الإدارات بوزارة الري، وهي “الإدارة العامة للإعلام والمعلومات، والإدارة العامة للتمويل والإدارة العامة للمشروعات بوحدة تنفيذ السدود”، وعمل بهذه الإدارات في الفترة من “1998ـ 2013″، ومن أهم الملفات التي أنجزها “موسى” خلال هذه الفترة عندما كان مسؤولاً عن المشروعات بوحدة تنفيذ السدود، ونجح في قيام سد مروي، لأنه كان مسؤولاً عن التمويل، وفي العام 2013 عُين “معتز” وزيراً للري والكهرباء، ومن أهم الإنجازات في الوزارة إدارته ملف سد النهضة بحكمة واقتدار، ومن أبرز الإنجازات أنه جمع وزراء الري بدول مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم، وعقد اجتماعاً حول سد النهضة وإشرافه على محطة أم دباكر.
ويعرف عن “موسى”، انتمائه للحركة الإسلامية، فقد شارك بعد تخرجه مباشرة في الحرب الدائرة في جنوب السودان “قبل الانفصال”، مع كتائب المجاهدين في عدد من المعارك، وقد استشهد شقيقه “أباذر” في معركة الميل “40” الشهيرة.
وتحكي المصادر أن “معتز” بعد تخرجه في جامعة الخرطوم، عُين في أول وظيفة له في العام 1989م، مديراً للمركز القومي للإنتاج الإعلامي ، ويعتبر من المؤسسين للمركز القومي، وعمل فيه حتى العام 1992، وعمل “موسى” وتدرج في عدد من الوظائف بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، وكان مسؤولاً عن قطاع الطلاب، ثم عين خلال الأشهر الماضية رئيساً لقطاع الإعلام بالحزب، ثم رئيساً للقطاع الاقتصادي، فضلاً عن إصداره صحيفة عندما كان مديراً للمركز القومي، كما أنه التحق بالسلك الدبلوماسي، وعمل برئاسة وزارة الخارجية في الفترة “1992 ـ 1994”.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية