تطعيم (نقص المناعة الوطنية) من رياض الأطفال
لم يعتذر السيد “عبدالله حمدوك” من ترشيحه وزيراً للمالية ، بسبب أنه معارض (مناضل) وأن (الإنقاذ) فصلته من الخدمة في مطلع تسعينيات القرن الماضي ، كما يهرف بعض سابلة الأسافير وجهالها ، بل لأسباب (خاصة) تتعلق بمستحقات وظيفته الأممية ، ساقها للجهة التي رشحته من طرف المؤتمر الوطني ، ووافق مبدئياً على الترشيح ، ثم راجع نفسه ، مثلما اعتذرت القيادية بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الدكتورة “سمية أبوكشوة” عن التكليف بوزارة الضمان الاجتماعي ، رغم أنها كانت حضوراً في اجتماع المكتب القيادي، الذي أجاز تشكيلة الحكومة الجديدة ، وكان لها أن تصر وتتمسك برفضها للتكليف . فهل اعتذرت “أبوكشوة” أيضا لأنها (شيوعية) أرادت أن تلقن (الكيزان) درساً ؟!
وحسناً فعلت الدكتورة “أبوكشوة” ، فقد تطاول بها أمد الاستوزار، كما تطاول بآخرين لم يعتذروا مثل الدكتور “أحمد بلال” ، وممثل أنصار السنة الأستاذ “محمد أبوزيد مصطفى”، وممثلة الحركة الشعبية الدكتورة “تابيتا بطرس”، وآخرين ، غير أنني ما زلت أرى أن اعتذار السيد “حمدوك” عن وزارة المالية مختلف ومؤسف ، مع احترامنا وتقديرنا لخبراته في المنظمات الدولية ، إلا أنه غلَّب (الخاص) على (العام) ، وتراخى عن تلبية نداء الوطن في وقت بالغ الحساسية والحرج .
سلوك مثل هذا لا يحدث لو أن القيادة (المصرية) استدعت خبيراً أو عالماً (مصرياً) من الخارج ، مهما كانت درجة خلافه السياسي مع الحكم القائم في بلده .
كما قلت بالأمس .. أكرر اليوم .. إننا نحتاج لجرعات تطعيم ضد (نقص المناعة الوطنية) للأجيال القادمة (الجفلن خلهن ..أقرع الواقفات) .. ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال وإلى مرحلة الالتحاق بالخدمة المدنية .
يجب أن نكنس من ضمائرنا ثقافة ومفردات (ملعون أبوك يا بلد) .. ونغسل قواميسنا من جمل رائجة : (دي بلد يشتغلوا ليها) ، و(بنشتغل قدر ماهية الحكومة) و …. و … !!
السودان باقٍ يا سادتي .. وتذهب الأحزاب السياسية .. المؤتمر الوطني وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي وغيرها من التكوينات السياسية ، لكن يظل الوطن راسخاً .. وشامخاً .. ونابضاً في عروق كل الوطنيين الشرفاء .
يجب أن ترتفع الهمة الوطنية في نفوسنا ، علينا أن نفرق بين الوطن والمؤتمر الوطني ، بين العمل من أجل تنمية البلد ونهضتها ورفاهية شعبها ، والعمل من أجل بيوتنا وعرباتنا ومستحقات نهاية خدمتنا في الداخل والخارج .
السودان في حدقات عيوننا بلد ولا كل البلاد .. هكذا سيبقى فينا ما حيينا ، وإن عقه آخرون خرجوا من صلبه ، وما استحقوا اسمه ، هم دونه ودون الانتماء له .