تقارير

أحاطها سياج من السرية: وزير الدفاع بالبرلمان ..تفاصيل جلسة مغلقة

لم يكن أكثر الصحفيين الذين توافدوا باتجاه مباني المجلس الوطني بأمدرمان تشاؤماً يضع في خارطة توقعاته أن يتم منع الإعلام عن حضور جلسة الاستماع لبيان وزير الدفاع لتحيط بالجلسة هالة من التكتم والغموض، فتزايدت معدلات الفضول لدى العاملين في حقل الإعلام وانتظروا خارج مبنى القاعة التي دارت فيها الجلسة ما يزيد عن الساعتين عساهم يظفرون بشيء ولو قليل يروي ظمأ نفوسهم، وليعكسوا تفاصيل ما جرى في قنوات وسائلهم للرأي العام الذي بات مهموماً بالقضية في أعقاب قصف مصنع اليرموك مؤخراً واقتران ذلك بصعود أرواح طاهرة لبارئها الكريم، بعد الإطلاع على مآلات الأوضاع المتعلقة بالأمن والدفاع بالبلاد سواءً كان ذلك من وزير الدفاع أو من أي من نواب البرلمان، لكن تكهناتهم باءت بالفشل العظيم، فما إن أنهى الوزير تصريحاته للإعلاميين تمكن اليأس من نفوس غالبيتهم ليظل آخرون يترقبون ما قد تجود به قريحة أي من حضور الجلسة الذين أحاطوا أنفسهم بهالة أخرى من الصمت غير المبرر، وكأنما كانت تصريحاتهم بخصوص ما طُرح مهدداً أمنياً يخشون من إفشائه لكي لا يحدث ما لا يحمد عقباه، إلا أن شيئاً من التفاصيل قد تسرب بالرغم من ذلك كله، ذلك ما دار بشأن الصحفيين الذين ملأهم الحرص لنقل التفاصيل، وفي الجانب الآخر سجل نواب البرلمان غياباً بائناً عن الجلسة التي كان من المقرر بدؤها في الحادية عشرة والصورة التي التقطتها الصحيفة التي تحكي فراغ عدد كبير من كراسي قبة البرلمان أخذت في الحادية عشرة والربع ولذلك مؤشرات خطيرة.
تصريح نائب رئيس المجلس الوطني “محمد الحسن الأمين” كان الأكثر إقناعاً ومنطقية بتوطئته التي ضمنها خلفية كاملة لما دار خلف دهاليز تقديم البيان، حيث إنهم تقدموا بطلب بيان قبول قصف مصنع اليرموك يكشف الأسباب الحقيقية وراء سقوط الطائرات باتجاه، مثلما تقدموا بطلب بيان لوزير الداخلية يفصل في الوقت ذاته ويشرح الأحوال الأمنية في أرجاء البلاد المختلفة بما في ذلك جنوب كردفان والعلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان وسقوط الطائرتين إلا أن الأخير تمكن من تقديم بيانه فيما لم يتمكن الأول من ذلك حتى أحداث قصف مصنع اليرموك للتصنيع الحربي، فتم تضمين الطلب المقدم لوزير الدفاع محوراً آخر ليضيف تفاصيل ما جرى وقتها، بجانب معلومات كافية تتعلق بوضع القوات المسلحة وحالتها الراهنة واستعداداتها لصد الهجوم سواءً كان داخلياً أو خارجياً، مع إرفاقه حديثاً مفصلاً عن خطة وزير الدفاع التي تم تنفيذها لإعادة بناء القوات المسلحة في محاور البيئة وبناء الجندي والآليات والإمكانات الجوية والبرية والبحرية، وذلك هو ما تم تبيانه حسب نائب رئيس المجلس الوطني، وفقاً للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
إفادات وزير الدفاع في محاور البيان الأربعة الرئيسية التي تناولت الوضع الأمني بشكل عام، سقوط الطائرة المدنية، سقوط طائرة تلودي العسكرية وقصف مصنع اليرموك للتصنيع الحربي جاءت وافية للأوضاع العامة متضمناً القصف الأخير لمدينة كادوقلي أمس الأول، بجانب إضاءات جديدة حول الخطة العسكرية التي بدأت في تنظيف المناطق المحيطة بالمدينة وإعادة سيطرة القوات المسلحة بجنوب كردفان وخطة متابعة التمرد في جنوب دارفور وأسباب سقوط الطائرتين الأولى والثانية، وإحصائيات تتعلق بطائرة (الأنتينوف) وإمكانياتها ووضعها في العالم وفي السودان، ولم ينس وزير الدفاع بالطبع إلقاء الضوء على الأخطاء البشرية التي كانت السبب الأساسي لوقوع الطائرات.
اللجنة ستقوم لاحقاً بزيارة إلى مقر مصنع اليرموك وسيعقب ذلك اجتماع تفصيلي لبحث عملية الاعتداء بشكل وافٍ يصحبه عرض بالصور بعدما تتلقى اللجنة حقائق وأرقاماً تتعلق بمقدرة القوات المسلحة وإمكانية صدها  لأي عدوان على تلك الشاكلة.
أحدهم اقتضب ما جرى بأن البيان الذي ألقاه وزير الدفاع أمس تحت قبة البرلمان تم تحويله للجنة الأمن والدفاع والشئون الخارجية، ولم يضف جديداً بذلك، فتلك معلومة ترددت في أطراف المكان، أما الأوضاع الأمنية بالبلاد والتي شكلت العمود الفقري لبيان وزير الدفاع فإنها لا تنم عن اطمئنان وفقاً للفريق “مهدي بابو نمر” عضو البرلمان باتجاهها نحو المجهول، مضيفاً أنه من خلال خبرته في مجال الدفاع الجوي يفترض تقسيم البلاد لأهداف دفاعية حيوية تضم ثلاث فئات، مشيراً إلى أن مصنع اليرموك يقع ضمن أهداف الأسبقية الأولى التي من الممكن حمايتها بوسائل الدفاع الجوي المتواجدة لدينا التي بمقدورها حماية أهداف تلك الفئة.
مدخل الخروج من دائرة الحيرة التي رسمها تساؤل لجنة الأمن والدفاع والشئون الخارجية يكمن في إنشاء إعداد منظومة صاروخية تدافع عن البلاد يحتاج تنفيذه لعشرات المليارات من الدولارات، وذلك ما لا يمكن توفيره حالياً من خزينة الدولة، إلا أن الأمر سينظر بعين الاعتبار من الآن فصاعداً، وفقاً لرئيس اللجنة الذي كشف النقاب عن تدابير تتخذ في مواقع اتخاذ القرار تتعلق بذلك الخصوص، مشيراً إلى أنه تم إجراء دراسة مؤخراً لإنشاء منظومة دفاعية كلفت اثنين مليون دولار، ويتوقع أن يكلف تنفيذها عشرات المليارات من الدولارات، كما يكلف تشغيلها والمحافظة عليها مليارات أخرى من الدولارات، مما يجعل أمر تنزيلها لأرض الواقع خلال الفترة القادمة ضرباً من ضروب الإبحار في الخيال، وفقاً للإمكانيات المتاحة حالياً، إلا أن التباحث حول ما تحتاجه القوات المسلحة من إمكانيات في حدود الممكن وتضمين ذلك في ميزانية العام القادم التي سيعكف العمل علي إعدادها خلال الفترة القريبة القادمة على ضوء تسليط وزير الدفاع عدداً من المعوقات التي تحد مقدرتها في إطار الإمكانيات المحددة لها اعتلت أجندة النقاش في مراكز اتخاذ القرار العليا بالبلاد، وهذا وذاك هو ما ستكشفه نتائج تداول لجنة الأمن والدفاع والشئون الخارجية والإجراءات العديدة التي سردها رئيسها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية