قيادات تطلق تحذيراتها قبل انعقاد مؤتمرهم الثامن :الإسلاميون … في اختبار سلطة الأخلاق !
ينظر كثير من الإسلاميين لمؤتمرهم الثامن بعين الشفقة أو الريبة في الوصول الى نهايات مقنعة للقواعد التي ظلت تراقب من بعيد تداخل مسارات الحركة الإسلامية مع السلطة الحاكمة المغضوب عليها من بعضهم، وسبق أن عبرت قطاعات عن تململها من هذا الواقع من خلال مذكرات طالبت بإخراج الحركة من عباءة السلطة وإعادة دورها الفكري والإجتماعي لكن أخمدت في مهدها، ويبدو أن من بين هؤلاء المشفقين من واقعها الآني قيادات حركية معروفة حاولت إطلاق توجيهاتها أو تحذيراتها ـ سمِّها ما شئت ـ عبر الإعلام قبل انعقاد جلسات المؤتمر الثامن والبدء فعلياً في تأسيس توصيف جديد للعلاقة بين الحركة والسلطة، بجانب إقرار دستور الحركة الجديد الذي يتيح الفرصة لانتخاب أمين عام جديد، لكن الملفت أن هذه القيادات اختارت أن توجه خطابها لعامة الناس عبر الصحف وليس داخل دهاليز ومكاتب الحركة الإسلامية كما كان الحال من قبل.
*الدكتور “غازي صلاح الدين” قد يكون أحد هذه القيادات المقصودة، وكان ذلك واضحاً من عنوان المقال الذي نُشر أمس في صحيفتي (السوداني) و(الانتباهة) وحمل عنوان (اختبارات القوة والأخلاق)، وقال فيه إن التجديد من خصائص الدين، وأول ما يُجدد من وظائف الحركة الإسلامية وصفاتها اللازمة هو سلطتها الأخلاقية، ويؤكد “غازي” أن السلطان الأخلاقي في شأن الحركة هو شرط وجوب إذا انعدم انعدمت وطاش أمرها، وهنا يشير بوضوح الى أن الحركة إذا لم تنجح في اختبار الأخلاق فمصيرها الزوال، وبالضرورة أن المؤتمر الثامن هو فرصة لتجديد العزم والنية، وتحدث “غازي” بوضوح عن رأيه حول العلاقة بين الحركة والسلطة، حيث قال: “أياً كانت الصيغة العملية التي يتوصل إليها المؤتمر في هذا الشأن فإن أهم ما يجب إثباته هو أن الفكرة هي الأسبق والأبقى، وأما التعبير السياسي عن الفكرة بما في ذلك السلطان هو لا محالة زائل”، ويخلص إلى أن أية صيغة علاقة تكرس إلى استتباع الدعوة للحكومة وتجعلها رديفاً لها في وظائفها هي صيغة خاسرة للحكومة والدعوة، وأن أهم ما يقوي نفوذ الفكرة أن تبقى حرة طليقة، وهذا الرأي يجعل “غازي” أحد الداعمين لفكرة عدم استتباع الحركة للحكومة أو الحكومة للحركة ويجعله كذلك قريباً من رؤية وفكرة التيار الإصلاحي الذي برز في جسم الحركة مؤخراً بل يعتبره البعض يمثل رمزية هذا التيار الذي سبق أن انتقد فكرة أن تكون الحركة تابعاً للحكومة حتى لا تُحسب أخطاء السلطة على التنظيم، “غازي” تكلم عن ضرورة عدم إتباع إحداهما للأخرى، لكن لم يحدثنا عن تصوره للعلاقة الافتراضية التي ينبغي أن تكون بينهما، لأن بعض قيادات الحركة وزراء في السلطة، والتجربة العملية أثبتت وجود إخفاقات أولها عدم حضور السلطة الأخلاقية التي تحدث عنها “غازي” وتستند في مرجعيتها على الحركة الإسلامية في الدولة، كذلك السؤال المشروع: ما هو تصوره لحدود دور الحركة في توجيه السلطة الذي ظل غائباً طيلة السنوات الماضية؟. هذه المسائل تحتاج الى مزيد من التوضيح للداخل الذي لا يرى قيم الحركة في الحكم والخارج خاصة دول الربيع العربي التي أتت بالإسلاميين وتبرأت من تجربة وطريقة حكم الحركة الإسلامية في السودان، والآن سيشهد بعض قياداتها جلسات ومخرجات هذا المؤتمر ويحتاجون الى تاكيدات فعلية.
*إذا لم تتوصل الأطراف المختلفة حول علاقة الحركة والحكومة في هذا المؤتمر لصيغة مرضية للطرفين من غير المستبعد أن ينتهي الأمر بمفارقة بدأت ملامحها منذ انتخاب أمين عام الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم “عبد القادر محمد زين” حينما شككت بعض العضوية في طريقة الاختيار، وقال بعضهم إن هناك من وجَّه بعض الإسلاميين ودعاهم الى دعم هذا المرشح، ووصلت شكواهم إلى رئيس للجنة العليا “إبراهيم أحمد عمر”، ودكتور “غازي” بدوره لم يغفل عن هذه الجزئية في مقاله أمس، وربما أراد التنبيه لها وذكرها حتى لا يكرر الموضوع في اختيار الأمين العام للحركة الإسلامية الذي سيتم في هذا المؤتمر عندما قال: (لقد راج في الأيام الأخيرة حديث بأن بعض الناس قد استجاز لنفسه الوصاية على الآخرين بتمرير توجيهات باسم كيانات لا أصل له في الدستور أو لائحة باسم مجالس التنسيق)، وأضاف أن أفضل وصف لمثل هذا العمل ورد في مذكرة معممة من رئيس اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر بأنه إجراء باطل لا سند له، وقطعاً هو يشير هنا إلى حديث “إبراهيم أحمد عمر” دون تسميته، ويمضي في حديثه أنه حقاً عمل طالح استجازه بعضهم لغفلة أو نسيان، ووصفه بانه عمل مخرب يقتل أعز خصيصة تحفظ وحدة الجماعة وهي الثقة وتهدم أهم مبدأ تقوم عليه الرابطة بين الجماعات والمجتمعات وهو مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
* على ضوء ما يشهده الإسلاميون من تباينات لا يستبعد الإسلاميون أن يكون الأمين العام الجديد محل صراع، فإذا لم يلتزم بعضهم بالدستور الجديد وتم إعادة الأمين العام السابق، وهناك اتجاه قوي لذلك، كما تقول عضوية الحركة، ستقابل الخطوة بتشكيك ورفض من التيار الداعي للتجديد أمثال الأستاذ “حسن عثمان رزق” الذي سبق أن أكد لـ(المجهر) تمسكهم بما نص عليه الدستور الذي أشار الى عدم إمكانية التجديد للأمين العام وأمناء الأمانات، كذلك إذا تم اختيار الأمين العام في مجلس الشورى ستتحكم مجموعة صغيرة في القرار، وإشار “رزق” لذلك حينما قال هناك مجموعة تريد اختيار الأمين العام في المؤتمر العام حتى تمنع مسألة التحكم في الاختيار، ويذكر أن “رزق” كان من بين المشككين في الطريقة التي تمت بها انتخابات أمين عام ولاية الخرطوم، وكان قد تحدث للإعلام بصراحة عن ما تم من تجاوزات.
*من بين المرشحين حسب ما قيل “غازي صلاح الدين” لكن يستبعد الناس اختياره على ضوء آرائه التي تتقاطع مع الذين لا يريدون أن تخرج الحركة من طوق السلطة، لكن بالمقابل هناك مجموعة مقدرة من الشباب تدعو الى التغيير تساند آراء “غازي” وتدعم حجته وقد تدخل في صراع مع المجموعة الأخرى، وهناك حديث عن خوض “الطيب سيخة” هذا السباق بعد ابتعاد دام عدة سنوات عن مواقع السلطة والحركة، و”إبراهيم أحمد عمر” كذلك من المرشحين المرتقبين ويتمتع بكاريزما تجد القبول وسط الإسلاميين، كما أنه كان قبل ذلك يشغل منصب رئيس بالمؤتمر الوطني، ويعتبر من الشخصيات العريقة في الحركة، لكن سبق أن نوه الى أنه ينوي الابتعاد، “كمال عبيد” كذلك من الشخصيات التي قيل إنها المطروحة وبمنطق مركز القوى فإن هناك مجموعة تدعم ما يحمله من قناعات.
كذلك هناك حديث عن اختيار الرئيس “البشير” إلى هذا المنصب حتى تتفادى الحركة الصراعات التي يمكن أن تحدث لكن هل سيصمت الرافضون عن الجهر برأيهم في هذه الحالة.
*اختيار أي من هذه الشخصيات سيعبر عن صعود أحد التيارات التي ظهرت داخل جسم الحركة إلى مواقع نفوذ الحركة الإسلامية.