حوارات

نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق “صديق محمد إسماعيل” في حوار مع (المجهر) (1-2)

أتمنى ألا يكون المصريون قد باعوا للسودان الترماي بإبعادهم لـ”الصادق المهدي”!
معلوم أن المصريين يطالبون السلطات السودانية بإبعاد عناصر من الإسلاميين ولكن كنا نتمنى ألا يكون الهدف هو “الصادق المهدي”
أنا مندهش ومحتار!! فالأخوة في مصر يفترض أن يكونوا أكثر حرصاً على معالجة أزمة السودان!
الاستقرار في السودان يؤدي إلى توطين الديمقراطية والمصريون لا يتحمّلون الديمقراطية!
مقدمة
انشغل الناس خلال الأسبوع الماضي بمنع السلطات المصرية للإمام “الصادق المهدي” من دخول أراضيها عقب عودته من اجتماع انعقد ببرلين لقوى (نداء السودان) كانت الحكومة المصرية قد طلبت منه عدم حضوره.
البعض انتقد القرار باعتبار أن مصر دأبت خلال تاريخها السياسي الطويل على احتضان المعارضين الذين يلجأون إليها، فيما اهتم البعض الآخر بمعرفة الأسباب التي قادت السلطات المصرية إلى اتخاذ مثل هكذا قرار من خلال إخضاع الحدث لتحليل سياسي، مستصحبين فيه ما طرأ من تفاهمات بين السودان ومصر في هذه الفترة أو كما يعتقدون. أياً كانت الأسباب فالنتيجة أن الإمام “الصادق” غادر مطار القاهرة بعد توقيفه إلى الخليج ولا يدري أحد وجهته القادمة.
على صعيد الحزب حظي هذا الموضوع بنقاش مستفيض وربما يكون اتخذ بعض الإجراءات في سبيل تأمين موقف رئيسه.. (المجهر) التقت نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق “صديق محمد إسماعيل” وأجرت معه حواراً شاملاً تناول موضوع إبعاد رئيس الحزب “الصادق المهدي” ومنعه من دخول الأراضي المصرية وقضايا الحزب الراهنة.. فماذا قال؟
{ قرار السلطات المصرية القاضي بإبعاد رئيس حزب الأمة القومي أثار التساؤلات في الساحة السياسية حول أسباب ودواعي إبعاد “الصادق المهدي” ومنعه من دخول القاهرة عقب عودته من اجتماعات برلين.. كيف قرأ الفريق “صديق” القرار وكيف يفسره؟

– أولاً، وكمدخل للإجابة عن هذا السؤال أقول إن العلاقة بين مصر والسودان علاقة قديمة جداً وهي ليست قائمة على المغانم والمغارم بقدر ما أنها علاقة متجذرة بين شعبين، ويتجسد هذا في واقعة مهمة جداً حدثت في الماضي، فعندما نقل إلى الإمام “المهدي” عليه السلام خبر مقتل “غردون” واستئصال رأسه غضب الإمام جداً وعبّر عن رفضه لهذا الذي حدث، فهو كان يرى أنه كان الأولى أسر “غردون” حتى يفدى به “أحمد عرابي” الثائر المصري الذي كان معتقلاً لدى السلطات التركية في مصر. فإذا كان هذا هو موقف السودانيين وتفكيرهم تجاه المصريين قبل أكثر من قرن من الزمان! فهذا يؤكد أن العلاقة مع المصريين هي علاقة إخاء وعلاقة محبة تقوم على الدين وعلى عوامل كثيرة تربط ما بين هذين الشعبين. السودانيون لهم ارتباط وجداني وثيق بمصر والآن وكما هو معلوم وفي الوقت الذي ضعفت فيه موارد مصر أصبحت السياحة العلاجية ترفد مصر بملايين الدولارات شهرياً من السودانيين، وهذا أيضاً مجسد لهذا الارتباط، فالسودانيين من الممكن أن يذهبوا إلى الأردن وإلى تايوان وإلى غيرها لكنهم يفضلون مصر لأنهم يرون أن هناك روابط وثيقة تربطهم بمصر.
أيضاً هناك أعداد كبيرة من أبناء الشعب السوداني حظوا بفرص لتلقي العلم في الجامعات المصرية عندما كانت عندنا ضائقة في مجال التعليم الجامعي، وفتحت مصر جامعاتها للسودانيين الذين تخرجوا بدرجات عليا وساهموا في بناء السودان وفي بناء الوطن العربي كله.. بناءً على هذه الخلفية أنا أقول إن هذا هو مرتكز العلاقات بين مصر والسودان.
السيد “الصادق المهدي” وكما هو معلوم يقود جماعة إسلامية هي الأنصار، والأنصار بحكم التاريخ أيضاً لهم مرارات مع مصر الخديوية في فترة الحكم التركي. والسيد “الصادق المهدي” استطاع أن يجسر هذه العلاقة ويعيدها إلى طبيعتها باعتبار أن ذلك كان محطة عابرة فأعاد العلاقات بين الأنصار والمصريين وبين الشعب السوداني عامة والمكون المصري كله إلى وضعها الطبيعي، وظل السيد “الصادق المهدي” يرفد الأخوة في مصر بالكثير من الأفكار والآراء المفيدة، وليس أدل على ذلك من أنه تدخل حين بدأت الأزمة بين الرئيس المصري السابق “مرسي”، ربنا يطلق أسره، وبين الجماعات الأخرى وقدم النصيحة، وقال لهم: يا جماعة تجنبوا هذه المسائل لأنها تؤدي إلى تراجع مصر عن ما حققته من إصلاح ثوري. أيضاً قدم النصيحة لـ”السيسي” ولرئيس الجمهورية السابق وقال لهم: لابد أن نقوم بعمل مراجعات وعلى الإخوان المسلمين أن يقوموا بالمراجعات، وعلى النظام المصري ألا يقفل بابه أمام المصالحات. هذه كلها رسائل توضح أن السيد “الصادق المهدي” رجل يتعامل مع القضايا العربية والقضايا الإسلامية ومع القضايا الإنسانية بمستوى عالٍ من التفهم. السيد “الصادق المهدي” اتخذ من مصر مقر إقامة وهو يمتلك منزلاً في مصر بالمناسبة وظل يجد من المصريين المعاملة الطيبة.
ولكن، وبكل أسف، الأزمة السودانية تكاد أن تصل الآن إلى نهاياتها وخلال هذه الفترة كلها لم يكن لمصر دور مباشر لمعالجة الأزمة السودانية وكان دورها دور المتفرج. قطر مثلاً، دخلت بثقلها وساهمت في حل مشكلة دارفور. وكان الأولى أن تقوم مصر بذلك بحكم العلاقة بين مصر ودارفور، ولعلمك، في أيام ثورة الاستقلال وأيام الحراك السياسي السوداني لمحاربة الاستعمار، السودانيون في الفاشر هجموا على العلم البريطاني، أنزلوه وحرقوه ولم يحرقوا العلم المصري! قالوا هؤلاء المصريون نحن تربطنا بهم علاقات. فلاحظي كيف هي علاقة الشعوب!
لذلك في ظل هذا الواقع نحن كنا نتوقع من مصر أن تستثمر وجود “الصادق المهدي” كشخص يدعو لمعارضة سلمية ويدعو للإصلاح وللتغيير في السودان بالوسائل السلمية ويقوم بالمناصحة للنظام فهذا كان مدخلاً لمصر لتتبنى هذا الطرح وتدعمه وتمضي به إلى الأمام.. ولكن وبكل أسف في الوقت الذي أسس فيه المجتمع الدولي للقاء كبير في برلين جمع القوى السياسية كلها في (نداء السودان) وسبق ذلك لقاءان مهمان جمعا بين موفدين للقيادة السودانية و”الصادق المهدي” تم التوقيع خلالهما على مذكرة تفاهم تضمنت معاني الحل السلمي الذي ارتضته حكومة السودان وذهب السيد “الصادق المهدي” بناءً على ذلك لشركائه الآخرين في (نداء السودان) ليشرح لهم ما تم ليمضوا في هذا الخط، في هذا الوقت نفاجأ بمصر الاستخباراتية تخرج بقرار منع السيد “الصادق المهدي” من دخول مصر وطبعاً هذا قرار خطير ومؤسف جداً. ويدل على أن الأخوة في المخابرات المصرية اتخذوا هذا القرار وهم ينظرون إلى مصالح من ورائه، ولكنهم لم ينظروا إلى المصالح الكلية.. ربما قاموا بذلك في سياق اتفاق مع النظام هنا أو محاولة للمقايضة أو غيره، ولكن أنا أرى أن هذا الإجراء مس العلاقة بين السودان ومصر والسيد “الصادق المهدي” وكما هو معلوم رقم دولي، وهو الآن رئيس الوسطية الإسلامية وهو عضو في نادي مدريد وهو شخصية كرمتها مراكز دراسات عليا في الهند وفي الفلبين وحتى الشعب المصري نفسه يكرمه ويقدره وأينما ذهب يجد الاحترام والتقدير. فشخص مثل هذا ما كان ينبغي أن يعامل مثل هذه المعاملة.

{ أشرت إلى أن مصر لم يكن لها دور مباشر في حل الأزمة السودانية و(الآن بعدما كادت أن تصل الأزمة إلى نهاياتها) فوجئتم بمصر تتخذ هذا الموقف.. فهل نقرأ من هذه العبارة أنكم ترون أن مصر يزعجها أن تصل الأزمة السودانية إلى نهاياتها لذلك قامت بهذا الإجراء؟

– طبعاً النظام المصري عنده مرارات مع النظام السوداني، والنظام المصري يعتقد اعتقاداً جازماً أن السودان يأوي جماعات معادية له، مجموعة الإخوان المسلمين، ويوفر لهم المناخ والغطاء – هذا حسب رؤية النظام المصري- أيضاً هم يعتقدون أن السودان خذلهم بموقفه في قضية سد النهضة. هذه الأشياء كلها جعلت الأخوة في مصر يتعاملون بحالة من الغبن، والغبن دائماً يفقد الإنسان القدرة على السيطرة والتمييز. فأنا أعتقد أن الأخوة في مصر ما كان ينبغي أن يكون مدخلهم في التعامل مع هذه القضايا هو السيد “الصادق المهدي”.. كان من الممكن أن يكون مدخلهم أي شيء آخر إلا المساس برقم دولي وإقليمي وعربي وإسلامي، ورقم وطني داخل السودان مثل السيد “الصادق المهدي”.. فالآن وإذا تجردنا من الهوى ومن الأشياء الضيقة لقلنا إن الأب الروحي لأهل السودان هو السيد “الصادق المهدي” فهو أكبر القيادات الموجودة في الساحة السياسية الآن التي أعطت والتي أسهمت. فالأخوة في مصر أخطأوا وصوبوا سهامهم تجاه هدف ما كان ينبغي أن تُصوّب تجاهه السهام.
وأنا في الحقيقة مندهش ومحتار.. فالأخوة في مصر كان ينبغي أن يكونوا أكثر حرصاً على معالجة الأزمة في السودان باعتبار أن استقرار السودان يمثل عمقاً إستراتيجيا بالنسبة لهم، لكن من الواضح جداً أن الاستقرار في السودان يؤدي إلى الديمقراطية، وهذه مسألة المصريون لا يتحمّلونها، لا يتحمّلون قيام نظام ديمقراطي. فمصر كما هو معلوم سعت خلال الديمقراطية لإسقاط النظام وحاولوا أن يعملوا خلايا كبيرة جداً لإسقاط النظام حتى أفقدهم هذا الهوس القدرة على التمييز (وإنو الانقلاب القام في السودان دا انقلاب شنو!! فهم افتكروه حقهم وتفاجأوا بعد ذلك بأنه انقلاب الإخوان المسلمين). فهم كانوا يخططون لزعزعة الاستقرار السياسي في السودان الذي يؤدي في النهاية لتوطين الديمقراطية.. فليطمئن الأخوة في مصر تماماً وليغيروا منهجهم في التعامل مع السودان، فالسودان المستقر الديمقراطي الآمن المتماسك، السودان حر الإرادة يستطيع أن يحدث تكاملاً مع مصر. وأنا أعتقد أن على الأخوة في مصر أن يراجعوا أمرهم وأن يفكروا في تأسيس العلاقة بينهم وبين السودان على مصالح الشعوب وليس على علاقات الحكام، فليذهب “السيسي” وليذهب “البشير” وليذهب الجميع ولكن فلتبقَ الشعوب.
{ إذن أنت ترى أن الخلافات بين السودان ومصر ألقت بظلالها على علاقة المصريين بـ”الصادق المهدي” وجعلت المصريين يصوبون سهام نقدهم تجاه “الصادق المهدي” ويتخذون ضده هذا الإجراء؟
– هم الغريبة ما انتقدوا “الصادق المهدي”، هم اتخذوا إجراءات تجاه “الصادق المهدي” ما كان ينبغي أن تُتخذ. الآن هناك تغيير في خارطة الاستخبارات المصرية، طبعاً في عهد الرئيس “مرسي” كان هناك استقرار أمني كبير جداً داخل المؤسسة لكن في عهد “السيسي” أُعفي مدير الاستخبارات وكُلف مدير مكتب الرئيس، وقبل أسابيع تم تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات المصري وعدم الاستقرار داخل المؤسسة يؤدي إلى ارتباك في اتخاذ القرار. ثانياً في السودان أيضاً حدثت نفس العملية وحدث تغيير في المؤسسات. طبعاً معلوم أنه كان هناك اجتماع بين المخابرات المصرية السابقة ومدير المخابرات السابق الفريق أول “محمد عطا” ووزير الدفاع و”إبراهيم محمود” وهو الآن وزير الداخلية.. اجتمع الجانبان وعقدا اتفاقات، والآن واضح أنه بعد تغيير قيادة جهاز المخابرات المصري وتزامن وجود “صلاح قوش” في مصر مع تكليف هذه القيادة الجديدة، هذا جعلهم يتخذون هذا القرار المتسرع وهو ربما يكون قد اتُخذ في إطار تنفيذ اتفاقيات تحجيم أنشطة المعارضة في مصر أو تجفيفها.. وهم لذلك طلبوا من السيد “الصادق” ألا يذهب إلى برلين وعندما ذهب ذهبوا إلى المرحلة الأخرى- التجفيف- وأصدروا قرار إبعاده. وأنا أتمنى ألا يكونوا قد باعوا (الترماي) للسودان! كما يقولون.
{ إذن أنت ترى أن إبعاد “الصادق المهدي” ربما يكون قد تم في إطار اتفاق مع السلطات في السودان في مقابل شيء ما؟
– طبعاً طبعاً.. هذا شيء معلوم جداً.. (المصريون من بدري يطالبون بإبعاد عناصر من الإخوان المصريين وتحجيم نشاطهم هنا).. هذا معلوم، لكن نحن كنا نتمنى أن لا يكون الهدف هو الإمام “الصادق المهدي”.. فمن مصلحة المخابرات المصرية ومن مصلحة السودان ألا يكون الهدف السيد “الصادق المهدي”.. لماذا؟ لأن النشاط الذي يقوم به السيد “الصادق المهدي” في مصر نشاط متوازن جداً وليس به أية إساءة للعلاقات بين الدولتين وهو نشاط كابح للتطرف لدى الجماعات المتطرفة وداعم لتفكيك حالة التطرف.. أخوتنا في مصر أساءوا التقدير في إطار ترضيتهم للنظام السوداني والنتيجة أنهم خسروا. والنظام السوداني أيضاً خسر لأن وجود الإمام في مصر كان من الأفضل له وللسودان من أن تتباعد المسافة بين السيد “الصادق” وبين السودان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية