الإسلامي والمفكر المعروف بروفيسور “الطيب زين العابدين” يتحدث لـ(المجهر) حول انقلاب 30 يونيو
البعض قال لي لماذا لم تكشف الانقلاب طالما أنك كنت معارضاً لفكرته؟
*الهيئة التنفيذية للجبهة الإسلامية كانت أول جهة شورية عُرض عليها الانقلاب
*”الترابي” هو من عرض علينا موضوع الانقلاب بعد أن ناقشه في مكتبه التنفيذي المصغر
كلما تناقش الناس حول انقلاب الإسلاميين في 30 يونيو 1989 والأسباب التي أدت إلى لجوئهم إلى هذا الخيار ذكر اسم بروفيسور “الطيب زين العابدين” كأبرز عضو اعترض وقتها أو تحفظ على وصول الحركة الإسلامية للسُلطة عن طريق الانقلاب العسكري، وأصبح هذا الاعتراض حديثاً يجد صدى بعد تراجع أداء الإنقاذ وحسبت المسألة لصالحه بطريقة لم يتوقعها البروفيسور نفسه. (المجهر) أجرت حواراً مع الكاتب والمفكر بروفيسور “الطيب زين العابدين” حول جزئية الانقلاب، تناول الكيفية التي تم بها طرح موضوع الانقلاب ومدى مقبولية الأعضاء لهذا الطرح الذي يتعارض مع طريقة تفكير الإسلاميين، ولماذا كان “الطيب زين العابدين” معترضاً؟
فماذا قال؟
*قيل كنت من المعترضين على انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو1989؟
هذا الحديث غير دقيق.
*ماذا حدث إذن؟
اذكر أن فكرة الانقلاب عرضت على الهيئة التنفيذية للجبهة الإسلامية قبل شهرين أو ثلاثة أشهر وكان عدد أعضائها (27) عضواً.
*عرضت على هيئتكم قبل مجلس الشورى الجهة الإسلامية؟
حسب ما قيل لم تعرض على مجلس الشورى لأن حجمه كبير وهذه من الأشياء التي تتطلب السرية لذلك قرروا عرضها على الهيئة.
*هل كانت أول جهة يعرض عليها أمر الانقلاب؟
هناك جهة فنية مشرفة على العمل العسكري بجوانبه المختلفة في الغالب مر عليها وفي الغالب هي المتابعة لهذا الموضوع، وهناك المكتب التنفيذي المصغر وهو من يقترح ويتصل بالعسكريين بعد أن أصبح التصور واضحاً.
*ما طبيعة مهام المجلس التنفيذي المصغر؟
مفوض للنظر في أشياء لديها خصوصية، لكن الهيئة التنفيذية للجبهة الإسلامية كانت أول جهة شورية عرض عليها موضوع الانقلاب.
* ماذا طلب منها بحسب وجودك فيها؟
إبداء رأيها وفي نفس الوقت كانت بمثابة الجهاز الأعلى في الجبهة وهم اختاروا أن يعرضوا موضوع الانقلاب على هذه الجهة.
*من الذي عرض موضوع الانقلاب؟
عرضه الأمين العام الراحل دكتور “الترابي” نفسه ناقشه في مكتبه التنفيذي المصغر، واتى به إلى الهيئة التنفيذية للجبهة الإسلامية، باعتبارها صاحبة السُلطة الحقيقية وفق نص دستور الجبهة الإسلامية وقال نحن نخطط لعمل انقلاب دون أن يذكر المشاركين فيه.
* ما أهم ما قاله؟
قال أهم المبررات والأسباب التي جعلت الجبهة الإسلامية تفكر في القيام بانقلاب عسكري على خلفية أن الجبهة ديمقراطية، وكانت تعمل في مناخ ديمقراطي مكنها من كسب دوائر الخريجين في انتخابات الديمقراطية الثالثة.
*ماهي الأسباب التي ذكرت في الاجتماع؟
ذكرت أربعة أسباب: السبب الأول أن الحركة الشعبية أصبحت متمددة في الشمال واحتلت قيسان والكرمك، والحكومة ضعيفة والجيش كان متمرداً عن تأدية واجبه بسبب عدم دعم السُلطة التنفيذية له. ثانيا كانت هناك ثلاث محاولات انقلاب شغالة.
*أبرزها كانت محاولة البعثيين أليس كذلك؟
نعم البعثيين وصلوا مراحل متقدمة جدا في التحضير، لكن نحن كان عندنا اختراق لهذه المحاولات وهذا كان كلام المجموعة الشغالة في الانقلاب والمجموعة كانت صغيرة لا تعطيك الصورة كاملة وكل المحاولات كانت معادية للإسلام.
* ماذا عن الأسباب الأخرى؟
السبب الثالث قيل لنا إن الجبهة جاهزة تماماً ولديها وجود في كل القوات لإنجاح الانقلاب. والرابع أن الغرب لن يترك الإسلاميين يصلوا للسُلطة بالديمقراطية وله أساليبه في ذلك.
*هل كانت هذه الأسباب مقنعة لكم؟
كانت مقنعة للأغلبية الساحقة الموجودة في الاجتماع وطبعاً لم يخضع الموضوع للتصويت أنا كان لدىَّ تحفظ لكن لا استطيع فرض رأيي على الاجتماع لأنه كان مقصوداً منه الخروج بقرار.
*على ماذا ركز المجتمعين في نقاشهم؟
أغلب النقاش كان في شكل أسئلة لمزيد من الاطمئنان من شاكلة هل وضعتم حساب لأي تحديات يمكن أن تواجه الانقلاب وماهي خطة ما بعد الانقلاب وكيف يكون التعامل مع العسكريين الذين لم يكونوا من قيادات الجبهة الإسلامية.
* لماذا تحفظت على الانقلاب؟
أنا موقفي مبدئي من الحُكم العسكري وليس شيئاً جديداً قبل ذلك عندما صالح الإسلاميين نظام نميري، وطلب مني المشاركة رفضت الدخول في لجنة اجتماعية كونها أحمد عبد الرحمن.
*على ماذا بنيت هذا الموقف المبدئي؟
افتكر أن أي انقلاب عسكري يمكن أن يفعل أي شيء لتأمين نفسه في السُلطة، إضافة إلى أنه لا يقيم دولة إسلامية.
*موقفك في انقلاب 30 يونيو بعد فترة حسب لصالحك ؟
لم افكر في أن كلامي سيجد اهتماماً ربما حدث ذلك لأن أداء الإنقاذ لم يكن بالصورة المطلوبة.
* ألم تراودك رغبة في كشف أمر الانقلاب؟
بعض الناس قالوا لي لماذا لم تكشف الانقلاب طالما أنك كنت معارضاً قلت لهم المجالس أمانات وأنا عرفت بوصفي موجوداً في جهاز لمدة 30 عاماً.
* ماهي الإجراءات التي اتخذت بعد إجازة قرار الانقلاب في الهيئة؟
واحد من الإجراءات التي اتخذت تجنيد أعضاء الحركة الإسلامية حتى يكونوا على أهبة الاستعداد، وكانت هناك أعداد كبيرة مدربة لظروف مختلفة.
* أين تدربوا؟
بعضهم تدرب في ليبيا وبعضهم تدرب في الأردن مع الحركات الفلسطينية وبعضهم تدرب في إثيوبيا واليمن، عموماً كان هناك استعداد دون أن يعرفوا ماذا سيحدث وتهيئة لعامة الناس.
*حينما حان وقت التنفيذ هل عرفت توقيت الانقلاب؟
(شميت ريحتو) لكن ما في معلومة لأن ساعة الصفر تعرفها مجموعة صغيرة وإلى أن قامت الثورة لم اسمع “بالبشير”، الغريبة البعثيين كانوا عارفين ونشروا الموضوع في جريدة الدستور التي كانت تصدر بلندن وذكروا اسم “البشير” ما يشير إلى أنهم اخترقوا القصة.
* ألم يحاولوا إخبار حكومة “الصادق”؟
“يحيى حسين” قال لي نحن في حزب البعث ذهبنا “للصادق المهدي” وأخبرناه بالانقلاب، لكنه لم يهتم، (يمكن أن تسأليه). هناك رواية أخرى تقول إن “صلاح عبد السلام” كان لديه ملف عن موضوع الانقلاب، وأراد توصيله “للصادق” في ليلة (الجمعة) نفسها لكن هذا لم يحدث.
* برأيك لماذا فشل الإسلاميون في السُلطة؟
الحركة الإسلامية أصبحت سُلطة مُطلقة، كل الأحزاب ألغيت، والحركة نفسها همشت وأصبحت غير موجودة.
* ماذا عن الموجودة الآن؟
الحركة الموجودة الآن غير مسجلة، وليس لها وضعاً قانونياً، لكن تمارس العمل لأنها “حقت” الحكومة.
*الحركة الإسلامية همشت من بداية الثورة؟
منذ أن اجتمع الراحل “الترابي” و”علي عثمان” وطلبوا مقابلة كل الذين كانوا إخوان في الخمسينيات، حيث كانت هناك دعوة عشاء وزعت فيها المصاحف، وقيل لهم لقد أديتم دوركم حتى وصلنا إلى السُلطة ولا بد من تعاقب الأجيال.
* هذا الكلام كان سبب ضعف الحركة؟
هذا الكلام أغضب بعضهم وجعلهم يبتعدون باعتبار أنهم غير مرغوب فيهم، أنا لحد كبير قبلت الكلام، ورغم أنني لم أحضر الاجتماع لكن عرفت ذلك.
الأمر الثاني أصبحت هناك أجهزة موازية لأجهزة الحركة الإسلامية، وشخصيات تنفيذية غير معروفة بنشاطها الإسلامي، ومجلس شورى الحركة الإسلامية همش جداً وفي النهاية قيل له حل نفسك وأنا كنت حاضراً هذه الاجتماعات.
* لماذا؟
باعتبار أن هناك عسكريين إسلاميين ووزراء إسلاميين في السُلطة، ومجلس الشورى يمكن أن يرفع القرارات لهؤلاء، وهم يقومون بالتنفيذ ودخولهم في الشورى يمكن المجلس من معرفة المشاكل عبرهم.
* وفعلاً ادخلوا؟
ادخلت بعض الشخصيات حتى بلغ عدد مجلس الشورى أكثر من (300 أو 400) عضو، وكان المنتخبون قلة والمنتخب ليس كالمعين، وأصبح المنتخبون يستحون من انتقاد السُلطة أمام هؤلاء المعينين، لأن بعضهم كان من اليساريين.
* ما تم كان خطوة لحل الحركة الإسلامية من المسؤول؟
كلنا مسؤولون عن حل الحركة.
* بعضهم حمل المسؤولية للراحل “الترابي”؟
أبداً مسؤولية كل الناس، صحيح “الترابي” كان من الشخصيات المبادرة، ويعد نفسه جيداً لإقناع الناس، لكن عملياً الأجهزة كانت قد توقفت تماماً.