حوارات

عضو وفد مفاوضات (نيفاشا) “عبد الرحمن الخليفة” يخرج من صمت الاتفاقية ويحكي كواليس التفاوض (1)

تقرير المصير لم تحدده (نيفاشا) وكل الأحزاب التي كانت تزايد أقرته في أسمرا

قناعتي أن السودان سيعود موحداً ذات يوم (لمن تمشي الأجيال الممتلئة حقداً وكراهية)
نتيجة الاستفتاء لا تعبر عن إرادة المواطن الجنوبي بدليل أن الكثير منهم يبكي الآن على أيام الوحدة
*كل عام وأنت بخير أستاذ “عبد الرحمن” ؟
علينا وعليكم وعلى الشعب السوداني وأمة محمد كافة
حوار – هبة محمود سعيد
ظل لسنوات عدة بعيداً عن الأضواء والهالات الإعلامية، يمتنع عن الحوارات الصحافية ويعتذر للكثيرين، مكتفياً بالعمل في صمت من خلال مكتب للمحاماة اتخذه ليمارس من خلاله مهنته، عقب مسيرة طويلة وحافلة من العمل الحقوقي امتدت لسنوات.
لم يكن جلوسي لنقيب المحاميين الأسبق الدكتور”عبد الرحمن إبراهيم الخليفة” الذي رحب بنا في مكتبه ذا الطراز الإنجليزي الأنيق والعتيق بضاحية العمارات، إلا لما يمتلكه الرجل من تاريخ طويل في مجال القانون و المحاماة، فضلاً عن كونه أحد مفاوضي (نيفاشا) التي جاءت بعملية السلام الشامل في جنوب السودان، وشاهد عصر على كواليسها وإرهاصاتها، ورقيباً على بنودها الست، سيما أننا نتنسم ذكرها التي توافق التاسع من هذا الشهر، حيث بدء تنفيذ اتفاقية السلام بين الطرفين الحكومة والحركة الشعبية.
ساعة من الزمن قضيناها ونحن نقلب مع ضيفنا بدايات المهنة وهموم القضايا، ونصوص التشريعات، فلم يبخل علينا، بسعة صدر تلمسناها خاصة عندما حملناه وزر انفصال الجنوب، ودموية المشهد الجنوبي، مؤكدا شعوره بالأسى حياله في وقت قطع فيه بضرورة الانفصال وحق تقرير المصير نزولاً لرغبة الجنوبيين ..عدد من المحاور طرحناها عليه فأجاب وأفاض، فالي مضابط الحلقة الأولى التي ركز فيها كواليس (نيفاشا).
* بدءاً دعني أسألك.. “عبد الرحمن الخليفة” شخصية تعمل في صمت بعيداً عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية، فما سر هذا الابتعاد؟

والله، كلٌ ميسر لما خلق له، يعني أنا أجد نفسي بعيداً عن المنصب التنفيذي، ولا ينبغي لكل الناس أن يكونوا في منصب تنفيذي، (الدنيا دي فيها تقاسم أدوار)، ودوري ليس دوراً تنفيذياً. ولا يشترط أن تكون قريباً من مناصب تنفيذية، يعني ليس من المعقول أن يتطلع أي إنسان شارك في عمل عام أن يتولى جهازاً أو منصباً تنفيذياً، ربما الآخرون أكثر فائدة في هذا المنصب وهكذا، أما بالنسبة للمناصب التشريعية فأنا حقيقة لا أحب قيود الوظيفة أبداً، كنت أعمل في وزارة العدل في زهرة شبابي لكن في النهاية توصلت إلى أن الوظيفة أضيق أبواب الرزق وهي رق القرن العشرين، ولذلك اخترت لنفسي هذا الفضاء العريض، وهي مهنة المحاماة بجانب عملي أستاذاً في الجامعة فضلاً عن مساهمتي في العمل العام.

* دعنا نقلب معك ملف مهم ومفصلي في تاريخ البلاد ونقف عند محطاته، وهي (اتفاقية نيفاشا)، أولاً كيف أصبح “عبد الرحمن الخليفة”، عضواً ضمن مفاوضيها؟

والله دي كانت مصادفة، فقد قام بتزكيتي للمفاوضات الدكتور “عبد الله إدريس” الذي كان وزيراً للعدل وقتها وكان عضو مفاوضات في أبوجا. هو من رشحني وكنت وقتها اشغل منصب المدعي العام، ومنذ ذلك الوقت أصبحت عضواً في التفاوض بدلاً عنه.

*هل تم الاستعانة بك، من ناحية سياسية أم قانونية؟

والله التفاوض جوانبه معقدة فيها السياسي والقانوني والبعد الاجتماعي، وفيها أيضاً بعد اقتصادي وعلاقات دولية. التفاوض متشابك ومعقد جداً، ولا يمكن أن تأتيه من طرف واحد، وهو ليس مثل أي قضية أمام محكمة يظهر فيها قانون، ولكنه – التفاوض- قضية ذات أوجه متعددة. وبالنسبة لاختياري عضواً ضمن وفد للمفاوضات، فربما من ناحية قانونية ولكني أجمع بين الاثنين.
* (نيفاشا) اتفاقية مليئة بالثغرات القانونية التي أعطت الجنوب حق تقرير المصير؟
أول شيء تقرير المصير لم تحدده نيفاشا، (يعني دا تم تحديده منذ وقت باكر)، كل الأحزاب السياسية التي كانت تزايد حول ذلك كانت قد أقرت تقرير المصير في أسمرا، وبعد ذلك كان دكتور “علي الحاج” الدكتور “لام أكول” أيضاً قد اتفقا على مسألة تقرير المصير في فرانكفورت في ألمانيا الغربية وقتها. حق تقرير المصير كان محك في أما أن تتخلى الدولة عن ثوابتها أو يكون هناك حق تقرير المصير .وقد ناقشت مجموعة (ايقاد) هذا الأمر، (والوقت داك كان على رأس الحكاية دي أيضاً الدكتور “علي الحاج”، وفي فترة “غازي صلاح الدين” أيضاً تم حسم مسألة حق تقرير المصير).

*ولكن بالرغم من ذلك فإن تقرير المصير كان من أصعب (الحبكات) القانونية في البروتوكولات الستة؟

طبعاً أعقد القضايا كانت هي مسألة تقرير المصير، ودي كما ذكرت قضتها الأحزاب السياسية في أسمرا، ودكتور “علي الحاج” ودكتور “لام أكول” كانوا في ألمانيا في لقاء لهم قد اقروا هذا المبدأ، ومع ذلك هو كان قرارا صعبا جدا ولم يكن بالسهولة التي يتخيلها الشخص.
* قرار صعب عليكم كمفاوضين لكنه بالمقابل كان مطلبا ضروريا وأساسيا للجنوبيين جعلهم يصوتون بنسبة ٩٩٪ للانفصال؟

أنا اعتقد أن الاقتراع لم يكن شفافاً ولا نزيها. أول شيء الجنوبيين هناك كثير منهم بسطاء تم خداعهم، وجزء تم تزويره من قبل الحركة الشعبية، ولذلك فإن نتيجة الاستفتاء لا تعبر عن إرادة المواطن الجنوبي، بدليل أن أهل الجنوب حتى الآن الكثير منهم يبكي على أيام الوحدة وعلى أيام السودان الواحد، والدليل على ذلك أنهم الآن موجودون معك في الخرطوم، وأبناؤهم يدرسون معنا في الجامعات، ولديهم منازلهم (وبدل ما كانوا أهل بلد أصبحوا أجانب).
*أنتم كمفاوضين تتحملون وزر (نيفاشا) وانفصال الجنوب، سيما أنك ذكرت أنهم – الجنوبيين- بسطاء وتم خداعهم؟
لا لا لا نحن لم نختر أن ينفصل الجنوب، (اختار أهل الجنوب أن ينفصلوا) ولا أحد من أهل الشمال مطلقاً يتحمل وزر ذلك أصلاً (ما تعملوا إسقاطات زي دي) (انتو عايزين بالبندقية تمسكوهم لمتين، الحرب دي بادية من متين؟) (أول حركة للتمرد اندلعت في العام ١٩٥٤ والانجليز كانوا موجودين في البلد.. أحداث أنزارا وتوريت والانجليز أيضاً كانوا في البلد، معناها شغل يحركه الإنجليز، منذ العام ١٩٢٣ كان هناك قانون المناطق المغلقة والذي كان من قبل الإدارة البريطانية، التي هيأت المواطن الجنوبي على أنه شخص منفصل. التعليم في جنوب السودان كان بيد الكنيسة، بينما التعليم في الشمال إبان العهد البريطاني كان بيد وزارة المعارف، فقامت الكنائس بتغذية المواطن الجنوبي بالكراهية نحو الشمال، ودي جميعها أفكار مشوشة ومعلومات مغلوطة عن تجارة رق واسترقاق وغيره وغيره فنشأت أجيال مرباة على الكراهية والبغضاء وكان لابد من هذا الطرق المتواصل أن يقود لانفصال الجنوب، لكن سيعود السودان موحداً أن شاء الله).
* تعتقد ذلك؟
( ألمانيا دي لما انفصلت بعد كم سنة عادت موحدة؟ قناعتي أن السودان سيعود موحدا يوم ما (لمن تمشي الأجيال الممتلئة حقدا وكراهية).
*بالتأكيد أن الأجيال المرباة على الحقد والكراهية، ستزرع الحقد في نفوس من تليها من أجيال، وبالمقابل ستظل البغضاء والكراهية متوارثة، وتظل المشكلة قائمة؟
(ما في الصالحين منهم برضو يربوا أجيال، أنت قالوا ليك بس ديل).

* عندما ترى ما آل إليه حال الجنوب الآن من احتراب وموت، هل تشعر كمفاوض بوزر؟
لا .. بس نأسى عليهم، ونشعر أن قرارنا كان صواباً وقرارهم كان خطأ.
* أين الحديث عن الوحدة الجاذبة الذي كانت تردده حكومتنا دوما؟
الحكومة فعلت أكثر مما ينبغي في جعل الوحدة جاذبة، لكن أنت تستطيع أن تأخذ الفرس إلى النهر كما يقول المثل الانجليزي، لكنك لا تستطيع أن ترغمه أن يشرب ماء، (نحن قلنا وحدة جاذبة ولو هم ما دايرين ما بتقدر ترغمهم على وحدة، والوحدة الجاذبة ما معناها وحدة قسرية، ولكنها وحدة أختيارية، هم اختاروا وحصدوا).
*وأنتم في طريقكم للتفاوض هل كنتم تدركون أن النتيجة ستكون انفصالا؟
لم تكن في بادئ الأمر واضحة بهذه الصورة، لأن “قرنق” كان يتحدث عن وحدة، وحدة برؤيته هو، لكن الانفصال اتخذ مسارا حادا بعد وفاة “قرنق”.
كان لرحيله أثراً كبيراً ؟
أثر كبير لا شك.

* تعتقد لو أنه مازال على قيد الحياة لما انفصل الجنوب؟
ربما ..”قرنق” كان يريد انفصالا يستعلي فيه أهل الجنوب على سائر أهل البلاد (يعني انفصال برؤيته هو)، ولا احسب أنه كان يريد انفصالاً بالشكل الذي حدث.
* (نيفاشا) اتفاقية استهدفت السودان؟
(نيفاشا) فتحت عيني على أن هذا الغرب يستهدف السودان كدولة وليس حكومة، تستهدفه كوطن، لأن السودان له تأثيرات هائلة جداً على دول الجوار شرقاً وغرباً، ولأن السودان له موروث حضاري تمتد جذوره إلى حدود فترة الحضارة المروية وكوش وأيضاً لأن السودان كان لديه تجربة الثورة المهدية وتجربة ثورة ١٩٢٤، وفيه مقاومات “عبد القادر ود حبوبة” وغيرهم في جبال النوبة وفي أجزاء متفرقة من السودان، فكان واضح أن السودان بلد، ليس كسائر الدول الأفريقية وليس كسائر الدول العربية، بلد غني بالموارد يمتلك أرضاً شاسعة وخصبة ومياه وثروة حيوانية وإنسان متعلم طموح، فهذا السودان يمكن أن يشكل مخاطر على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الغربي في المنطقة ولذلك كان لا بد من تحجيمه والإحاطة به والتضييق عليه. كل هذه الأشياء أنا أدركتها منذ وقت مبكر.
التجربة فتحت عيني على أشياء كثيرة جداً، وهو أن اهتمام المجتمع الدولي بالشأن الجنوبي ووقوفهم معه وهم الذي خلق الأزمة والمشكلة.
* هل كنت تصطحب معاك كل ما أدركته من مؤامرة تحاك ضد السودان أثناء سير عملية التفاوض؟
أنا كنت مدركاً، لكن في النهاية أنا بتفاوض مع أبناء وطن واحد مهما كانت التأثيرات عليه. (كانوا أبناء وطن واحد لكن تحركهم أجندة ودوافع خارجية وبدليل الآن انظري إلى ما آل إليه الجنوب الغرب صار يتفرج عليه).
*طالما أنك كنت تدرك ما يحاك ضد السودان، لماذا إذاً لم تنتبهوا للمخطط الغربي، وأعطيتم الجنوبيين حق تقرير المصير، وساعدتم في المخطط؟
أنت ليس بوسعك أن تحمل من تتفاوض معه على نتائج معينة، التفاوض في النهاية يراعي رؤية الطرفين، والطرف الآخر كان يضمر انفصالا، لكن (عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً). الآن يدرك أهل الجنوب أن السودان كان هو الحامي لأمنه وغذائه، وإن الذي يغتصب نساءه ويسرق أبقاره هم هؤلاء الانفصاليون.
* أنت شخصياً كمفاوض متى شعرت أن نتيجة ما تتفاوضون عليه ستقود لانفصال؟
منذ أن بدأ الجنوبيون يلحون على مسألة الاستفتاء.
* عقب كم من الزمن منذ بدأ سير المفاوضات؟
لا أجزم أنه بعد كم، لكن منذ أن بدأ تركيزهم ينصب على الانفصال، وليس على تنمية أو أي شيء آخر، فأدركت حينها أن القوم يضمرون شراً.
*هل تعدى شرور الحركة الشعبية حق تقرير المصير أم تعداه إلى مطبات أخرى لعرقلة سير المفاوضات؟
كانت هناك تعقيدات في مسألة الفترة الانتقالية، الحركة الشعبية في بادئ الأمر كانت مصرة على عامين اثنين ونحن كنا مصرين على عشر سنوات، وفي النهاية وصل الناس لحل وسط في أن تكون الفترة الانتقالية خمس سنوات، وبعدين أصلاً التفاوض كان يسير ببطء، لكن الثقة لم تكن متوفرة من قبل الطرف الآخر حيالنا، كما أن إرادته السياسية لم تكن محققة، لأنه كان وفق أجندة عالمية يعتقد أن النظام ممكن أن يسقط في أي لحظة، كان يعمل بقاعدة (ما تستعجل قرار مع هذا النظام)، هكذا كان يعتقد الجنوبيون، لكن في النهاية الواقع على الأرض فرض عليهم خلاف ذلك، واضطروا أن يرضخوا لمسألة التفاوض، ولم يكن هناك خيار آخر أمامهم.
* كانت مفاوضات قاسية؟
في البدايات كانت تكتنفها صعوبة بالغة وتعقيدات ومواقف متعسفة جدا من الحركة، لكن عقب ذلك ذهبت في مسار بدأ أكثر مرونة.
* ماهو أصعب (البروتوكولات) التي وقفتم عندها كثيراً بعيداً عن حق تقرير المصير؟
هو (بروتوكول) السلطة والثروة، الاثنان كانا من أهم (البروتوكولات)، وكانت فيها تعقيدات لأن سقف المطلوبات من الطرف الآخر كان عالياً، كانت فيه مزايدات وحديث مرة عن (كونفدرالية)، ومرة مناورات سياسية من الطرف الآخر.
* كيف استطعتم الوصول لحل؟
كان لبعض الوسطاء دورا في تليين موقف الطرف الآخر، بعد ذلك حقيقة في فترات نيفاشا الأخيرة، كان التفاوض يتم في أماكن مختلفة، مرة في نيروبي وأخرى في أبوجا الأولى وابوجا الثانية، وفي مواقع مختلفة في كينيا وأحياناً تتم لقاءات في فرانكفورت وهناك لقاءات تمت في أوروبا ولقاءات في كمبالا، لكن في (نيفاشا) تحديداً كان الأمر قد وصل أن السيد النائب الأول وقتها” علي عثمان” والراحل “د.جون قرنق” استطاعا خلق باب من التفاهم بينهما، وكان قبل أي بداية لجولة تفاوض يلتقوا لساعة تقريباً أو يزيد وهذا كان له أثر كبير جداً في تليين مواقف الحركة، “جون قرنق” اطمأن للأخ ” علي عثمان”، وهذا من العناصر التي ساعدت في سير التفاوض.
* برأيك ما الذي كانت تسعى إليه الحركة أو ما الذي تريده من خلال هذا البروتوكول (السلطة والثروة)؟
الحركة كانت تريد أن تضمن سيطرتها على جنوب السودان وتعتقد أنها حاملة سلاح وقدمت قتلى في سبيل ما تدعو إليه فكان لابد لها أن تحقق اكبر قدر من المكاسب، كما أن الحركة كانت تريد أيضا أن تحتل مساحة واسعة جدا من الساحة في السودان العريض (يعني الجنوب كله تضمنه لها) وبعد ذلك يكون لها قدر في قضايا السودان كله، فطموح الحركة كان عالياً.
*تعني أن الوساطة كان لها دور فعلي وعملت على تقريب الشقة؟
والله الوساطة كانت أنواعا، هناك وساطة لديها أجندة، ووساطة عملت على تقريب المواقف، بأجندتها برضو، لكن المهم أنها قربت المواقف.
* كوفد حكومي مشارك كنتم على دراية بمواقف الوساطة بأجنداتها المختلفة والخفية؟
تماماً، كنا نعلم دوافع كل شخص.
* إذاً تعاملتم مع الوساطة وفق ما تبتغونه أنتم؟
نحن كنا ندرك أنه ليس لك في التفاوض كل ما تريد (التفاوض أخذ وعطاء) ـ وأن لا تخرج بالنتيجة خاسراً.
* قدمتم تنازلات يمكنني القول؟
مؤكد تمت تنازلات من الطرفين.
* ما حجم ما قدمتموه من تنازلات؟
لم يكن هناك تنازلات في قضايا مصيرية، ولا تنازلات في ثوابت، لكن مؤكد هناك تفاصيل كان لابد أن يتم فيها تنازلات يعني.
* كيف استطاع الطرفان (الحكومي – الحركة) بناء علاقات وثيقة ساهمت في عملية التفاوض؟
صحيح العملية كانت متعثرة جداً لأن الطرف الآخر كان فيه غلاة، وكانوا يعتقدون أنه بالضغط ويعتقدوا أنهم مسنودون من قوى دولية ويستطيعوا أن يحققوا ما يريدون، لكن بعد ذلك أصبحت هناك علاقات بين أعضاء الوفد من هنا وهناك.
* النائب الأول وقتها “علي عثمان” كان له دور كبير في المفاوضات رغم أنه لم يتولى قيادتها منذ البداية، فكيف استطاع لملمة تلك الملفات، كانت هناك حالة من الشد والجذب بين الطرفين؟

ما في شك، أن الحلقة التي تولى فيها “علي عثمان” رئاسة المفاوضات كانت هي الحلقة الحاسمة والأخطر. طبعاً المفاوضات كانت حركة واحدة ترأسها (علي الحاج – محمد الأمين خليفة – أحمد إبراهيم الطاهر)، لكن كما ذكرت، الحلقة الحاسمة والأخطر كانت هي التي تولى فيها الأمر “علي عثمان”. فيما يتعلق بمقدرة النائب الأول وقتها على لملمة الملفات، فمن الأشياء التي ساعدته هي اللجوء إلى وجود لجان مصغرة تدرس بعض الأوراق وتحاول أن تصل إلى نقاط اتفاق وتحدد نقاط الاختلاف، ومن ثم الإتيان إلى الاجتماع الكبير.
*ما هي (المطبات) التي قابلت السيد “علي عثمان محمد طه”، في بداية توليه الملف، المعروف أن “طه” غادر نيفاشا أكثر من مرة، وحدثت انهيار لجولات التفاوض مرات عدة، كيف كان يتم تدارك هذا المشكلات؟
على سبيل المثال، بعض المشكلات التي تحدث هو أن نكون جالسين على طاولة التفاوض، بينما تحتل الحركة على الميدان مدينة (توريت) مثلاً، فهنا مباشرة ينهي الوفد السوداني التفاوض حتى تتحرر المنطقة التي احتلها التمرد ومن ثم نعاود مرة أخرى للمفاوضات. فهم كانوا يعتقدون أن احتلال الأرض يعني موقف تفاوضي أقوى.

* لماذا غادر “غازي صلاح الدين” رئاسة ملف نيفاشا؟
الملف تعاقب عليه قوم كثر، كان فيه “علي الحاج” ولم نسال لماذا غادر، ثم أتى “محمد الأمين خليفة”، وهناك مرحلة أتى فيها “أحمد إبراهيم الطاهر” في واحدة من الجولات، ومرحلة أتى فيها “غازي صلاح الدين”، وهي كانت مرحلة حساسة جداً، وبعد ذلك جاء “علي عثمان”، يعني هذه مسائل كان يقدرها صانع القرار.
*تغيير الوجوه كان له دور في مضي المفاوضات أم العكس؟
تغيير الوجوه كان واحدا من أسباب تليين المواقف، لما يتغيروا الناس شوية الموقف يختلف.
* الذين تولوا ملف التفاوض قبل النائب الأول وقتها، “علي عثمان” كانوا متشددين بعض الشيء؟
لا لا التشدد دوما كان من جانب الحركة.
* كان هناك حديث عن منح جميع أعضاء الوفد الحكومي المفاوض مناصب تنفيذية وتشريعية في الدولة، على اعتبار أنهم أكثر دراية ببنود الاتفاقية ويستطيعون المحافظة والعمل عليه، لكن ذلك لم يحدث، في حين أوفت الحركة بالتزامها تجاه مفاوضيها، وجاءت بهم جميعاً وزراء تنفيذيين وأعضاء في البرلمان؟

لم يكن هناك اتفاق كهذا ولا يوجد مبرر لاتفاق كهذا أبداً، لأن هؤلاء أي – المفاوضين الحكوميين – لم يكونوا يحتكرون هذا الملف، الملف هذا كان يناقش في (نيفاشا)، وتناقش قضاياه هنا في الخرطوم أيضاً عبر دوائر تتبادل الآراء مع الوفد المفاوض والذي يصل إليه أهل (نيفاشا) هو ما يعبر عن رأي متخذ القرار في المركز.
بالنسبة للجنوبيين فإن وفدهم المفاوض يمكن أن تقول إنه جميع كوادرهم، الذين لا زالوا حتى الآن ممسكين بمفاصل السلطة في الجنوب، لكن الحكومة هنا كان لديها كوادر متعددة جدا وليس هناك ثمة سبب أن يأتي بالوفد المفاوض وزراء، (ما في ما يقود لذلك).
* (نيفاشا) كانت خصماً على السودان؟
أنا لا أريد وضعها بهذه الصورة الحادة، يعني قطعا أنت عندما تفقد جزءا من وطنك، هذا أمر مُر جداً وقرار خطير، لكن في النهاية هذا الجزء كان دامياً ودموياً ولم يكن من خيار في أن نعطي الناس حق تقرير المصير كما قلت لك لأن الوحدة لا تكون قسرية، يجب أن تكون طوعية وبإرادة الناس، وطالما أنها كانت إرادة أهل الجنوب أو هكذا بدا لهم، فليس هناك ما نأسى عليه لأن الجنوب كان سيكون حتى الآن بنفس مشكلاته، وكان سيكون عبئا علينا.

* خسر السودان كثيرا جراء الانفصال؟
خسر لا شك، لكن في نفس الوقت كان لابد لمسألة الجنوب دي أن تنتهي إلى مآلات، إما وحدة أو انفصال، والوحدة لا تكون قسرية) (لا يحمل الناس حملا عليها)، وبما أنهم اختاروا الانفصال، بالتأكيد أنهم سيعون الدرس تماما وتسقط كل دعاوى الدنيا وأنه (والله القصة بتاعت الجنوب والحرب بين الشمال الغربي المسلم والجنوب المسيحي الأفريقي وكأننا لسنا أفارقة وكان الجنوب مجتمع مسيحي! ). نسبة المسلمين في الجنوب أعلى من نسبة المسيحيين. الآن تصمت هذه الأصوات تماماً، ولابد أن يتحمل الجنوبيون نتائج خياراتهم و(البلد المحن لابد يلوليهن).

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية