رأي

الحاسة السادسة

رشان أوشي

التغيير الاجتماعي ومجتمع الحداثة

هناك حقيقة واحدة وواضحة، وإقرار واقعي وتاريخي بفشل الحركة السياسية السودانية، وتشمل كل الأحزاب، في إحداث تغيير إيجابي وملموس في البلاد، حيث عجزت القوى السياسية منذ الاستقلال في وضع بصمات ناجحة في المجتمع والأفراد، وامتد عجزها إلى خلق دولة مؤسسات تحدث نظاماً سياسياً يلقي بظلاله على تنظيم حركة المجتمع، وتجلى ذلك في حالة الفشل العامة التي نعيشها الآن، فمازال الناس جاهلين بحقوقهم، وفهمهم الإيجابي للقوانين التي تحقق بشكل مباشرة مفهوم العدالة، حيث يتساوى المواطنون في العالم الأول أمام القانون، وبالتالي تنعدم الفروقات الاجتماعية بين البشر، وتزول فوارق العنصرية، المستويات الاقتصادية في الحياة، ويظل رجل الأعمال الثري، والفقير المعدم سيان أمام الدولة بمؤسساتها، ويصبح الفساد والمحسوبية ذكريات من ماضي الفشل والتراجع، وهذا التقدم الملموس في مجتمعات ما بعد الحداثة نتاجا لحركات التغيير، كالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في الحقوق، ولكن اليوم رغم اكتظاظ ساحات العمل العام في السودان بمنظمات المجتمع المدني ومقدراتها المالية والبشرية الضخمة، والأحزاب السياسية التي فات المائة حزب، وحركات الفعل السياسي في المشهد من حوار وطني، واتفاقيات سلام، وغيرها، تسود الحالة الفشل الملموس في المشهد العام، وتعجز جميعها في إحداث نقلة نوعية في بنية الوعي العام على الأقل، ناهيك عن إحداث تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي، أصبحت حلماً طوباوياً يشغل جموع المثقفين والناشطين في هكذا مجالات.
فما زلنا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين نتحدث عن طموحاتنا كشعب في الحصول على أساسيات الحياة، من معاش، ووظيفة، وتعليم، وعلاج، ناهيك عن حلم بالرفاهية والبحث العلمي، ونشر الوعي، ومن ثم مازال إعلامنا يتحدث عن رجل أعمال يغري قاصرات بالمال من أجل الحصول على الجنس، بشكل مريض يوضح مدى الحرمان في نفوس الناس، ومازال دبلوماسيينا يسقطون في قمة حرمانهم العاطفي والجسدي، متناسين للحظة حجم مسؤولياتهم، المبعوثون لأجلها، ومازال نساؤنا تتجلى قمة طموحهن الإنساني فقط في الحصول على علاقة زوجية تقيهن شر اتهامات المجتمع بالعنوسة والنقص.
إذاً ملخص ما نعيشه الآن، ألا وهو حياة الإنسان البدائي في عصور تشكل المجتمعات والجماعات، فقط النضال من أجل بيت يقيهم حر الصيف وزمهرير الشتاء، ولقمة عيش تسد مسغبة، ونوع آخر يشبع رغبات التكاثر.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية