عملية أقرب إلى الخيال من الواقع يستعصي قبولها على العقل لكونها مدهشة وغريبة تحمل دلالات محيرة وغامضة، تفتح باب الخيال والاستنتاج الواسع الذي يعكس العديد من الاحتمالات والتوقعات.. الخطوة حدثت بالفعل في الأيام الفائتة، حيث تمثلت في رحيل إدارة مسجل عام الشركات من موقعه القديم في شارع البرلمان إلى حي العمارات شارع (35) جنوب السفارة السعودية.. كثيرون وصفوا الواقعة بأنها عكست إفرازات العذاب والألم وتراجع الحكمة والأناءة، فقد ظلت إدارة مسجل الشركات يتعامل معها المواطنون والمحامون والجهات الاعتبارية في مجالات التسجيل والمتابعة والتوكيلات والتوثيق على أيقونة سلسلة ومريحة، من خلال موقع جغرافي بوسط الخرطوم يساعد على قضاء الحاجات وانسياب الإجراءات دون مشقة وتعقيدات، وقد صارت هذه المكتسبات الواضحة في حكم العدم بعد خطوة ترحيل المسجل إلى حي العمارات البعيد، فقد فرض هذا الواقع الجديد على المحامين الذين يتعاملون مع المسجل الزحف إلى هنالك، حيث يقابلون غلاء الإيجار واستغلال الموقف من الجشعين، وكذلك ترتب على انعدام وسيلة المواصلات في منطقة العمارات بدخول المواطنين الذاهبين إلى هنالك في كماشة الأجرة الخاصة التي لا ترحم، يضاف إلى ذلك بأن مكان العمل الجديد المكون من منزل مبنى على ثلاثة طوابق اتضح أنه يفتقر إلى بيئة العمل التي كانت موجودة في المكان القديم.
بناء على هذه المعطيات تبرز العديد من الأسئلة الهامة على السطح جراء هذه الخطوة المحيرة، حيث يقول البعض إذا كانت مبررات الرحيل قائمة على امتلاك مبنى المسجل القديم لجهة حكومية فرضت عليهم مغادرة المكان، فالسؤال أليس من الحكمة قيام تسوية مع هذه الجهة الحكومية تضمن بقاء المسجل في مكانه القديم بدلاً من دفع قيمة الإيجار العالية في المبنى الجديد، والتي يقال أنها وصلت إلى أرقام دوخت المالية.. فلماذا الإصرار على هذا الحل المكلف الذي خرج من دم المواطن المسكين، ولمصلحة من يحدث هذا؟ ومن هو المستفيد الكبير في هذه العملية الغريبة، ما دام المالك جهة حكومية والراحل جهة حكومية؟ هنالك أيضاً سؤال آخر، فهل درست وزارة العدل التي يتبع لها مسجل الشركات هذه الخطوة المكلفة وأبعادها، وهل تركت لإدارة الشركات الحبل على الغارب للقيام بهذه العملية، وبذات القدر فإن دوران الإيجار سوف يستمر لسنوات قادمات، فهل تتحمل المالية هذا النزيف المالي غير المبرر الذي سوف يتصاعد على شكل متوالية هندسية؟
لقد وضع الفريق أول “بكري حسن صالح” النائب الأول ورئيس الوزراء القومي خلال الفترة الماضية حجر الأساس لمبنى المسجل التجاري الجديد الذي يقع جنوب عفراء.. أليس من الأجدر والأنفع التفكير في توفير المال اللازم لبناء هذا الصرح المقترح من الآن حتى يتسنى القضاء على شهية الإيجار التي انطلقت في ظل الإدارة الحالية للمسجل.. أمام مولانا “محمد أحمد سالم” وزير العدل تحديات كبيرة ومسؤوليات ضخمة لفتح ملف رحيل مسجل الشركات إلى العمارات من الألف إلى الياء بكل مساراته وأبعاده، فالوزير “سالم” مشهود له بالنزاهة والحكمة والانحياز للمصلحة العامة.. فهل يدرك ما يعيشه جميع المتعاملين مع مسجل الشركات الذي ذهب إلى العمارات من ارتال ضخمة مشحونة بالألم والحسرة والشكوى والنكد!!