الخرطوم- فاطمة مبارك
أصدر الرئيس “عمر البشير”، أمس، مراسيم جمهورية قضت بتعديلات واسعة وسط منسوبي المؤتمر الوطني الذين يشغلون مناصب في الوزارات الاتحادية، بجانب الولاة، وشمل هذا التعديل ثمانية وزارات وخمسة وزراء دولة وعشرة ولاة كأكبر تعديل يشهده الحزب على صعيد المشاركين في السلطة التنفيذية، ويجيء بعد عام من تكوين حكومة الوفاق الوطني التي جاءت وفقاً لتوصيات الحوار الوطني.
بعض المتابعين للمشهد السياسي عدّوا ما تم له علاقة مباشرة بأداء الوزراء، فيما فهمه آخرون في سياق الترتيب للمرحلة القادمة التي ستشهد الإعداد للانتخابات وإنجاز الدستور الدائم، وهؤلاء ربطوا بين التغيير الوزاري وما تواجهه الحكومة من تحديات سواءً أكانت خارجية أو داخلية ممثلة في الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد من ارتفاع الأسعار وندرة الوقود وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
ومن جانبه، أكد القيادي بالمؤتمر الوطني عضو المكتب السياسي “ربيع عبد العاطي” أن المكتب القيادي رشح عدداً كبيراً من الأسماء لإجازتها من قبل الرئاسة، وأوضح أن القطاع الاقتصادي هو المعني بذلك، مضيفاً أنه ما زال الغموض يكتنف الأسس التي تم على أساسها اختيار الأشخاص لأن فقدان الأسس القوية قد يجعل المختارين غير موفقين في مهمتهم.
{ النفط والغاز والخارجية.. تغيير متوقع
على ضوء ما رشح حول أن التعديلات الوزارية مقصود بها القطاع الاقتصادي للحكومة كان متوقعاً أن يحدث تغيير في وزراء القطاع الاقتصادي، وفي مقدمتهم وزير وزارة المالية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث عدا اختيار الأستاذ “طارق شبلي” لشغل منصب وزير دولة بالمالية. ويذكر أن “شلبي” سبق أن كان وزيراً للدولة بالمالية، كما تم اختيار “أزهري عبد القادر” وزيراً لوزارة النفط والغاز وكان قبل ذلك مديراً عاماً للاستكشاف والإنتاج النفطي بوزارة النفط والغاز، وعمل مستشاراً لوزير النفط والغاز السابق دكتور “محمد زايد عوض”، ومديراً لشركة (بتروانرجي) للبترول وهو كذلك رئيس جمعية مهندسي البترول.. والتغيير في هذه الوزارة كان من القرارات المتوقعة بعد تصاعد أزمة الوقود والغاز، ورغم أن الوزير قد يكون غير مسؤول عن الأزمة باعتبار أن السياسات العامة يضعها القطاع الاقتصادي للحزب، لكن ربما لأنه فشل في التعامل مع الأزمة إعلامياً أو أن تغييره قد يعطي عامة الناس انطباعاً بأن أوضاع الوقود ستتحسن بمغادرته.. لكن ثمة إشارة مهمة هي أن الوزير قبل مغادرته للوزارة قام بإعفاء بعض مديري الإدارات بجانب إحداث تغيير في المواقع لبعضهم في سابقة عدّها المراقبون الأولى من نوعها ما يشير إلى أن هناك تغييراً كبيراً طال هذه الوزارة مؤخراً.
أما الخارجية التي ظل منصب وزيرها شاغراً لأكثر من شهر بعد إقالة بروفيسور “إبراهيم غندور” بسبب حديثه في البرلمان عن عدم تسلّم بعض أفراد البعثات الدبلوماسية لرواتبهم، فقد كان الإعلام خلال هذه الفترة يتداول عدداً من الأسماء باعتبارها الأوفر حظاً لشغل منصب وزير وزارة الخارجية، كان من بينهم وزير الكهرباء والموارد المائية الحالي “معتز موسى” على أساس خلفيته الدبلوماسية وقربه من الرئيس “البشير”.. ومن ناحيتها توقعت الأوساط المراقبة لمشهد العلاقات الخارجية أن تتم إعادة “مصطفى عثمان إسماعيل” للخارجية مرة أخرى بعد أن غادرها في وقت سابق لاعتبارات تتعلق بالعلاقة التي تربطه بدول الخليج خاصة السعودية، لكن يبدو أن هناك ميزات رجحت كفة أستاذ القانون بجامعة الخرطوم والحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة “ليستر” البريطانية دكتور “الدرديري محمد أحمد” منها أنه سبق أن أسندت له رئاسة قطاع العلاقات الخارجية في حزبه المؤتمر الوطني، وتفرغ بعدها إلى إنجاز الدكتوراه.. وتقول سيرته إنه تم ترشيحه قبل ذلك للعمل بوزارة الخارجية كوزير دولة وهو مؤهل ومجيد للغة الإنجليزية، بجانب تفهمه لطبيعة الملفات الخارجية والمجتمع الخارجي نتيجة لمشاركته في اتفاقية (نيفاشا) كعضو بوفد السودان المفاوض وملف أبيي حيث كان الممثل القانوني للسودان في النزاع الحدودي لمنطقة أبيي في المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي، ومن بعد ذلك هناك موازنات وترتيبات بالنسبة لعلاقات السودان الخارجية على ضوء التأثيرات الدولية والإقليمية التي تلقي بظلالها على المشهد السياسي الداخلي هذه الأيام.. واختيار “الدرديري” يشير إلى أن السودان لا يريد المهادنة في المرحلة القادمة.
ويبدو أن التحديات الخارجية التي تحدثنا عنها أتت بـ”أسامة فيصل” وزيراً للدولة بوزارة الخارجية.. ويعدّ “أسامة” من الكوادر الشبابية الفاعلة في المؤتمر الوطني، وكان عضواً في لجنة التفاوض السابق مع الولايات المتحدة الخاصة برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان.. ومن المواقع التي شغلها، فقد عمل في المكتب الفني بوزارة الصناعة والاستثمار الاتحادية، وكان مدير إدارة العلاقات الخارجية بولاية الخرطوم ومفوض الاستثمار بولاية الخرطوم، وتقلد منصب وزير دولة بوزارة الاستثمار.. و”أسامة فيصل” حاصل على بكالوريوس العلوم والآداب وماجستير إدارة الإعلام، وحاصل على شهادة في الإعلام من جامعة “لندن” للصحافة، بجانب شهادة إعمار ما بعد الحرب من جامعة “يورك” ببريطانيا، فعلاقته بالعمل الخارجي عززت من حظوظه في نيل هذا المنصب.
فيما عاد المهندس “إبراهيم محمود” إلى الأضواء من جديد كوزير للداخلية خلفاً لـ”حامد منان” بعد أن تم إعفاؤه من منصب مساعد الرئيس ونائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية قبل أكثر من شهرين، وسبق أن اختير لذات المنصب في عام 2008، وحسب محللين كثر فإن اختيار “محمود” وإعادته للساحة ربما يأتي في إطار الموازنات والترضيات التي ظل ينتهجها الحزب من جهة في خطوة لإنهاء التكتلات داخل الحزب ومن جهة أخرى قد يكون أداء الوزارة في الفترة السابقة غير مرضي ما دعا أهل الشأن لإجراء هذا التعديل.
وكان مفاجئاً إجراء تعديل في وزارة العدل باختيار مولانا “محمد أحمد سالم” وزيراً للوزارة الذي يعرف بأنه قانوني ضليع، ويعدّ مرجعاً مهماً في القانون الدستوري والممارسة البرلمانية، فهو إبان توليه منصب مسجل الأحزاب السياسية أرسى تجربة رائدة وتحلى بمهنية عالية، و”محمد أحمد سالم” كان مرشحاً بقوة لخلافة الوزير “أبو بكر حامد” الذي عين وزيراً للعدل ولم يؤدِ القسم لملابسات تعلقت بمؤهلاته الأكاديمية.
والعدل من أكثر الوزارات التي شهدت تغييراً في منصب الوزير، حيث تعاقب عليها أربعة وزراء في فترة وجيزة كان آخرهم “جميل إدريس” لكن إعفاءه يدل على عدم تناغمه مع ملفات الوزارة.
على صعيد وزراء الدولة لم يفكر أحد في اختيار سفير السودان بالأردن “الصادق الفقيه” وزير دولة بالإعلام خلفاً للأستاذ “ياسر يوسف”، ورغم علاقته بالإعلام إلا أن دكتور “الصادق” أكبر من هذا المنصب فهو متخصص في الإعلام السياسـي والعلاقات الدولية والدبلوماسية، ويحمل درجة دكتوراه الفلسفة في الإعلام السياسـي والدبلوماسية، والماجستير في فلسفة الإعلام.. تولى عدداً من المناصب القيادية في المجالات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والأكاديمية والبحثية في الخرطوم وواشنطن ولندن وإسطنبول والدوحة وعمّان، وعمل مستشاراً في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وسفارات السودان في واشنطن ولندن، إلى جانب العمل في مركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول بتركيا، ثم خبيراً سياسياً بوزارة الخارجية في دولة قطر. كما حاضـر ودرّس في عدد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العليا في السودان ومصـر وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وأسهم في التدريب في عدد من الدورات التأهيلية للكوادر الإعلامية والمهنية في مجال تنمية وبناء القدرات في السودان واليمن وبريطانيا، وغيرها. وهو كاتب ومعلق ومحلل سياسـي، نشـر عدداً من البحوث والدراسات والمقالات المحكَّمة، وكتب مئات المقالات في الصحف السودانية والعربية والأجنبية، وشارك في اجتماعات ومؤتمرات قمة لمنظمات إقليمية وعالمية، مثل جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وإيقاد، وكوميسا، والساحل والصحراء، وعدم الانحياز، والأمم المتحدة. ويحمل عضوية عدد من الروابط المهنية والأكاديمية والمراكز البحثية، وعضوية عدد من المنظمات المدنية والطوعية المحلية والإقليمية والعالمية.. لكن قطعاً هناك معادلة جعلت المكتب القيادي يدفع باسمه وزير دولة بوزارة الإعلام.