جرس انذار

“إبراهيم غندور”.. كيف تحمل ثقل الجبال؟

بقلم - عادل عبده

البروفيسور “إبراهيم غندور” وزير الخارجية المودع، يطل على منضدة المجلس الوطني شاهراً سلاح الشفافية المطلقة، يشتكي إلى نواب الشعب بعد أن عيل صبره عن إشكالية متأخرات السفارات السودانية بالخارج، وأبعاد تلك القضية على الوطن.. كان “غندور” بذلك الموقف الملحمي يدرك أنه سيغادر وزارته، التي ظلت تمشي على بوصلة متأرجحة بين اليمين واليسار، وهو يكابد ويستميت في سبيل الحصول على صلاحياتها ومهامها الموجودة في مفاهيم الدبلوماسية الاحترافية في القاموس العالمي.
بفعل البعض أو بفعل السياسات.. وجد “غندور” نفسه يسبح في المطبات ويمشي على الأشواك، فقد كان أكثر وزراء الساحة السودانية الذين تكالبت عليهم الضغوطات والتدخل في شؤون ملفات وزارته، فكان البساط الذي يتحرك فيه يجده مطوياً، لا يسمح له بالتمدد الذي يستحقه بحُكم الأصالة والحقوق.
ظلت محاصصة المشاركة تقضم مساحة كبيرة من وزارته في ما ظهرت التوازنات السياسية تتدخل في تحركاته الدبلوماسية في مشهد واضح، وكان “غندور” يبذل مجهودات مضنية للإمساك بخيوط وزارته في براعة متناهية، وهو يتذكر أن سلفه الدكتور “كرتي” كان يقول (بأن البواخر التي دخلت المياه السودانية الإقليمية لا يعلم عنها شيئاً).
صار “غندور” بين متعرجات كثيرة واستطاع أن يستوعب تقلبات وتعقيدات المناخ السياسي وتشابك المصالح في هيكلة الدولة، فكان يعالج التصريحات المتفلتة حتى لا ينجح مخططها، وظل يصبر على الأجندة المعاكسة حتى يتبخر تأثيرها الخطير في الهواء.. وكم تعامل بدهاء في ملف أزمة العلاقة بين دول الخليج العربي، وكيف تفادى بحكمة محاولات إفشال العلاقة السودانية القطرية، وكم صبر على تأرجح العلاقة بين الخرطوم والقاهرة وهي تعلو وتهبط بين العداوة والصفاء، في ظل تحركات الذين يصطادون في الماء العكر بين الدولتين.
من الواضح أن “غندور” تحمل ثقل الجبال وهو يدير وزارة الخارجية، فكان على دائرة الرصد التي تحاول التقاط منهجه بالعين الأحادية، حيث تراه في خضيم القضايا الصغيرة على الحدود الاريترية وأوضاع السودانيين بليبيا وتصرفات الدبلوماسي الشاب في الولايات المتحدة، ثم تراه في دائرة القضايا الكبيرة الملتهبة في الملف الأمريكي والأوروبي، والمعارضة الخارجية المسلحة.
ذهب “غندور” من موقعه بقرار رئاسي بعد أن رسم طريقاً محفوراً في ذاكرة الخارجية، لن تمحوه عاديات الزمن، فهو لم يتعامل بالأيدولوجية التي قدمته إلى سلم الوزارة، بل كان حريصاً على تطبيق الرؤية الوطنية والأناقة الإنسانية.
ها هو زميله في محطات الجامعات والدبلوماسية الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” يقول بالصوت العالي، بأن “غندور” يعتبر من أعظم الوزراء الذين مروا على الخارجية، فهي شهادة تؤطر السمعة الطيبة التي خرج بها الوزير المودع الدكتور “إبراهيم غندور”.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية