لا زلت في دهشة من الثقة المفرطة والتفاؤل اللامحدود والعمق الكبير الذي كان يحدثني به رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل “مليس زيناوي” خلال حواري التلفزيوني مع فخامته بالقصر الرئاسي بأديس أبابا قبل بضعة سنوات من وفاته.. ولا زلت أذكر كيف احتوتنا بساطة الرجل عندما دلفنا للجناح الرئاسي مع السفير السوداني وطاقمه آنذاك بأديس “عثمان السيد” الذي رد على مداعبة “زيناوي” لشخصي الضعيف بأن ملامحي فيها شبه من الأمهرا فقال له: (إنه أن قال لي هذا فردي على فخامته سيكون: وأنت تشبه الرئيس “البشير” فخامتكم)، فانطلقت ضحكة صافية من الرجل حاكت يومها صفاء سماء أديس الواعدة دوماً.. علمني هذا اللقاء شيئاً شديد الأهمية، وهو أن قارة أفريقيا هذه أن وجدت قيادات حقيقية واعية لدورها الوطني مخلصة له ومتفانية فيه لتغير حالها، وأذكر عندما عدت للخرطوم قابلني الأستاذ “محمد حاتم” مدير التلفزيون، وسألني عن انطباعي عن الحوار؟ فقلت له هذا الرجل سينقل إثيوبيا إلى دولة كبرى، وسيكون حكيم أفريقيا إذا ما قدر له الاستمرار في الحُكم.. والآن عندما أتأمل الوضع السياسي والاقتصادي القافزين في إثيوبيا، اعود لأتذكر كم كان الرجل واثقاً من ما يقول وما يطلقه من مشروعات اقتصادية وسياسية وأذكر من ذلك عبارة قال فيها: (إننا واعون تماماً لوضعنا الداخلي وتماسكنا الاجتماعي وسنجعل من تنوعنا الثقافي والإثني أبرز نقاط قوتنا لبناء إثيوبيا الجديدة ..) .. زعيم مثل هذا كان لابد أن يزاح بأي وسيلة كانت.. هكذا قضى الكبار وأعداء أفريقيا وقد فعلوا، إلا أن “زيناوي” الحكيم لا زال باقياً بأفكاره من “ديسالين” إلى “أبي أحمد علي”..