تقارير

اضبط.. شبكات استدراج للدعارة تقتحم بعض الجامعات

أكثر من (1000) بلاغ في العام 2005

حكاية الـ(5) بنات.. وسر الشجرة.. واجتماع (الخميس) في الشقة
أستاذة جامعية: المستقبل خطير.. وعلى أولياء الأمور متابعة أبنائهم وبناتهم
تحقيق- رباب الأمين
تتحفظ الشرطة على تفاصيل بلاغات الدعارة والأفعال الفاضحة وسط طلاب وطالبات الجامعات السودانية، على الأقل خلال الأعوام الأخيرة، غير أن تقريراً نشرته الصحف من السجلات الجنائية للعام 2005 م يكشف عن فتح (484) بلاغاً في مواجهة (141) طالبة جامعية بالخرطوم وحدها، مقابل (1047) بلاغ دعارة في مواجهة (1305) طلاب، الكثير منهم ضبط في شقق مفروشة، ترى كم بلغت أرقام البلاغات المقيدة ضد طلاب وطالبات يدرسن بالجامعات بالعاصمة الخرطوم، وبقية مدن البلاد؟

قصة (س) البريئة!
(س) فتاة في مقتبل العمر تقطن مع أسرتها بإحدى ولايات السودان؛ تميّزت في تعليمها العام بالنبوغ منذ مرحلة الأساس، وكانت مثالاً للأدب وسمو الأخلاق، ظلت تردد بأن أمنيتها في المستقبل أن تصبح مهندسة، وكان لها ما أرادت، حيث تم قبولها في كلية الهندسة بإحدى الجامعات بولاية الخرطوم، فضَّلت السكن مع خالها على الذهاب إلى داخليات الطالبات، وبعد مضي أشهر معدودة من الدراسة تعرفت على زميلتها (ع. م) التي تقربت منها كثيراً حتى وصلت إلى بيت خال (س) ومن ثم طلبت منها رد الزيارة.

الشَرَك قَبَض!!
في إحدى المرات ازداد إصرار (ع.م) وكانت حجتها أن والدتها تريد أن تتعرف على (س)، التي وافقت بعد أن اتصلت على والدتها تستأذنها من أجل الذهاب مع صديقتها، فقالت لها (أمشي لكن ما تتأخري)، بالقُرب من بوَّابة الجامعة انتظرتهم عربة مظللة، قالت (ع.م) وهي تخاطب صديقتها: (دا خالي ممكن نركب معاه عشان المواصلات صعبة)، انقبض قلب (س) وتغيرت ملامحها لكنها أخفت خوفها لثقتها بصديقتها، وما إن اقتربت العربة من مستشفى السلاح الطبي صاحت (س) (أنت قلتي لي بيتكم في أم درمان.. ما السبب الذي يجعلنا نقطع الكُبري)، فردَّت صديقتها: (ماشة اشتري بعض المستلزمات وح نرجع تاني أم درمان)، فازدادت ضربات قلبها، وبعد دقائق معدودة وقفت السيارة أمام عمارة من عدة طوابق فأدركت (س) بأن الموضوع (غير)، وقالت لصديقتها ما هذا المكان وبدلاً من أن تجيبها جرَّتها بشدة إلى الداخل فإذا بها تُفاجأ بفتاة تجلس على كرسي وأمامها تربيزة بها دفتر، صرخت (ع.م) في وجهها وطلبت منها فتح الباب سريعاً، وفي رمشة عين وجدت (س) مدفوعة داخل غرفة شبه مظلمة وسرعان ما خرج من تحت السرير رجل يصارع سعى لإيقاعها فريسة له لهذا اليوم، وعندما رفضت رفضاً باتاً تعجَّب الرجل من تصرُّفها وسألها: (أنت ما جيتي هنا بإرادتك؟) فسردت له قصة صديقتها والدموع تنهمر من عيونها، فخاطبها بقوله: إنَّ (ع.م) تستجلب لنا الفتيات مقابل مليون جنيه وكلهن طالبات.
شجرة الجماعة
كثر الحديث عن شبكات استدراج الطالبات للدعارة، اقتحمت الحرم الجامعي لبعض الجامعات بولاية بالخرطوم، حيث يتم استدراج فتيات صغيرات بالخديعة تارةً – كما حدث لـ (س) – وبإغراءات يسيل لها اللعاب؛ تارةً أخرى.
الإبحارُ في هذا الموضوع الشائك كلَّفني الذهاب أكثر من ثلاث مرات إلى جامعة معروفة بالعاصمة، حيث تنشط تحت ظل شجرة شهيرة بحرم تلكم الجامعة إحدى هذه الشبكات، دليلي إلى الوصول إليها هو (طالب) يدرس بالجامعة ويشرف على مجموعة ثقافية – هو على درجة من الأخلاق – وحذرني من ذكر اسمه لهم، اقتربتُ جداً من المكان المحدد حيث يجلسون؛ مجموعة تتكون من فتاتين وخمسة أولاد يتكلمون بلغة ملؤها الألغاز والضحك، حاولت مراراً وتكراراً التقاط عبارات مفهومة لكن باءت محاولاتي بالفشل، في تلك الأثناء جاء رجل يحمل مفتاح عربة وتبدو عليه مظاهر الثراء، اتجه مباشرة نحو إحدى الفتيات وهمس لها بحديثٍ ضحكت بعده وفتحت (كُراساً) كانت تحمله كأنما أرادت أن تؤكد له أمراً ما؛ غادر الرجل المكان مبتسماً، أحد الجالسين من الشباب سألني: (إنت جاية براك ولا منتظرة زول؟)، أجبته وضربات قلبي كادت أن تصدر صوتاً مسموعاً: (لا.. براي)، فقال لي: (ممكن نتعرف ونظبِّط أمورنا؟!). تحرَّكتُ سريعاً من مكانهم دون أن أرد على سؤاله ثم (تخارجتُ) من الجامعة كلها، مُرشدي ودليلي بهذه الجامعة قال لي من هذا المكان – حيث كانت تجلس المجموعة – تدار أكبر شبكة دعارة بهذه الجامعة.
حكاية الـ(5) بنات!!
نموذج آخر لشبكة تمارس ذات (الفعلة) بجامعة (…)، مجموعة تتكون من خمس بنات يقمن بداخليات الجامعة، لكنهن يمارسن الدعارة عبر شقق مختلفة خصوصاً في نهاية كل أسبوع، للوصول إلى هذه الشبكة كان عليَّ مصادقة إحداهن والتي تدير (العملية) من خلال (قروب) عبر تطبيق ، ومن خلاله يتم إرسال الصور الفاضحة، طلبت منها الانضمام إلى هذا القروب الذي تستقطب له أكبر عدد من الفتيات وتقوم مديرته بتغيير الرابط بين الحين والآخر من أجل حمايته، طلبت منها إضافتي في القروب الجديد واستدرجتها ببعض المعلومات وبادلتها في أسلوبها فأفصحت لي عن أمرهن قائلة: (أنا كنت ساكنة مع بنات في شقة يتاجرن بأجسادهن بمبالغ من ٥٠٠- ١٥٠٠ جنيه، حسب اختيار الزبائن، ولو عايزة ممكن أوصلك ليهم تعالي لينا بكرة (الخميس)، لو فاضية ما تفوتك اللمَّة).. قلتُ لها سأحضر فقط أعطني معلومات عن اللمَّة، فقالت لي: (نحن بنجتمع كل (خميس) في بيت أو شقة نتونَّس ونظبط الأمور والشيشة وكلو حاجة وبُكرة مجتمعين في …). – حي أمدرماني عريق جداً – وأضافت بقولها (نتقابل في صيدلية “…” عشان نتم الاتفاق).

الوقوع في الفخ!!
أما حكاية (ل) الطالبة بإحدى الجامعات فقد بدأت مع انطلاقة العام الدراسي الجديد، حيث كان لها فضول زائد، تريد معرفة كل شيء وقد بدأت إشباع ذلك بالتعرف على معظم زميلاتها، وتعمَّقت معرفتها أكثر بجارتها التي كانت تجلس بالقرب منها في المحاضرة، ومع الأيام أصبحتا صديقتين لا يفرق بينهما شيء، وانضمت إليهما ثالثة هي (هـ) والتي سرعان ما طلبت منهما ذات يومٍ الذهاب معها إلى منزلهم بحجة عيد ميلادها، فذهبت معها (ل) في حين اعتذرت ثالثتهما لظرف أسري حال دون تلبية الدعوة، وعندما دخلت الضيفة المنزل الذي كان عبارة عن شقة تفاجأت برائحة سجائر تملأ المكان بالدخان فخفق قلبها قائلة لصديقتها (أين أُسرتك؟)، فقاطعها صوت (شاب) خرج من الغرفة ومعه اثنان من أصدقائه، فسألوا الفتاتين (أين صديقتكم الثالثة؟).. فأدركت (ل) أنها وقعت في الفخ، وقد ظلت أسرتها تبحث عنها في كل مكان وبعد يومين جاءت سيارة وألقت بها أمام الجامعة والتي أخبرتها (ل) بكل ما حدث لها فسعت إدارة الكلية للبحث عن ملف صديقة (ل) لكنهم للدهشة لم يجدوا شيئاً، وتبيَّن لهم أخيراً أنها ليست طالبة رسمية في الجامعة ولم يعرفوا على وجه الدقة كيف كانت تدخل إلى المحاضرات وتمثل على زميلاتها بأنها طالبة رسمية.
حرس جامعي
ويقول أحد طاقم حراسة بجامعة معروفة – فضّل حجب اسمه – لـ(المجهر)، إن سلوكيات بعض الطلاب تفتقر للأخلاق الحميدة، وهذا ما أدى إلى انتشار المخدرات تعاطي وتجارة، مؤكداً أنهم ضبطوا طلاباً يتعاطون المخدرات وتمت معالجتهم من الإدمان، وقال ربما يكون هنالك من يعملون وينشطون في الدعارة لكن لا اعتقد أن المسألة ترقى لدرجة (شبكات)، لأن إدارات الجامعات لا تسمح ولا تتهاون في ممارسة مثل هذه الأفعال)، واستدرك بقوله: لكن حقيقةً الظروف الاقتصادية الصعبة جداً التي يعاني منها الناس وخصوصاً طالبات الداخليات وغيرهن، ربما تدفعهن لممارسة هذه الأفعال بعيداً عن الجامعة.
تحذير شديد اللهجة
من ناحيتها قالت دكتورة (…) بكلية (…) الخاصة – هكذا فضلت كتابة اسمها – قالت لـ(المجهر) إن المجتمع السوداني حدثت فيه تغيُّرات كبيرة جداً في العشر سنوات الأخيرة، ولذا لا أستبعدُ أن يقتحم ضعاف النفوس حرم الجامعات من أجل المتاجرة بعروض الناس، وبئس هذا الكسب، مشيرةً إلى أن إدارة الجامعة التي تتم فيها هذه الممارسات تتكتم على الأمر، وأن الأعداد الكبيرة التي يتم قبولها بالجامعات الحكومية تجعلها أكثر عُرضةً لمثل هذه الممارسات، وفي خاتمة حديثها قالت: المستقبل خطير جداً ولذلك على الأُسر مراقبة ومتابعة وتوعية أبنائها، فإن ظنوا أن هؤلاء الأبناء قد كبروا ولا يحتاجون لرقابة، يكونون مُخطئين وساعتها ستحل الكارثة.
قراءة تحليلية

يقول البروفيسور “علي بلدو” لـ(المجهر) إن الجامعات السودانية بشكل عام أصبحت تعاني من مشاكل كثيرة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المجتمع ككل، فالجامعة هي انعكاس أو مرآة لما يدور في المجتمع من مشاكل، منها التردي في الحالة النفسية وضعف الوازع الديني والأخلاقي الذي أدى بدوره إلى نمو ظواهر سالبة وكثيرة جداً، منها التجارة بالجسد والدخول في شبكات مخدرات ودعارة، وأشار “بلدو” إلى أن السبب الرئيسي في وجود هذه الشبكات هو الاحتياج المالي والرغبة في إيفاء الرسوم الدراسية أو الظهور بمظهر حسن في ظل التفاوت الطبقي الكبير بين الطالبات داخل الجامعات من حيث (المظهر- المأكل- المشرب)، مؤكداً أن هذا التفاوت يؤدي إلى شعور الفتاة بالدونية والاكتئاب والضجر، وبالتالي تقع فريسة لممارسة الدعارة بكافة أشكالها. وحذَّر “بلدو” من دخول الطالبات في علاقات عاطفية مشوهة أو الحُب من جانب واحد، وهو ما يوقعهن في الاستغلال العاطفي أو الاستغلال باسم الحُب، لكن بعد ذلك تتم التجارة بالجسد، وأضاف بروف “علي” أن الوعيد بنشر الصور والفيديوهات الفاضحة التي شاركت فيها الفتاة تجعلها تتوغل مُكرهة في عالم المخدرات والدعارة.
وفي خاتمة حديثه أشار “بلدو” إلى أن ضعف الإيمان مربوط\ مع الغزو الثقافي الأجنبي كعلاقات الأصدقاء والحياة المتحررة المليئة بالمتعة والإثارة الجنسية تؤدي إلى النتائج الماثلة الآن من بعض طالبات الجامعات، وهذا ما يُحتِّم ضرورة تفعيل مراكز الإرشاد النفسي والاجتماعي، وقبل ذلك لا بد من توفير الحياة الكريمة للطالبات بطريقة بعيداً عن التهديد والملاحقة والتشهير.
الحصة قانون:

الرؤية القانونية لهذه القضية يشرحها “مجاهد عثمان” المحامي – بقوله إن ممارسة الدعارة وإدارة محلاتها وردت في القانون الجنائي السوداني عام (1991)، ونصت الفقرة (1) من المادة (154) على: (يُعد مرتكب جريمة ممارسة الدعارة كل من يوجد في محل للدعارة، بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أفعال جنسية أو يكتسب من ممارستها ويعاقب بالجلد بما لا يتجاوز مائة جلدة أو بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات).
أما المادة (155) نصت على: (من يقوم بإدارة محل للدعارة أو يؤجر محلاً أو يسمح باستخدامه وهو يعلم بأنه يتخذ محلاً للدعارة، يعاقب بالسجن بما لا يتجاوز خمس سنوات، كما يجوز الحكم بإغلاق المحل ومصادرته).. ومن يدان للمرة الثانية بموجب أحكام البند (1) يعاقب بالجلد وبالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات، مع مصادرة المحل)، وأيضاً (في حالة إدانة الجاني للمرة الثالثة، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد مع مصادرة المحل).

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية