تقارير

تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.. عندما يتحدث رئيس الجمهورية

جمع السلاح أكبر المكاسب في التوصيات

“نهار”: عملية جمع السلاح أكثر التوصيات تنفيذاً بشكل ملحوظ ومحسوس
تقرير ـ هبة محمود
عبر نداء الوثبة الذي أطلقه الرئيس “عمر البشير” في يناير 2014 بقاعة الصداقة بدأت أولى خطوات مسيرة الحوار الوطني، الذي كان بمثابة دعوة لجميع الأحزاب والحركات المعارضة في الداخل والخارج للمشاركة في حكم البلاد عبر وثيقة ترسم الخطوط العريضة لنظام الحكم في البلاد وتشكل أساساً لدستور جديد، عبر أكبر عملية سياسية شهدتها البلاد عقب الاستقلال.
ست لجان عكفت على مناقشة جميع أوجه القصور وكل مستلزمات البلاد، لتخرج بجملة من التوصيات، التي تم اعتمادها لاحقاً وأصبحت جزءاً من الدستور. أبرز تلك التوصيات تمثلت في استحداث منصب رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة بمكونات الأحزاب التي شاركت، والسلام في دارفور بجمع السلاح، وقد وجدت الأخيرة حظها من القبول الواسع نسبة لما حققته لإنهاء الحرب تماماً في دارفور، ولو أن الحوار الوطني اكتفى بها لكفته، قبل أن يشير رئيس الجمهورية في خطابه أمام الهيئة التشريعية بالبرلمان (الاثنين) الماضي إلى التجاوب الكبير مع حملة جمع السلاح الذي تم بمعاونة جميع مكونات المجتمع في (17) ولاية عدا الولاية الشمالية، مخلفاً نتائج إيجابية تمثلت في وقف نزيف الدم بين المواطنين، مؤكداً أن هذا الجو من الأمن والاستقرار الذي حققته العملية جعلهم يشرعون في تنفيذ خطتهم لتصفية معسكرات النازحين وتخطيطها وتحويلها إلى مدن كاملة الخدمات عقب إرجاع من يرغبون منهم في العودة إلى قراهم بالتراضي حتى تكون البلاد خالية من المعسكرات.

{ جمع السلاح مطلب متجدد حسمته وثيقة الحوار
تكلفة عالية تلك التي دفعها مواطن ولاية دارفور جراء الحرب التي خلفت وراءها الآلاف من النازحين، الذين ظلوا يحلمون بالعودة إلى قراهم التي دمرتها الحرب المستمرة لسنوات طويلة، عانوا خلالها ويلات العذاب والفقد وهم يشهدون في كل لحظة موت الأبناء والأعزاء، ويفقدون الأمن بعد أن ظل انتشار السلاح في الإقليم رمزاً لانعدام الطمأنينة وانتشار الخوف بين المواطنين، في وقت واجهت فيه الحكومة انتقادات واسعة لغيابها وعدم توفير الأمن والحماية للسكان، وقد كانت ضرورة جمع السلاح وتوفير الأمن بدارفور مطلباً متجدداً تداعى له الكثير إلى أن جاء كأبرز وأهم التوصيات التي تضمنها الحوار الوطني، الذي على الرغم من أن توصياته بلغت في مجملها (994) جميعها على قدر من الأهمية، لكن أهمها جمع السلاح وتلك- أي التوصيات- التي تساهم في تغيير الأوضاع السياسية القائمة من نظام شبه شمولي قابض إلى نظام تعددي ديمقراطي لا مركزي يسمح بتداول سلمي للسلطة، وحسب الكثيرين فإن هذه التوصيات إذا ما وجدت طريقها للتطبيق بجدية وحسن نية فقد يحقق الحوار ما يصبو إليه.
وقد قطع القيادي بالمؤتمر الوطني بروفيسور “إسماعيل الحاج موسى” لـ(المجهر) بأن المطالبة بجمع السلاح مطلب قديم متجدد، لم يتوقع أن ينفذ بالصورة الكبيرة والواسعة، لافتاً إلى أن تحويله إلى واقع هو الأمر المهم، فيما أشار إلى توصيات سابقة صدرت بشأن الأمن في دارفور في منذ وقت طويل لكنها قوبلت بعقبة التنفيذ، مؤكداً استتباب الأمن حالياً بالإقليم، وقال: (عملية جمع السلاح من مخرجات الحوار الوطني التي أكد الرئيس تنفيذها وتنفيذ كل ما يقوله المؤتمرون).
{ توجيهات رئاسية
الاستمرار في جمع السلاح وبسط هيبة الدولة لتحقيق الأمن والاستقرار في أنحاء البلاد كافة من أهم توجيهات رئيس الجمهورية، في وقت وجدت فيه العملية وفقاً للجنة العليا المناطة به التي يترأسها النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” تجاوباً شعبياً كبيراً مع المرحلة الأخيرة من عمليات جمع السلاح في الإقليم. وأقد أكد الفريق أول “أحمد عبد الله النو” مقرر اللجنة العليا لجمع السلاح، في تصريحات سابقة، أن الفعاليات الشعبية كافة وقيادات الإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني بدأت تحركات مكثفة داعمة لجمع السلاح في المنطقة خلال مدة شهرين، فيما أشار إلى أن عملية التجاوب شملت كل المستويات الشعبية خاصة الرُحّل والقبائل المتحركة التي استشعرت أهمية العملية ومدى خطورتها، سيما أنها تسببت في إزهاق أرواح أعداد كبيرة من المواطنين خلال الفترة الماضية، موضحاً تجاوب أهل دارفور الكبير مع العملية، وتمسكهم بإرادة السلام الجامعة الرافضة للعنف والاحتراب.
القيادي بحزب التحرير والعدالة “نهار عثمان نهار” قطع في حديثه لـ(المجهر) بأنه وفقاً للقرائن والشهود فإن عملية جمع السلاح ساهمت في شعور المواطن بحالة من الاستقرار والأمن، ولابد من استمرارها وإكمالها، مؤكداً على أنها من مخرجات الحوار الأساسية التي تحسب له، وقال: (تعد عملية جمع السلاح أكثر توصيات الحوار الوطني التي تم تنفيذها بشكل ملحوظ ومحسوس، وقد نجحت العملية بشكل لمسه المواطن خاصة عندما يتجول داخل الإقليم وهو يشعر بالأمن الذي افتقده منذ سنوات).
من جانبه، قطع المحلل السياسي د. “حسن الساعوري” لـ(المجهر) بأن نجاح عملية جمع السلاح يكمن في جمعه دون مواجهات دموية، لافتاً إلى أنها- العملية- ظلت مطلباً قديماً رسّخت فكرته الحوار الوطني وأصبح من قراراته، وقال: (معيار نجاح العملية كما ذكرت هو جمعه وتسليمه من قبل المواطنين دون نزيف الدم)، وزاد: (يبقى السؤال المهم هو هل سيتوقف النهب المسلح في دارفور، وهل ظل بعض السلاح بيد المواطنين؟).
{ متاريس أمام عملية جمع السلاح
في الوقت الذي واجهت فيه عملية جمع السلاح نقداً من بعض الرافضين لها، ووصفها بالخطة المغلفة من قبل الدولة لإثارة فتنة جديدة في الإقليم، وصف رئيس لجنة الأمن والدفاع “أحمد التهامي” في تصريح سابق لـ(المجهر) عملية جمع السلاح بالإستراتيجية والمهمة جداً في الوقت الحاضر، مؤكداً أنه وفي أعقاب انتهاء التمرد واستقرار الموسم الزراعي في دارفور وانسياب حركة التجارة كان لازماً أن يشعر المواطنون بالأمن، وقال: (أعتقد والحمد لله أن الناس وصلت إلى قناعة بضرورة وجود الأمن والاستقرار والتنمية، لذلك كان مهماً على الدولة أن تفكر في جمع السلاح، وجمعه كان يتطلب تجارب دول كانت تعاني من الصراعات)، وزاد: (العملية بدأت بالجمع الطوعي ثم القسري، وقد استفدنا من كل التجارب وقمنا بوضع خطة لجمع السلاح، وكانت خطة محكمة، وبدأت عملية الجمع في كل أنحاء السودان والخطة تذهب إلى كيفية جمع السلاح، وقد وقفت جميع جهات الاختصاص والجهات العدلية على العملية، والمواطنون كما ذكرت وصلوا إلى قناعة أن الأمن هو أهم شيء)، وأضاف: (لا بد من أن تعود دارفور سيرتها الأولى وهناك تعاون غير مسبوق حتى من قبل المواطنين ومنظمات المجتمع المدني).
{ نجاح حملة جمع السلاح
هذا ما أكده نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن”، المسؤول عن الملف، بإشارته إلى أن ذلك انعكس إيجاباً في الاستقرار وعودة اللاجئين والنازحين في إقليم دارفور إلى قراهم، وذلك ساهم في وقف الصراعات القبلية.
{ وبعد
استطاع الحوار الوطني أن يلعب دوراً مهماً وكبيراً في استقرار البلاد وتهيئتها لمرحلة جديدة خالية من الصراعات، ووقف نزف الدم في دارفور، كما استطاع العمل على ربط أواصر العلاقات بين الأحزاب المشاركة، وصهرها في بوتقة واحدة تعمل من أجل الوطن، في وقت تمكن فيه رئيس الجمهورية من النجاح عبر نداء الوثبة في جمع كل الأحزاب المعارضة والزعامات التاريخية، وكان الحضور اللافت للإمام “الصادق المهدي”، فيما خطف الأضواء بالحضور ومباركة الحوار الراحل د. “حسن الترابي” الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الذي واصل مشاركاً بحزبه في الحوار، بينما خرج “المهدي” في أعقاب خلافه مع حزب المؤتمر الوطني على خلفية سجنه، ليجب بذلك نداء الوثبة الخلافات العميقة بين الحزبين (الوطني والشعبي) بعدما قاربت الخمسة عشر عاماً من القطيعة والابتعاد.
وقد شكل خروج الزعيم “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي من منظومة الحوار الوطني نقطة في صالح تحالف قوى الإجماع الوطني التي ذهب الكثيرون إلى نعيه عقب تحالف الحزبين الكبيرين المؤسسين له (الأمة والشعبي) مع النظام بصورة مباشرة، ليصبح المشاركون في الحوار على النحو التالي: (الحزب الحاكم، الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي)، بجانب بعض الأحزاب المنشقة وهي (الاتحادي الديمقراطي، منبر السلام العادل، حزب الحقيقة الفيدرالي، حزب البعث العربي والحزب الاشتراكي الناصري)، بالإضافة إلى حركات دارفور الموقعة على وثيقة الدوحة لسلام دارفور التي تحولت إلى أحزاب مثل: (حزب التحرير والعدالة القومي برئاسة التجاني سيسي، حزب التحرير والعدالة برئاسة بحر إدريس أبو قردة، الاتحاد الاشتراكي السوداني الديمقراطي والحركة الشعبية جناح السلام) وغيرها من الأحزاب الصغيرة التي يصل مجملها إلى (78) حزباً حسب أوراق الحوار الذي ارتكز على ستة محاور أساسية تتمثل في: (محور السلام والوحدة، الحريات الأساسية والتنظيم السياسي، الاقتصاد والخروج بالمجتمع السوداني من الفقر إلى الرفاه، قضية الهوية السودانية، العلاقات الخارجية، قضايا الحكم وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية