بقلم الصحفي المهاجر بكندا- محمد عثمان يوسف (حبة)
انتقل إلى جوار ربه أول أمس العم “طاهر رمزي” صاحب مقهى (جي جي) الشهير بالقاهرة عن عمر تجاوز التسعين عاماً، بمنزله بحي الزاوية الحمراء بمدينة القاهرة، بعد أن داهمه المرض قبيل شهر..
ويعدّ مقهى (جي جي) الشهير بشارع 26 يوليو عند نهاية مدخل بنك مصر، خلف فندق (اسكرابيه) الشهير، ملاذاً وحضناً آمناً لجميع السودانيين في مصر زائريها أو المقيمين فيها.
وكشفت متابعات دقيقة تحصلت عليها (المجهر) أن العم “طاهر رمزي” قد بدأ حياته العملية سائقاً مع القطب الاتحادي الديمقراطي ورجل الأعمال السوداني العم “عثمان صالح” الذي يملك عدداً كبيراً من الأصول والعقارات في مصر والسودان، من بينها فندق (صحارى) الشهير بشارع الجمهورية، وعدد كبير من العمارات في وسط القاهرة، حيث كان يعمل معه المصري “طاهر رمزي” وهو من المسيحيين (الأقباط) الذين عُرفت عنهم الأمانة والصدق والإخلاص والتفاني في العمل، لذلك قربه العم “عثمان صالح”، وجعله السائق الشخصي له. وعندما وصل إلى سن المعاش كافأه العم “عثمان صالح” بمبلغ مالي كبير نظير فترة عمله معه لقرابة الثلاثين عاماً، فقام العم “طاهر رمزي” بشراء هذا المكان (قهوة جي جي) في قلب شارع 26 يوليو جوار محلات (شملا) و(جاد) الشهيرة، وأصبح رواده وزبائنه من السودانيين برغم وجود عدد كبير من المقاهي في نفس المنطقة.
وحكى لي العم “طاهر” في حوارات صحفية سابقة أن هنالك عدداً كبيراً من مشاهير السياسة والثقافة والفنون ورجال الاقتصاد والمال في السودان كانوا وما زالوا يرتادون هذا المكان، أشهرهم الرئيس الأسبق الراحل “جعفر محمد نميري” والشريف “زين العابدين الهندي”.. كما أن المقهى قصده عدد كبير من رموز المعارضة السودانية في جميع الحقب والعهود وكان متنفساً لهم.. حتى ذكره الرئيس “البشير” في أحد خطاباته الشهيرة قبل سنوات قليلة.
وبدأ هذا المقهى عمله في منتصف السبعينيات بعد أن ترك العم “طاهر رمزي” وهو مصري الجنسية العمل مع رجل الأعمال السوداني والقطب الاتحادي الديمقراطي العم “عثمان صالح”.. ورويداً رويداً صار المقهى يشتهر بالنسبة للسودانيين.. وكانت فيه لقاءات الفنانين والشعراء أمثال الأستاذ “السر أحمد قدور” و”محمد علي أبو قطاطي” على سبيل المثال لا الحصر.. ومن العلامات البارزة في هذا المكان (قهوة جي جي) كما يحلو لرواده من السودانيين وجود الفتى الأبنوسي السوداني الأسمر “دينق” وهو من جنوب السودان أتى إلى القاهرة مطلع التسعينيات بحلم الهجرة برفقة عدد من أبناء أهله من جنوب السودان ولكنه وقع في فخ عملية نصب واحتيال وخسر كل أمواله التي جاء بها من السودان بغرض الهجرة.. وكان أن عمل مع العم “طاهر” في هذا المقهى ولم يخرج منه لعمل آخر في مصر حتى الآن بعد أن تبخر حلم الهجرة.. وارتبط الفتى “دينق” بـ(قهوة جي جي) مثلما ارتبطت القهوة به.
ومر على إدارة المقهى إلى جانب العم “طاهر رمزي” صهره الراحل العم “نبيل أبو سامح” وزوج ابنته “جي جي” التي سمى عليها المقهى. كما عمل لفترة ثلاث سنوات العم الراحل “أبو ماريو” واسمه “محروس فرج”.
اشتهر العم “طاهر” بالهدوء والأدب والاحترام والصدق والأمانة في تعامله مع زبائنه، خاصة السودانيين.. وكانوا يتركون معه أماناتهم المالية بآلاف الدولارات وأغراضهم التي تأتي من السودان أو قد تكون في طريقها إليه.. مر على مقهي (جي جي) شخصيات ورموز وشخصيات سودانية نادرة من بينها أشهر مدرس رياضيات في السودان دكتور “عمر ماس” الذي قام بتدريس الرئيس “جعفر نميري” و”الترابي” في “حنتوب” الثانوية وغيرهما من مشاهير السودان.. (قهوة جي جي) حكاية وقصة شعبية بين بلدين (مصر والسودان)، كتب فصولها مواطنو البلدين وما زالت حكاياتها ورواياتها تترى.. رحل مالكها وصاحبها العم “طاهر”.
العزاء للوريث الابن “سامح” والفتى السوداني الجنوبي “دينق” الذي يدلعه المصريون بلقب (زين).. العزاء لأسرة العم “طاهر” في مصر ولكل أصدقائه من السودانيين على رأسهم الأخ العزيز “محمد عثمان حضرة” رجل الأعمال والاقتصاد السوداني ابن بحري وشمبات والصبابي، عاشق مصر.. والعزاء لجميع السودانيين عشاق (قهوة جي جي) التي أصبحت مثل نهر النيل كأيقونة ورمز محبة بين شعبي وادي النيل.