ترقية السلوك الحضاري.. متى نتعلم (الظرافة)؟!
{ يحتاج الكثيرون منا في المجتمع السوداني إلى جهد جبار وتدريب دائم ومستمر، لترقية سلوكنا الحضاري، فمشهد الشارع العام في كل تفاصيله ينبئ عن (ثقافة رعوية) ما زالت متأصلة فينا، تماماً كما وصفها عدد من الباحثين والمفكرين من بينهم الدكتور “النور حمد”.
{ فمئات الآلاف من البشر الذين يقودون يومياً المركبات العامة أو سياراتهم الخاصة أو يستقلون ركاباً تلك المركبات صباحاً ومساءً، فضلاً عن المشاة العابرين للطرقات دون وعي ومعرفة بقواعد المرور، أكثرهم يشكل مظهراً سالباً لمجتمعنا الذي ما يزال متأخراً في التعاطي مع التطور الحضري الهائل في العالم.
{ لو أن كاميرا تلفزيونية عرضت بضعة مشاهد ترصد حركة الناس والسيارات بأحد شوارع الخرطوم، وعرضتها على مواطن العالم الأول في أوروبا، لكان الأمر مثيراً للعجب والغضب في آن واحد!
{ انظر حولك، سترى لا محالة أحدهم يقذف بقارورة مياه صحية أو غازية من نافذة سيارة خاصة أو حافلة عامة تسير أمامك!
{ تابع الرصد، سيفاجئك مواطن يعبر الشارع دون مبالاة، يمنحك ظهره ووجهه إلى الأمام في كبرياء غريب، ولسان حاله يقول: (ياخ ما يقيف هو.. مستعجل ليه؟!)، وقد تبلغ به الجرأة إذا استخدم السائق (البوري)، أن يعود ويقف أمام العربة متحدياً: (أضربني بالله)!! شاهدت مثل هذا التصرف الانتحاري أكثر من مرة في الخرطوم، وطبعاً هذا لا يحدث إلا في السودان، حيث لا يعبر المشاة الشوارع في العالم المتحضر إلا من مكان محدد وبعد إذن الإشارات الضوئية.
{ وتتقافز على ملامح وطريقة قيادة البعض في طرقاتنا ملامح (ثقالة) استثنائية لا تعرف الظرافة واللطافة والأدب الذي ينعكس في تصرفات تتسق والفعل الحضاري، مثل الوقوف المناسب بالسيارة في مكان مناسب لا يعرقل خروج مواطن آخر، أو يسد الشارع، أو يضايق ثالثاً من خلفك أو أمامك!!
{ لدينا أزمة سلوك حضاري، جميعنا- بمن في ذلك كاتب هذه السطور- ولا شك أننا في حاجة ملحة لمعالجة هذه الأزمة، لتقليل مساحات (الثقالة) و(الرخامة) و(اللا مبالاة بالآخر) في الشارع.. أو موقع السكن.. أو مكان العمل.
{ بالله عليكم.. حاولوا قدر ما استطعتم أن تكونوا ظرفاء.. لطفاء مع الآخر، حافظوا على نظافة مدينتكم.. على انسياب المرور فيها.. على الإفساح للآخرين في الطرقات (افسحوا يفسح الله لكم).. استخدموا كلاماً طيباً ومهذباً كما تسمعونه عندما تهبطون بلداً آخر.
{ تلاشت عبارات وسلوك التحدي والمكابرة واستباحة الشارع العام في غالب بقاع الدنيا من حولنا، تحرك العالم نحو ثقافة مختلفة بينما نحن ما زلنا في محطة (أضربني بالله)!!
{ أرجو صادقاً أن تتصدى رياض الأطفال والمدارس العالمية والإنجليزية والخاصة، وكذا ما تبقى من حكومية، لدورها المهم والأساسي في ترقية سلوك أطفالنا وأجيالنا القادمة كما ينبغي، فلا تكون العملية التربوية تجارة.. وحصص إنجليزي.. وخلاص!
{ جمعة مباركة.