تحرير السوق.. التجار يشهرون الغلاء بوجه المواطن والحكومة تترك الحبل على الغارب
من يضبط الأسواق؟؟
حماية المستهلك: سياسة التحرير فشلت وما يحدث فوضى
يعزو العديد من الخبراء الصعوبات الاقتصادية الحالية وانفلات الأسعار إلى السياسات التي تبنتها الحكومة في اتجاه تحرير الأسواق وترك الأسعار لقوى السوق، واعتمادها على الوصفات الاقتصادية التي ينصح بها صندوق النقد الدولي.
ويبدو أنه وبمفهوم سياسة التحرير قد نفضت الحكومة يدها عن السوق واتخذت موقف المتفرج وتركت الحبل على الغارب للتجار ليشهروا سيف الغلاء، ويخرج السوق عن السيطرة ليكتوي المواطن بنيران السوق، ويفتح هذا الانفلات التساؤل في شأن سياسة التحرير الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة تجاه تعاملها مع السوق والاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق الحر هو نظام اقتصادي (ليبرالي أقرب إلى الرأسمالي)، يقوم على فكرة رفع الدولة يدها عن السوق في عمليات البيع والشراء، إلا للضرورة القصوى، اقتصاد السوق يعتمد على العرض والطلب بشكل أساسي والمنافسة الحرة وتحرير الأسعار من أي قيود أو تدخلات غير التي تفرضها المنافسة الحرة من غير احتكار يعتمد بشكل أساسي على الملكية الخاصة للناس والمؤسسات.
إن الأسواق الحرة غير المنظمة تتسبب في تدهور أوضاع عامة الناس عبر توفير الفرص لبعض التجار من عديمي الضمير للاستفادة من غفلة الجمهور.
}عيوب السوق الحر
وحسب خبراء فإنه ولتطبيق هذه السياسة يتطلب شروطاً إذا لم تتوفر لا تكون سياسة تحرير، منها وجود مؤسسات عديدة للإنتاج.. وكذلك وجود وحدات شرائية متعددة، ويرون أن الدول النامية لا تتوفر فيها هذه الشروط لأسباب سياسية واجتماعية، وبالتالي ينتج من التحرير غير المدروس تصاعد في الأسعار وخلق آثار سلبية على المواطن خاصة من ذوي الدخل المحدود، في ظل تحجيم الأجور، وبالتأكيد ستنخفض القوة الشرائية وينعكس على مستوى المعيشة
ويرون أن من عيوبه نمو ظاهرة الاحتكار، سوء توزيع الدخل والثروة، وتزايد البطالة والتقلبات الاقتصادية.
}سياسة التحرير فشلت
واعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية بحماية المستهلك دكتور “حسين جبريل القوني” في حديثه لـ(المجهر) أن سياسة التحرير قد فشلت بالسودان، وقال إن حرية التجارة لا تعني الفوضى، وإن الحكومة وضعت السياسة التحريرية ومن ثم تركت الحبل على الغارب للتجار، وإنها وضعت دون إجراء دراسات وافية للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، ويرى أن تحرير السوق يحتاج إلى ترتيبات استباقية من حيث الطلب والعرض، مما فتح الباب واسعاً أمام جشع وطمع بعض التجار من ضعاف النفوس لاستغلال المستهلك وأشعل نيران الأسواق.
}ارتفاع جنوني
لقد دافع المفكر الاقتصادي “آدم سميث” عن تحرير الأسواق تحت الشعار الشهير الذائع الصيت “دعه يعمل، دعه يمر” والذي يدعو إلى تقليص تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلى أضيق الحدود، ولكن المتابع لسياسة التحرير يجد أنها ساهمت في خلق حالة من الفوضى وارتفعت الأسعار بصورة جنونية حتى خرجت عن سيطرة المواطن والدولة معاً، وتضرر التجار منها مثلما لحق الضرر بالمواطن جراء الكساد الذي ضرب الأسواق، ويرى التجار أن الأسعار أصبحت تتغير على مدار الساعة في اليوم، إذ لا يوجد ضابط أو معايير محددة للسوق.
ويطبق السودان سياسة التحرير الاقتصادي منذ العام 1992 وفق برنامج أطلقت عليه الحكومة البرنامج الثلاثي،
وقد أنشأت الحكومة أسواقاً ومنافذ للبيع المخفض والتي تعمل على بيع السلع بسعر التكلفة، ولكن خبراء يرون أن هذه المنافذ محدودة ولا تفي بالغرض.
}هبوط الدولار وارتفاع السلع
وحسب جولة لـ(المجهر) بالأسواق، فإنه ورغم هبوط الدولار خلال اليومين الماضيين، فإن السوق ما زال يواصل جنونه في الارتفاع، ويتعلل العاملون به بأن الانخفاض ربما يكون مسألة وقت ويعود للارتفاع مجدداً، وأن زيادة الدولار الجمركي من الأسباب الرئيسية للارتفاع، ويرون أن الأزمة بدأت تأخذ أبعاداً أخرى، إذ لم تتوقف على زيادة أسعار الخبز والزيت والسكر وكل السلع الاستهلاكية الأساسية، بل امتدت لتؤثر مباشرة على قطاع السوق، حيث ضرب السوق ركود حاد مع ضعف في القوة الشرائية، وعبر العاملون بالسوق عن قلقهم من استمرار الزيادات وأكدوا أنه قد تحدث ندرة لبعض السلع المستوردة وقد تمتد الأزمة لإغلاق التجار لمحلاتهم نهائياً وخروجهم من السوق، وعبّر بعضهم عن توقعات بتآكل رؤوس أموالهم ومن ثم الإفلاس، ويرى دكتور “القوني” أن غياب الرقابة والقوانين الرادعة من قبل الدولة، بالإضافة لضعف الإنتاج، ساهمت في تمادي التجار في الغلاء، وانفلات السوق.
}توصية صندوق النقد
وكان صندوق النقد الدولي قد أوصى بـإنهاء أو تقليل الدعم، ولكن الحكومة السودانية سحبت الدعم، ليس بسبب تطبيقها لرؤية صندوق النقد الدولي، ولكن لأنها تسعى لتحويل الأموال من دعم السلع الاستهلاكية إلى مزيد من الإنفاق. من ناحية أخرى صندوق النقد الدولي يوصي بتعويم الجنيه السوداني، أي اعتماد سعر صرف موحد لكل المعاملات، ليتم تحديد هذا السعر على أساس يومي في السوق الحر حسب قوى العرض والطلب دون تدخل حكومي مباشر للتأثير على هذا السعر، ويرى خبراء أن الحكومة قد لا تلجأ لتعويم الجنيه، لأنه إذا حدث ذلك، فسوف يكون على الحكومة التوقف فوراً عن طباعة النقود لتمويل نفسها وإلا فإن قيمة الجنيه السوداني سوف تتدهور كل يوم بمستويات أعلى مما هي عليه الآن، وهذا ستكون له عواقب سياسية خطيرة، ولكن بما أن الحكومة لا تستطيع وقف طباعة النقود، فإنها لن تعوم سعر صرف الجنيه بغض النظر عن ما يوصي به صندوق النقد الدولي.
}البدائل
يرى خبير فضّل حجب اسمه، أن سياسة التحرير للسوق ستقود إلى انهيار اقتصادي عاجل ما لم تتدخل الدولة وتفرض رقابة وقوانين صارمة للتجار، وقال إن نقاط البيع المخفض أيضاً ظهرت بها تجاوزات من قبل السماسرة ببيع السلع بالسوق العام وترك السلع الهامشية بالخيام ليتفاجأ المواطن بسلع غير ذات أهمية كالاستهلاكية المهمة في حياة المواطن.
وقال دكتور “القوني” لا بد من وضع بدائل عاجلة لمنع استغلال المواطن وإجازة قانون حماية المستهلك القومي، بحيث تشجع حماية المستهلك وتخول لها سلطة التقاضي إنابة عن المستهلك.