تقارير

هل تعصف مفاجأة الساعات الأخيرة بلقاء (البشير – سلفاكير)

ربما عصفت رياح التغيرات المتسارعة بلقاء الرئيسين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” في اللحظات الأخيرة، وربما انعقد اللقاء في موعده غداً بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وقد ينتهي اللقاء بتوافق واتفاق ينقذ السودانيين في البلدين من سوء منقلب الحزب وتبادل الأذى.. وقد يفتح لقاء الرئيسين باب الحرب إذا انهار دون اتفاق أو التوقيع حتى على ما تم الاتفاق عليه بين (الفريقين) المتفاوضين رغم ضآلة الاتفاق حتى الآن بالنظر لتعدد أوجه الخلاف، وتمدده من حقول النفط إلى الأرض اليابسة في أبيي والميل (14) عطفاً على قضية منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق اللتين يتخذهما الجنوب منطقة ضغط منخفض لخنق الشمال وإصابته بالأذى في مؤخرة البعير الرخوة!
تنتظر أثيوبيا غداً رئيسي السودان “البشير” و”سلفاكير”، لطي صفحات عديدة من الخلافات والقضايا الشائكة بعد انقضاء الفترة الزمنية التي حددها مجلس الأمن للدولتين للتوافق وحل القضايا الخلافية، وتحت سيف عقوبات مجلس الأمن وعصاه الغليظة وذراعه الأفريقية، انعقدت جولات التفاوض الحالية دون بلوغ مبتغاها لتنقل (الملفات الخلافية) إلى الرئيسين في خطوة محفوفة بالمخاطر، بيد أن الخرطوم وجوبا ظلتا تسيران على حافة الهاوية دون انزلاق أقدامها في (جبها)! وأثيوبيا التي تنتظر لقاء الرئيسين ودعت “زناوي” واستقبلت “هيلامريام” الذي قد يحصد زرعاً زرعه “زناوي”، ويبدأ أول مشاوير الرئاسة بنجاح دولته في إطفاء الحريق السوداني الذي كاد يعاود الاشتعال، ويملك الرئيس الأثيوبي الجديد رغبة عارمة في حل الأزمة السودانية ليقدم نفسه لأفريقيا والعالم كقيادة جديدة تستلهم من روح “زناوي” المبادرة والمبادأة في حل مشكلات الإقليم.
وسعى “أمبيكي” منذ انقسام الجنوب لإنقاذ المنطقة من شبح الحرب وأهلته القضية السودانية لولوج الساحة الدولية كلاعب لا غنى عنه في القارة، رغم وجود محاولات من هنا وهناك لإقصاء “أمبيكي” من الملف، ونقله لرئيس رواندا السابق، بعد أن انتقلت مفوضية الأمن بالاتحاد الأفريقي لوزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابقة “زوما”، لكن “أمبيكي” الذي يحظى بثقة السودانيين في الجنوب والشمال بينما تحظى “زوما” بصداقات في جوبا لا يعرف عنها في الشمال إلا التحيُّز ضده حينما كانت في منصب الوزير ببلادها! وقد آثر لعب دور التهدئة بين مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، الذي أضحى في القضية السودانية (كوكيل) لمجلس الأمن.. وجرت خلال يومي الأربعاء والخميس مياه تحت الجسور السودانية، وبدأت نبرة التفاؤل تسيطر على أجواء المفاوضات.. إلا أن المتربصين بأي تقارب بين الخرطوم وجوبا ربما تكون لهم كلمة في الساعات القادمة لإجهاض لقاء (البشير – سلفاكير) على غرار الهجوم على هجليج في أبريل الماضي، وعرقلة توقيع (الرئيسين) على اتفاق الحريات الأربع وداخل الجنوب أصبحت ورقة العلاقة مع الشمال يتم استخدامها لصالح أوفد التيارات المتصارعة في الجنوب، وبمثلما أجهض “سلفاكير” بنفسه وبالاتفاق مع نائبه د. “رياك مشار” اتفاق الحريات الأربع، حينما دفعوا بقوات الجيش الشعبي لاحتلال هجليج لتحقيق هدفين بضربة واحدة أولاً أعادت مناخ الحرب والتوتر مع الشمال وتصفية حسابات خاصة مع “بقان أموم” وبقية أولاد “قرنق”، من غير المستبعد مهاجمة قوات جنوبية لمنطقة بشمال السودان ومرشحة لهذه الهجمة الآن “أبيي” أو تعزيز وجود الجنوب بالميل (14)، رغم أن الجنوب في حال إقدامه على خطوة كهذه قد يتعرض لعقوبات من مجلس الأمن.. والجنوب ضعيف جداً في مواجهة أي ضغوط خارجية، وقد (يكفيه) ما تعرض له بعد الهجوم على هجليج، إذ كانت الخرطوم قد استثمرت ذلك الاعتداء بحسابات الدبلوماسية لا بلغة السياسة، وفي جنوب السودان مجموعات شمالية مسلحة مصالحها في علاقات (متوترة)، وحدود ملتهبة، وجوار سيئ، وهؤلاء قدرتهم على الفعل ضعيفة بمعزل عن مشجعين داخل السلطة في جوبا.
(3) قضايا معلقة:
استعصى على لجان التفاوض ولمدى ثلاثة أسابيع تحقيق أي تقدم في ثلاث نقاط جوهرية.. تشكيل (عقدة) المفاوضات القضية الأولى أبيي، والتي يعتبرها الجنوب المعضلة الحقيقية، و(يشتجر) الخلاف في أبيي حول من يحق لهم الاستفتاء، الجنوب يرفض الاعتراف بالمسيرية، والمسيرية يتمسكون بنصوص برتوكول حل النزاع الذي يمنحهم حق التصويت، ولم تتقدم أطروحة تقسيم المنطقة التي حددت من قبل محكمة التحكيم الدائم في لاهاي، ولم يجد مقترح دفع به البروفيسور “فرانسيس دينق مجوك” باعتبار المنطقة (تكاملية) بين الدولتين يتم إدارتها بإدارة مشتركة.. وأمام الرئيسين غداً التقرير بشأن وضعية المنطقة.
القضية الثانية: هي المناطق الحدودية المتنازع عليها، وهناك ثلاثة مقترحات بشأن المناطق الحدودية المختلف حولها، وأولاً اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لترسيم المناطق المتنازع عليها.. ثانياً تنازل الجنوب عن منطقة مقابل تنازل الشمال عن أخرى ولا تشمل المناطق المتنازع عليها هجليج والميل (14).
ثالثاً: قبول خارطة الاتحاد الأفريقي، ولكن قضية الحدود تبدو (متداخلة) مع القضية الثالثة، وهي المنطقة (العازلة) منزوعة السلاح، التي سيتم نشر قوات دولية فيها لمراقبة الحدود، وقد وقع من قبل اتفاق بين الجيش السوداني والجيش الشعبي قبل انفصال الجنوب بشأن المنطقة العازلة، ولكن التطورات المتسارعة نحو الحرب بين الدولتين أجهض الاتفاق! ومع القضايا الأمنية ثمة قضية (رابعة) إذا لم يتم تسويتها، فإن أي اتفاق بين الشمال والجنوب قابل للانهيار، ولن يصمد ساعات فقط، وهي قضية منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، ونظرياً بطبيعة الحال يرفض الشمال أي دور لدولة الجنوب في المنطقتين، ولكن وجود الفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي في المنطقتين يجعل دولة الجنوب لها يد وذراع طويلة، وهي حليفة لـ”عقار” و”الحلو” و”عرمان”، وبحسابات السياسة لن تتخلى دولة الجنوب عن هؤلاء ولن يتم (بيعهم) في سوق العلاقات المشتركة، كما يعتقد البعض، وإذا كان الشمال قد تخلى بسذاجة وطيبة قلب وحسابات خاطئة عن حلفائه من الجنوبيين سياسيين ومليشيات، و(باع) هؤلاء بلا ثمن، فإن الجنوب يعتبر جبال النوبة والنيل الأزرق مناطق دفاع متقدم عن أرضه، والارتباط بين “الحلو” و”عقار” والجيش الشعبي يصعب تفكيكه إلا في ظروف تسوية جديدة، حينما يقول الواقع كلمته.. ويملك “سلفاكير” كروت ضغط على المتمردين في المنطقتين إن تمت تسوية القضايا الخلافية، ومضت سفينة تطبيع العلاقات في وضعها المثالي!! والمفاوضات المتعثرة حول المنطقتين تنتظر لقاء (الرئيسين) في حال اتفاقهما على القضايا الخلافية والتوقيع النهائي على حصيلة المفاوضات، فإن ذلك يعزز من موقف الوفد الحكومي، ويجعل وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال في موقف لا يحسد عليه.. وقطاع الشمال (يعيش) على تناقضات العلاقة بين جوبا والخرطوم، ويستثمر في مناخ الخلاف، ويحارب في بعض الأحيان نيابة عن جوبا، ومرات نيابة عن ما وراء جوبا، وقليلاً ما يحارب قطاع الشمال بالأصالة عن نفسه! وفي حال فشل لقاء القمة، فإن المفاوضات مع قطاع الشمال لن تصمد ليوم واحد وستبلغ مرحلة الانيهار في غضون ساعات.
د. “منصور”.. العودة للوساطة!!
حينما ذهب الجنوب لسبيله كدولة مستقلة، اختار د. “منصور خالد” المفكر والسياسي ومستشار “جون قرنق” السابق، وأول شمالي (يخترق) صفوف الحركة المسلحة ويتوغل في مناطقها الدافئة، اختار د. “منصور خالد” أن يبقى قريباً من الفعل السياسي، وبعيداً عن الوظيفية العامة.
تنقل د. “منصور خالد” بين الخرطوم وجوبا في رحلات صامتة لوضع العلاقة بعد الانقسام في قضيب المصالح والتعايش والجوار الآمن! وفي سعيه الدءوب تعرض د. “منصور” لمتاعب ورهق في جسده المعتل، فذهب لبريطانيا (مستشفياً)، وبعد أن اقترب شفاء الدولتين من أمراض ما بعد الانقسام عاد د. “منصور خالد” للخرطوم مثل عودة “مصطفى سعيد” في موسم الهجرة للشمال وبلسان شايقي بليغ (ليس مهماً كيف عدت ولماذا عدت، ولكن المهم إنني عدت)، أخذ د. “منصور خالد” على عاتقه لعب دور آخر يرطب المسافة بين “البشير” و”سلفاكير”، ولـ”منصور خالد” عند الرجلين موقع و(مكانة)، ولا تناقض في الظاهر بين ما يقوم به الوسيط الأفريقي بعباءة أممية “أمبيكي” وجهود “منصور خالد” التي بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد استغل د. “منصور” طائرة ركاب عامة في تنقلاته سابقاً، والآن مع استئناف الرحلات الجوية عاد د. “منصور” ليغدو ويروح بين الخرطوم وجوبا ويمهد ليوم غدٍ الأحد حيث لقاء “البشير” و”سلفاكير”!!
وقد بدا “منصور” قلقاً من الآثار التي تحصدها الدولتان بسبب النزاع، وتبدي قلقه في كتابه (صغير الحجم) كبير المحتوى انفصال جنوب السودان زلزال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولم يقل كل أفريقيا، وقد رفض “منصور” مواقع يسيل لها لعاب البعض في جنوب السودان، وهي الشمال الوحيد الذي عرض عليه “سلفاكير” منصباً حكومياً، بينما قدمت جوبا خدماتها لآخرين بطرق أخرى. وأسدى د. “منصور” النصح لقطاع الشمال قبل اندلاع الحرب بالحيلولة دون وقوعها، ولكن من يسمع الصم..؟!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية