(أصحاب الخيال الواسع) ليسوا (مساطيل) .. والمخدرات تشل العقل ولا تحفِّزه..!
{ ضرر اقتصادي
وللإحاطة بتحدي المخدرات ومكافحتها ننحو في بداية هذه الحلقة من التحقيق إلى أبرز تأثيرات المخدرات الاقتصادية.. وفي هذا الأمر قالت الناشطة “هبة جعفر” لـ (المجهر): يؤثر تعاطي المخدرات على الاقتصاد بدرجة كبيرة، إذ إن المتعاطى يصرف ما يحصل عليه من دخلٍ من أجل شراء المخدرات، وهذه الأموال تهرّب إلى الخارج، وبالتالي يضعف الاقتصاد، كما أن المتعاطي يفقد كثيراً من قوته الجسدية والعقلية جراء تعاطي المخدرات، فيؤدي ذلك إلى ضعف إنتاجة، فيؤثر على الاقتصاد الوطني، كما أن الدولة تصرف الكثير من الأموال من أجل مكافحة المخدرات عن طريق بناء المصحات لعلاج المتعاطين، والكثير أيضاً في السجون والمحاكم، وهي أموال كان الأجدر صرفها في تطوير البلاد، ويمكن تلخيص الآثار على النحو الآتي: تدني إنتاجية الفرد وبالتالي تدني إنتاجية المجتمع، والتخلف عن ركب الحضارة، وإهدار موارد الدولة، وعلى مستوى الأسرة نجدها السبب الرئيسي للفقر و(خراب البيوت).
{ آثار أخرى
من جانبهم، ذكر عدد من الخبراء لـ (المجهر) أن متعاطي المخدرات لا يتأثر وحده بانخفاض إنتاجه في العمل، لكن إنتاج المجتمع نفسه يتأثر في حالة تفشي المخدرات وتعاطيها، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات تؤدي إلى انخفاض إنتاجية قطاع من الشعب العام، وتقود أيضاً إلى ضروب أخرى من السلوك تؤثر على إنتاجية المجتمع. ومن الأمثلة على السوك: تشرد الأحداث وإجرامهم، والدعارة، والرشوة، والسرقة، والفساد، والمرض العقلي والنفسي، والإهمال، واللا مبالاة.. وأنواع السلوك هذه تأتي بها مجموعة من الأشخاص في المجتمع لكن أضرارها لا تقتصر عليهم، بل تتعداهم وتمتد فتصيب المجتمع بأسره وجميع أنشطته، وهذا يعني أن متعاطي المخدرات لا يتأثر وحده، أما إذا كانت المخدرات تهرّب إلى المجتمع المستهلك للمواد المخدرة، فإن هذا يعني إضاعة أموال كبيرة ينفقها المجتمع المستهلك عن طريق دفع تكاليف السلع المهربة إليه بدلاً عن استخدام هذه الأموال في ما يفيد، مثل استيراد مواد وآليات تعود بالفائدة على المجتمع – والحديث للخبراء – كما أن تعاطي المخدرات يساعد على إيجاد نوع من البطالة، وذلك لأن المال إذا استُغِل في المشاريع العامة يتطلب توفر أيدٍ عاملة، ويقود هذا إلى إحراز المجتمع تقدماً ملحوظاً في مختلف المجالات ويرفع معدل الإنتاج، والاستسلام للمخدرات والانغماس فيها يجعل متعاطيها يركن إليها، وبالتالي فهو يضعف أمام مواجهة واقع الحياة، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص كفاءته الإنتاجية، مما يعوقه عن تنمية مهاراته العقلية، والنتيجة هي انحدار إنتاج ذاك الشخص وبالتالي المجتمع الذي يعيش فيه كماً وكيفاً.
{ يوم المكافحة العالمي
وحول ماهية الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على المخدرات تحدث لـ (المجهر) الفريق شرطة “كمال عمر بابكر” قائلاً: تكونت لجنة عليا للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات، الذي وافق 26 يونيو الماضي، ونعمل على أن تكون التوعية والإرشاد مستمرة طوال العام، وبدأ الاحتفال قبل عشرة أيام من اليوم الرسمي المحدد بالتعاون مع بعض المنظمات الطوعية التي تعمل في هذا المجال، وكان الاحتفال بحضور شخصية اعتبارية كبيرة. وأضاف: هذا اليوم تم الاتفاق عليه من قبل اللجنة الدولية لمكافحة المخدرات بعد اجتماع عدد من الدول الموقعه على اتفاقية 1988م وهي اتفاقية (المخدرات والمؤثرات العقلية)، حيث اجتمعت الدول في ڤيينا عاصمة النمسا، وفي أثناء الاجتماع تظاهر عدد من متعاطي المخدرات والساقطين أخلاقياً أمام القاعة التي يجتمع فيها ممثلو الدول، مطالبين بمنع التوقيع على الاتفاقية، وكانت ردة الفعل من الدول أن اعتبرت هذا اليوم يوماً عالمياً للاحتفال بمكافحة المخدرات في كل أنحاء العالم.
وقال الفريق “كمال عمر”: لا نستطيع القول إن المخدرات في السودان تحولت إلى ظاهرة، بل شأننا شأن غالبية الدول، ولا نقول أيضاً إنها غير موجودة، لذا نحاول انتشال من وقعوا في فخ المخدرات وتناولوا هذا الداء بكل أنواعه، للعلاج منه، ولدينا مراكز متخصصة في هذا المجال، إلا أنها شحيحة وقليلة، وأيضاً ينصب الجهد في التوعية بالمخاطر عبر عقد الندوات سواء بالجامعات والمعاهد العليا أو الأحياء وحتى الولايات المختلفة. والمعروف في العالم أنه ليس إدارة مكافحة المخدرات وحدها ولا اللجان القومية وحدها من تحذّر من المخدرات، بل هناك دور مهم تقوم به الأسرة الصغيرة، ونسعد بوجود منظمات طوعية عاملة بهذا المجال، كما أن المحاذير في هذا الأمر كبيرة، إذ إن التوعية من قبل غير المتخصصين يمكن أن تكون سالبة وتجعل كثيراً من الشباب يتعاطون وتحفزهم عليه، وهذا الخطر الجديد الذي نواجهه اليوم.. أما في ما يتعلق بإعادة التأهيل والعمل على إيقاف المدمن من الدخول في دائرة (التعود)، فنطلب من الأسر السودانية والأساتذة وغيرهم أن يراعوا مراقبة أبنائهم والطلاب، خاصة إن كانوا في المرحلة الأولى، حيث يسهل اكتشافهم وإعادة تأهيلهم قبل الانغماس فيصعب عندها العلاج.
{ اللجنة القومية للمكافحة
وقال خبراء ومختصون لـ (المجهر) إنه بناءً على موجهات الخطة العامة المجازة من مجلس الوزراء، أصدرت وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة الخطة الخمسية الأولى لمكافحة المخدرات (2007م – 2011م) ضمن الإستراتيجية ربع القرنية الخاصة بوزارة الداخلية، وقد اشتملت على: استمرار الحملات القومية على مناطق زراعة القنب، السعي لتشجيع الزراعة البلدية، تطوير آليات مكافحة المخدرات ونشرها بكل الولايات، تعزيز القدرات البشرية والمادية وإنشاء غرفة للعمليات والمعلومات وحوسبة العمل الجنائي، إلى جانب إطلاق مشروعات علمية أخرى، وتكثيف العلاقات الدولية وتفعيلها بما يكفي لمواجهة جرائم المخدرات والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وقال الخبراء في إفادة لـ (المجهر): حتى تتصل الجهود وتتكامل في إطار أجهزة الدولة، نقترح أن يدرج المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي قضية مكافحة المخدرات في قائمة اللجان المختصة التي تعكف الآن على وضع الخطة الخمسية (2012م – 2016م) للإستراتيجية القومية الشاملة، وهي الإستراتيجية ربع القرنية (2007م -2030م) مع ضرورة التركيز على التداخل بالسياسات وإدراج القضية على مستوى خطط الوزارات المعنية.
ومن خلال تجربة اللجنة القومية لمكافحة المخدرات، اقترح الخبراء عبر (المجهر) ما يلي: توفير العناية الاجتماعية وخدمات الأرشاد الديني ورفع الحس الوطني لكل الفئات، تعزيز الشراكة بين الحكومة والمجتمع في إطار مكافحة المخدرات، تبني سياسة إلزامية الرياضة في المؤسسات التعليمية، تشجيع المنظمات والقطاع الأهلي للعمل في مجال مكافحة المخدرات والوقاية منها، توجيه البحث العلمي نحو قضايا المكافحة، تمويل إعداد إحصائية وتأسيس قاعدة بيانات، استخدام وسائل التقنية الحديثة مثل الأقمار الاصطناعية ووسائل الاستشعار عن بُعد لرصد أماكن الزراعات غير المشروعة وإبادتها.. ولا بد من دعم المبادرات الذاتية التي تبتدرها بعض الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وتعزيزها بما يتاح من إمكانيات، مثل الجهود التي تقوم بها وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، التي أدرجت برامج المكافحة ضمن برامج التوعية الخاصة بها من خلال إدارة متخصصة، هي إدراة الدفاع عن المجتمع.
{ أصحاب الخيال الواسع..!
ارتبطت المخدرات بأذهان الكثيرين بالخيال الواسع والإبداعي ونكات المساطيل، وفي هذا يحدثنا الفريق شرطة “كمال عمر بابكر” قائلاً: ظللنا لثلاثة أعوام ماضية نطوف الولايات مستصحبين معنا فنانين وشعراء وأدباء حتى نذكر بأن الإبداع والفن ليس بتناول المخدرات، وتسمية متعاطي الحشيش بأصحاب الخيال الواسع غير صحيحة، فالحشيش يدمر خيالهم فتتعطل بناء عليه أحاسيسهم، ويصبح تفكيرهم غير سوي، والنكات التي تساق في المساطيل هي في الغالب أفعال يمكن أن تصدر عن أشخاص أسوياء، لكن يتم إلصاقها بالمساطيل بغية لفت الانتباه.. لأننا في العادة إذا قلنا إن (فلاناً) قد قال لا يهتم أحد، إما إذا قلنا (مسطول قال..) فسيلفت الاهتمام.. ومن التجارب تأكد لنا أن الإنسان غير السوي أبعد ما يكون عن الخيال.