رأي

مسامرات

ليل المترفين

محمد إبراهيم

{ والأسافير.. والملصقات التي تمتلئ بها شوارع العاصمة الخرطوم- المثخنة بحكايات الفقر والجوع- تنبئ عن استعداد مطربين، من أبناء هذا الشعب، يذكرون فيها معجبيهم بحفلاتهم التي ينوون إحياءها في الرابع عشر من هذا الشهر احتفاءً بعيد الحب.
{ والخرطوم التي ينام أغلب سكانها وهم (بايتين القوى)، (يتهيأ) بعض شبابها وشاباتها إلى الاحتفاء بعيد العشاق، الذي هو في الأصل عيد لرومانسية (حالمة) لا مكان لها في أرض الواقع ترتدي بزة مخملية في عاصمة تئن من صرخات البطون الفارغة.
{ ولسنا في مقام مصادرة حق البعض في الاحتفال بمن يحبون، ولكن منطق الأولويات يمد لسانه هازئاً بتلك الدعاوى الرومانسية في زمن (القحط والجوع الكافر).
{ ولا يحفل بعض الفنانين لدينا بما يؤرق بال الناس الآن.. فما يمهم- فقط- هو امتلاء المسارح بالشباب والشابات، ومن ثم امتلاء جيوبهم برزم البنكنوت التي يدفعها أولئك الشباب صاغرين من أجل عيون (عيد الحب).
{ وتعود الخرطوم إلى سكونها ويأسها في أطرافها وأغلب سكانها تتقطع (ملابسهم الرثة) وهم يبحثون عن (رغيفة خبز) في زمن هبطت فيه عملتها الرسمية إلى أدنى مستوياتها.. وهبطت معها رغبة الناس في نيل حقوقهم الأساسية مثل (الطعام والشرب والتعليم والصحة) و(تتلوى أبدانهم) جوعاً ومسغبة.. ولكن ذات الخرطوم تهب البعض ليالي مخملية مترعة بنفائس الأنس وبدائع الليالي المخملية والموسيقى والرقص الصاخب.. وتتلوى أبدان أخرى جزلة بصخب الموسيقى وتخمة الأكل الفاخر.
{ ولا يشعر من اختارتهم أن يكونوا أصواتها للتعبير عن آلامهم وأحلامهم إلا بخطوات المترفين المنعمين وهي تحث الخطى في يوم (عيد الحب) إلى تلك الأماكن ليحتفلوا معهم في هذا اليوم.
{ “حسين الصادق” و”أحمد فتح الله” أكثر المطربين صعوداً ونجومية خلال الموسم السابق والأكثر جماهيرية ربما في المشهد الغنائي الشبابي اليوم، يمثلان بنجوميتهما الطاغية مصدر إلهام وقدوة لكثير من الشباب الآن.. ولكن ذات هذين المطربين (يستفزون) مشاعر الغلابة والمساكين في زمن (القحط) و(الجدب) و(العيشة) التي ناطحت العملة الرسمية وتجاوزتها بإعلانهم عن حفلات في يوم (عيد الحب).
{ والشعب يعاني.. وبعضهم يهيم على وجهه في الشوارع يتلمس طعاماً لأبنائه.. أو علاجاً- عز طلبه في الصيدليات- لوالدته أو ابنته المريضة، ولن نجد من الفنانين من يعلن انحيازه للناس ولو من باب (أنا معاكم في الحلوة والمرة) لأنهم مشغولون برغباتهم النزقة في عدم تفويت (موسم الحب) في حصد المال وصيحات الإعجاب.
{ هذا الشعب الذي يعاني الآن هو من صيّر أولئك المطربين نجوماً.. وهو من ملأ خزائنهم بالمال.. وهو الذي يأتي بهم في حفلاته ومناسباته السعيدة مغدقاً عليهم عشرات الآلاف من الجنيهات.. ولكنهم لا يبادلونه حباً بحب.. ولا يشعرون بصيحات عذاباته في البحث عن أساسيات الحياة.. ولا يحفلون أبداً بما يحيق به من نصب عيش.. فهم في أماكنهم يعيشون كما يشتهون ولا يهمهم إن وصل سعر (العيشة) الواحدة إلى عشرة جنيهات كاملة.. فهم لا يحسون ولا يعرفون طعماً للمعاناة.
{ لا نود تأليب الناس على هؤلاء المطربين.. ولا أن نحسدهم فيما ساقه لهم الله من رزق.. ولا نريد أيضاً أن ننازعهم شيئاً من إعجاب الناس بهم.. كما أننا لا نريد أن نجرم احتفاء بعض الشباب بالمناسبة، ولكننا نريد أن نبلغهم أنه إذا كان غالبية الناس الآن يعيشون أزمة حقيقية في توفير حاجاتهم الأساسية وفي الحصول على ما يقيم أودهم وأنتم تدعونهم إلى الاحتفال بـ(عيد الحب)، فهذا ما لا يمكن فهمه إلا في سياق أن هؤلاء (مغيبون) وغائبون تماماً عن وطنهم ومشاكله وقضاياه الملحة.
} مسامرة أخيرة
نحن الطيابة الصح كتار
إحنا الغلابة أكبر حزب
لا بننغلب ولا بننقلب
والتابع الصاح ما ضهب
“حميد”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية