سيدي الرئيس.. لا تتأخر عنهم
و حدث ما يحدث في بلادنا هذه الأيام من إجراءات اقتصادية بالغة السوء والقسوة، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في جميع السلع الاستهلاكية، لو حدث ذلك في أي دولة متحضرة، لكان لزاماً على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة إلى رئيس الجمهورية أو ملك المملكة أو أمير البلاد المفدى كما يحدث كثيراً في دولة الكويت لأسباب لا ترقى لمجرد التفكير في الاستقالة وفق منظور الساسة والتنفيذيين في السودان!!
قررت وزارة المالية رفع الدولار الرسمي وتبعاً له ارتفع الدولار الجمركي من (6.6) إلى (18) جنيهاً دفعة واحدة، وحاولوا تخفيض نسبة الجمارك لبعض السلع، ورغم ذلك زادت تكلفتها من (100%) إلى (300%)!!
تحول السوق إلى موقد نار.. بلغت الأسعار درجة الغليان القصوى.. وخرج الأمر عن نطاق السيطرة تماماً.
ولأنهم وضعوا سياسات لم يحسنوا دراستها، فإنهم رفعوا سعر الدولار الرسمي لكي يقترب من سعر السوق الموازي، دون أن يكون لديهم احتياطي كافٍ من النقد الأجنبي، ودون أن يسمحوا بالاستيراد من دون قيمة (Nil value)وبمعاملات آجلة، بل أجبروا المصدرين على استقطاع نسبة (25%) من عائدات الصادر بسعر (18) جنيهاً بينما السعر قد تجاوز الـ(30) جنيهاً في السوق الموازي!!
كلها سياسات ارتجالية خاطئة أدخلت الدولة في (جحر ضب)، وأربكت كل الحسابات السياسية، وشغلت الناس وأفقدتهم عقولهم فدخل الجميع في مرحلة (الهضربة) وفقدان الوعي.
يجب أن تستقيل هذه الحكومة عاجلاً غير آجلٍ.. قدموا استقالاتكم جميعاً لدى مكتب السيد الرئيس، فما ذنب الرئيس “البشير” وما ذنب هذا الشعب المسكين ليصبر حد الموت على أخطائكم، وينتظر نتائج تجاربكم الفاشلة؟!
لماذا يتحمل الرئيس هذه التكلفة السياسية الباهظة، لتخصم من رصيده الجماهيري الكبير الذي ما بلغه رئيس خلال الأربعين عاماً الماضية؟
اجتمعت معظم القوى السياسية السودانية الفاعلة والحية في قاعة الصداقة قبل ثلاث سنوات واختلفت على كل شيء من العلاقة مع إسرائيل إلى تعيين الوالي أم انتخابه، لكنها لم تختلف على الرئيس “البشير”، وما يزال السيد “مبارك المهدي” يطالب باستمرار عمل حكومة الحوار الوطني تحت قيادة الرئيس لعشر سنوات!
ولكن استمرار حكومة الحوار الوطني الحالية مشروط بتقديم ما يشفع لها من إنجازات اقتصادية وسياسية محسوسة عند الشعب، لا يمكنها أن تستمر هكذا بهذا الوضع المائل، فقط لأنها حكومة الحوار الوطني.
فإذا لم يذهب المقصرون من تلقاء أنفسهم، فعلى السيد رئيس الجمهورية أن يتصدى للمسؤولية الوطنية العظيمة، ويعفي عدداً من وزراء القطاع الاقتصادي وعلى رأسهم وزيرا المالية والنفط..
لا طريق غير هذا الطريق.. فقد عادت صفوف الجازولين أمام محطات الوقود التي ما رأينا مثلها إلا في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم .
ما المشكلة في أن يعود مسؤولاً عن قطاع النفط الدكتور “عوض الجاز” وهو أوفر صحة وقدرة على الحركة والعطاء أكثر من كثير من الوزراء الحاليين؟! الثورات تراجع ولا تتراجع.. ما المشكلة لو عاد “الزبير أحمد الحسن” وزيراً للمالية مع احتفاظه بموقعه (الحركي)، وقد شهد عهده في المالية استقراراً يقارب عهد الراحل “عبد الوهاب عثمان”؟!
في رأيي أن تكليف الدكتور “عوض الجاز” بملفات خارجية تحت مُسمَّى (نائب رئيس لجنة عليا) مع وجود (رئيس وزراء)، إرهاق للرجل دون منحه سُلطات وصلاحيات تنفيذية حقيقية.
يجب أن يعترف كل مكابر أن عطاء ووجود وزير النفط الحالي في مواقع البترول ضعيف مقارنة بالوزير الأسبق، فهل يحتمل اقتصادنا انخفاض الإنتاج ولو مائة برميل يومياً؟!
يجب أن يعترف الجميع بأن التخبط الذي ضرب وزارة المالية وبنك السودان خلال الأشهر الستة الماضية ما شهدته الدولة طيلة الـ(28) عاماً الماضية.
سيدي الرئيس.. لابد من تغيير كبير.. لا تتأخر.. فهم لا يخسرون.. يخسر الشعب.. وتخسر الدولة.