حوارات

رئيس الدائرة الاقتصادية بحزب الأمة القومي "صديق الصادق المهدي" في حوار مع (المجهر) (2-2)

لماذا فشلت سياسات بنك السودان تجاه استقطاب تحويلات المغتربين؟
زيادة أسعار الكهرباء مُعطِّلة للإنتاج ومضرة بالاقتصاد
قول الوزير إن العجز (28) مليار جنيه هو محاولة لتحسين موقف الميزانية..!
لا يمكن الاستفادة من عائدات الذهب ما لم تحل مشكلة الحراسة وتحديد سعر الصرف!
عجز الميزان التجاري يتراوح  بين (5-4) مليارات دولار
{ ما هو الجديد في موازنة العام 2018م؟
_ الجديد الذي حدث في موازنة هذا العام، طبعاً تأخر إعلانها لتغيير الطاقم الاقتصادي، وهي سارت في خط محاولة القرب من واقع الصرف والإيراد، لذلك الزيادات جاءت فلكية بالمقارنة مع ما قبلها من ميزانيات، مثلاً الإنفاق ارتفع إلى (173) مليار، وهذا فيه زيادة عن العام السابق بنسبة (88%)، المتوسط كان في الأعوام السابقة (11%)، يعني تضاعف (8) مرات والإيرادات تقديرها (118) مليار جنيه، الزيادة (51%)، المتوسط للسنوات الماضية (6%) العجز (55) مليار جنيه. أما كلام الوزير أن العجز (28) مليار جنيه فهو محاولة لتحسين موقف الموازنة لكن العجز الحقيقي بين الإنفاق والإيرادات هو (55) مليار جنيه، والزيادة في العجز (197%) ومتوسط الأعوام الماضية كان (60%).
{هل ستواجه مشاكل عند تنفيذها؟
_ المشاكل التي جاءت في الموازنة كثيرة، سأركز على بعض منها، أولاً: تعكس عدم المؤسسية في الدولة.. يعني مثلاً الصرف على الدفاع في بندين “صرف”، يعني الميزانية معجزة. ولدينا مشاكل وفقر شديد جداً في الإيرادات لماذا  نصرف على الدفاع ببندين بمبالغ بهذه الضخامة؟ يعني (11) مليار جنيه لوزارة الدفاع و(4.1) مليار للدعم السريع، الصرف على الصحة والتعليم، الاثنين، نسبتهما من الإنفاق العام (5.6%). إذا قارنا أنفسنا بالدول الأفريقية جنوب الصحراء نجدها تصرف على بندي الصحة والتعليم أكثر من (20%) من الإنفاق العام، الموازنة استهدفت تضخم (19.5%)، وهذا في ظل العجز الكبير الموجود في الدخل والإيراد، والعجز في عائد الصادر صعب جداً، أن ينحصر التضخم في (19.5%) نسبة التضخم الفعلية لن تكون بأي حال من الأحوال أقل من ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
{ لكن الموازنة استهدفت نسبة نمو (4%)؟
_ الموازنة استهدفت نسبة نمو (4%) وهذه إذا قارنتها بالتضخم المستهدف، إذا افترضنا تحقيقه (19,5%)، فهي خُمسه (4%)، لديك عجز الميزان التجاري (2.5) مليار دولار. وهذا كلام للتحسين مثل موضوع العجز، لأنو نحن استيرادنا لا يقل عن (8-9) مليارات دولار في السنة، الغذاء وحده يكلف (2.5) مليار، وعائد الصادر في حدود (3) مليارات دولار، زيادته صعبة.. لماذا؟ نحن لدينا ذهب كثير ينتج، لكن علة الذهب التهريب، وهنالك أسباب تجعل مكافحته صعبة مهما قيل من كلام، أولاً الذين يحرسونه، ليس  ثمة مواطن عادي يمكنه أن يهرب الذهب، هنالك أشخاص لديهم صلاحيات هم الداخلون في مسألة تهريب الذهب.
{ هل تذبذب سعر الدولار له علاقة بتهريب الذهب؟ 
_ الحركة مستمرة لسعر الدولار، لأن الحكومة عندما تحدد مبلغاً لشراء الذهب بعد ثلاثة أيام يتغير سعر الدولار، يصبح التهريب مغرياً أكثر، وهذا يشجع الناس على التهريب. لذلك سيستمر تهريبه. وكمية الذهب الذي يهرب وصلت إلى ثلثين والثلث تشتريه الدولة.
{ الإنتاج يمكن أن يحل مشكلة العجز في الموازنة؟
_ الإنتاج به مشاكل، لدينا موارد كبيرة وهناك إمكانية إنتاج ضخمة لكن متعطلة بسبب الحرب المستمرة، وانعدام التمويل يجعل الموارد المتاحة تأخذها الحكومة لتغطية مصروفاتها عبر الاقتراض من النظام المصرفي، وشهادات شهامة. وهذا يجعل التمويل المتاح للإنتاج محدوداً.. السياسات الخاطئة التي تكبل الإنتاج كثيرة.. مثلاً، الآن لدينا الزيادات في الكهرباء، هذه ضد الإنتاج.
{ البعض يشكو من قرارات بنك السودان بوضع نسبة من عائدات الصادر؟
_ قرار بنك السودان أن المصدر يدفع (25%) من عائد الصادر لبنك السودان، هذا جعل الكثير ممن يعملون في الصادر، وهم الداعم الأساسي للاقتصاد، يخسرون بسبب تلك  السياسات الخاطئة التي تكبل وتضعف الإنتاج والصادر، وعجز الميزان التجاري سيتسمر كبيراً. وهم يتحدثون عن أنه (2.2) مليار دولار. لكن هو لن يقل عن (4-5) مليارات دولار، وهذا سيجعل سعر الدولار في حالة ارتفاع مستمر، والتضخم في ارتفاع مستمر، وهذا يلقي أعباء كبيرة على المعيشة والمواطن.
{ ماذا عن الزيادات التي حدثت في الدولار الجمركي؟
_ الدولار الجمركي ارتفع (300%)، والمسألة تحتاج لدراسة وحساب، والدولة لديها أجهزة مسؤولة يفترض تدرس كل شيء ونتائجه وتوقعات المواطنين. لذلك الآن نجدهم عزفوا عن تخليص بضائعهم.. وهذا طبيعي عندما ترفع بنسبة (300%) زيادة الدولار الجمركي، إذا أمكن أن تتحرك وتدخل سلعاً وأمكن للناس تسديدها سترفع الأسعار كلها ارتفاعاً جنونياً، والإشكالية الثانية تمثلت في الزيادات التي حصلت في الدقيق والقمح.
{ ما انعكاس هذا الارتفاع على شريحة الفقراء؟
_ سعر (العيشة) أصبح جنيهاً، و(العيش) هو طعام الفقراء ومحدودي الدخل (الفتة والبوش والرشوشة) كلها قائمة على (العيش) وهو عنصر أساسي فيها لذلك عندما تضاعفها معناها ضاعفت التكلفة بالنسبة لهم، وهم الموارد ليست محدودة بالنسبة لهم، بل غير متوفرة. وكثير من الأسر تأكل وجبة واحدة، الناس الذين يأكلون الذرة الآن سعر أردب العيش أكثر من ألف جنيه، وهذه كلها أسعار عالية بعيدة عن متناول المواطن المسكين، لذلك هذه مشكلة كبيرة. هذه الزيادات ستجعل حياة المواطن في ظرف شديد البؤس. وتزيد المعاناة والفقر وسوء التغذية وتزيد الأمراض، وهنالك تدنٍ في الصرف على الصحة، وهذه ميزانية ضد المواطن (100%) استهدفت المواطن في قوته وصحته وعلاجه وتعليم أبنائه، وتستنزفه وتجعل كل قدراته أن يتمكن من الحصول على أبسط متطلبات الحياة الأساسية.
{ لكن الموازنة خصصت مبالغ لدعم الأسر الفقيرة؟
_ من ما يرد في خطاب المراجع العام خلال السنوات الماضية إنما تستهدفه الحكومة في موازنتها من دعم الأسر الفقيرة، وهذا كلام محدود جداً، وأصلاً الأسر التي يتحدثون عنها ضئيلة جداً وعددها أقل بكثير من الفئات التي تستحق الدعم. ومع هذا هو وجد أن (50%) من ما يخصص لهذا البند لا يذهب للأسر الفقيرة المستحقة، (يعني ناس التمكين داخلين ماكلين حق الأسر الفقيرة)، لذلك هذه المسألة هي كلام يقال كمسعى لمحاولة حل مشاكل الأسر الفقيرة، والمبلغ المحدود الضئيل للعدد المحدود من الأسر يقول المراجع العام نصفه يؤكل للأسف. لذلك هذا وضع صعب على المواطن وصعب على القطاع الاقتصادي. وفي التنفيذ ستظهر أوجه خلل كبيرة، وهذا يعني تدهوراً كبيراً في الإيرادات والإنتاج وفي كل المناحي. وهذا وضع صعب استمراره بهذا الشكل.
{ بالنسبة لرفع الحظر الاقتصادي الأمريكي ألا يساهم في حل مشكلة التحويلات الدولية؟
_ في موضوع الحظر، نحن طبعاً ما زلنا نعاني.. رفعت عنا عقوبات الأمر التنفيذي، لكننا لازلنا مواجهين بثلاث حلقات من العقوبات، عقوبات بأوامر تنفيذية وعقوبات بقانون الكونغرس، وعقوبات أممية من مجلس الأمن الدولي، زالت الحلقة الأولى وهي الأوامر التنفيذية. هذه لديها أثر في التحويلات المصرفية ولكنه أثر محدود جداً مع الحلقتين الثانيتين من العقوبات، لأننا ما زلنا في قائمة الإرهاب، وهنالك جهات كثيرة ستعزف عن الدخول في تحويلات مصرفية مع دولة في قائمة الإرهاب.
{ إذن ما الحل؟
_ أن تُرفع كل العقوبات، وهذا لازم أن يحدث اتفاق مع المجتمع الدولي كله أمريكا وأوروبا والدول الآسيوية والأمم المتحدة. نريد اتفاقاً شاملاً، ليس اتفاقاً ثنائياً وفيه كلام تحت التربيزة وتفاهمات سرية مع الأمريكان.. هذا ليس الحل، وهذا يجعل المسألة عرضة للتقلبات.. ومثلما رأينا تقلبات في المحاور وذهاب إلى روسيا، لأن الاتفاق نفسه (ما نضج) وليس بطريقة مؤسسية يراعي مصلحة السودان والسودانيين، العقوبات الباقية بالذات، قائمة الإرهاب هي التي حرمتنا  الاستفادة من مبادرة إعفاء الديون، ونحن دولة مستحقة المبادرة فيها (38)، رفع الديون (36) دولة استفادت منها، هذا يجعلنا نحصل على قروض تمويلية ميسرة وهذا متوقف الآن، لأن بقية العقوبات قائمة، لذلك تبدد الأثر الذي حدث من رفع العقوبات التنفيذية.
{ هل تسبب رفع العقوبات الاقتصادية في رفع سعر الدولار؟
_ رفع العقوبات الأمريكية لم يستفد منه الاقتصاد كثيراً بل العكس، لأنه فتح باب التحويلات وارتفع الطلب على الدولار، والآن الدولار تجاوز حاجز الـ(30) جنيهاً. هذا وضع هزم كل السياسات والتدابير لكبح جماح الدولار، فشلت فشلاً كبيراً جداً والدولار لا يمكن أن يكبح بالقرارات الإدارية.. والدولة تتعامل مع السوق الأسود لتغطية العجز.. فكيف تقول (أنا بعدم من يتعامل بالدولار) وأنت تطلب من المستورد أن يوفر العملة الصعبة؟ من أين سيأتي بها؟ من السوق الموازي؟ لذلك هذه إجراءات لا تقدم.
{ هنالك سياسات إتبعتها الدولة في تشجيع المغتربين للاستفادة من تحويلاتهم؟
_ نعم، لدينا مورد مهم جداً هو تحويلات المغتربين أيضاً عملت لها سياسات خاطئة. ونحن من البداية انتقدنا سياسات الحافز لأن بنك السودان يقرر الحافز الساعة (ثلاثة) والسوق سيعطي سعراً جديداً الساعة (ثلاثة ونص)، لذلك مفترض توضع سياسات، مثل سياسات دولة إثيوبيا وهي تحصل على (5) مليارات دولار في السنة، لأنها تعطيهم امتيازات أخرى ليست مربوطة بالحافز.
 نحن نريد سياسات حكيمة تخاطب المشاكل، وتنفذ بطريقة مؤسسية، ويكون هناك ضبط في متابعتها وتنفيذها، ويكون الهدف منها استعادة التوازن الاقتصادي، ورفاهية عيش المواطن وتحقيق التنمية المستدامة المتوازنة، وليس إصدار قرارات لاستدرار موارد وإيرادات بقرارات إدارية، هدفها في النهاية تمكين فئة محددة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية