تقارير

وقائع زيارة رئيس الجمهورية لولاية النيل الأزرق

الدمازين – رشان أوشي
كانت الوجهة الأولى لرئيس الجمهورية ووفده مدينة “السريو” غرب الدمازين، لافتتاح محطة الكهرباء في منطقة تغرق في ظلام دامس لسنوات، حيث أكد “أبكر عبد الرسول” مواطن، أنهم ظلوا يطالبون بخدمة الكهرباء منذ ثمانية عشر عاماً، ولم تستجب لهم حكومات الولايات التي تعاقبت عليهم، رغم أنهم على مرمى حجر من خزان الروصيرص الذي يهب الكهرباء لمعظم أقاليم السودان، ولكنهم اليوم سينعمون بخدمة دائمة تعوضهم سنين الحرمان الطويلة، خاطبهم رئيس الجمهورية خطاباً بسيطاً يشبه حياتهم الممتلئة إلفةً ووداً، وتعهد لهم على شرف افتتاح كهرباء الريف الشمالي لمحليتي الدمازين والروصيرص، بكهربة كل المشاريع الزراعية والبستانية وإيصال الكهرباء لكل مواطن بالولاية، وأكد “البشير” أن مطالب المواطنين هي واجب على الحكومة، لجهة أن مهمتها توفير الأمن والخدمات لهم، وأردف قائلاً “الحكومة ليست والي مركب بيرق وحايم ولكن تقديم الخدمات للمواطنين”، داعياً حاملي السلاح بوضعه أرضاً وقال “لا للبندقية، لا للحرب”، واستطرد “ما في تمرد ولا نزوح ولا معسكرات مرة ثانية”، معلناً استعداد الحكومة لاستقبال النازحين وتوفير كافة الخدمات لهم حتى يستقروا في بلدهم، مجدداً التزام وحرص الحكومة على جمع السلاح من المواطنين وجعله في أيدي القوات المسلحة، وقال “البشير” إن السودان آمن ومستقر ولن يسمح بنزوح أو لجوء أو حمل سلاح لمواطنين سودانيين، منوهاً إلى أن السلاح سيكون فقط بأيدي القوات المسلحة والشرطة والأمن، موجهاً رسالة لحاملي السلاح بالعودة إلى حضن الوطن والانخراط في مسيرة السلام عبر الحوار الوطني.
وقال (عيب أن ينتظر المعارضون بالخارج لقمة العيش من الخواجات والسودان بلد واسع وشاسع وخيراته وفيرة وأهله يكرمون الضيف ويأوون الجار)، موضحاً أن الحكومة ملتزمة بتوفير الخدمات للمواطنين وتحسين معيشتهم، وأبان أن حكومته أنشأت محطة كهرباء تحويلية بالدمازين وربطتها بالشبكة القومية لتوفير الكهرباء لأهل الولاية، مبيناً أن الكهرباء ستعمم على كافة قرى ومناطق الولاية، مضيفاً أن كهربة المشاريع ستسهم في تقليل كلفة الإنتاج والإنتاجية بالمنطقة خاصة وأن الولاية تعد من الولايات المنتجة، وأعلن التزامه بربط الدمازين بقيسان، بطريق معبد يكمل الطريق الدائري وسيربطه بالطريق القومي.
ومن جهته أعلن والي ولاية النيل الأزرق “حسين ياسين حمد” تأكيد الأحزاب السياسية والإدارات الأهلية بالولاية لترشيحها لـ”البشير” لرئاسة الجمهورية لدورة رئاسية ثانية، وأشاد الوالي عقب تدشين رئيس الجمهورية كهرباء إدارية السريو بمحلية الدمازين اليوم، أشاد بدعم رئيس الجمهورية واهتمامه بمشروعات الولاية وتبرعه بمبلغ من المال لمشروع كهربة إدارية السريو بمحلية الدمازين، مؤكداً أهمية كهربة المشاريع الزراعية والبستانية التي تمتاز بها السريو بشركة جياد والتي أعلنت عن شراكة ذكية مع حكومة الولاية، مثمناً دعم بنك أم درمان الوطني وشركة كيلا والشركة السودانية لتوزيع الكهرباء لمشروعات منطقة السريو بالمنطقة الشمالية لمحلية الدمازين.
}رسائل متعددة
بعث رئيس الجمهورية برسائل مبطنة وصريحة إلى عدة اتجاهات، فلم يتحدث عن خطة الدولة لتوفير الخدمات فقط، بل قدم خطاباً سياسياً حاسماً وواضحاً، وقال “البشير” وهو يخاطب مواطني الدمازين،    إن متمردي الحركة الشعبية قتلوا المواطنين الأبرياء العزل وحرقوا وخربوا مناطقهم ويدعون أنهم مناصرون للمهمشين، ونعتهم بأنهم كذابون، وقارن الرئيس بالأوضاع في النيل الأزرق قبل الإنقاذ، وتساءل كم كان عدد المرافق الخدمية قبل الإنقاذ وفي الوقت الراهن، وأضاف “لن نمتن على الشعب السوداني ونقول عملنا وأنجزنا”، وزاد: مهما عملنا نشعر بأننا مقصرون والعين بصيرة واليد قصيرة لكننا سنتعاون من أجل خدمة الناس، وتعهد بألا يخيّب رجاء المواطنين وعدم خذلانهم وألا يجدونه إلا في المواقع التي تعزهم وترفع رؤوسهم.
وأكد أن معسكرات اللجوء لا تشبه أهل السودان، لأنه يمتلك أراضٍ وثروات يرفض أعداؤه أن يستفيد منها أهله،
وأثنى “البشير” على المشروعات التي نفذها ديوان الزكاة وإسهامها في تخفيف حدة الفقر.
من جانبه وصف والي النيل الأزرق “حسين ياسين” السلام بأنه قضية محورية، ونبه لوجود لجان في الولاية تعكف على إنفاذه إسناداً لجهود الدولة.
وأكد “ياسين” توحد الجبهة الداخلية في الولاية، وعزا التنمية التي تحققت في الولاية والمشروعات التي افتتحها الرئيس إلى الاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده الولاية وتأكيداً عليه.
وفي سياق متصل دعا معتمد محلية الدمازين “الشيخ الأدهم” أبناء المحلية من حملة السلاح، للعودة والمساهمة في تنمية الولاية.

{ بلاد الأنقسنا.. نهر التاريخ المتدفق جنوباً
سيقان الحشائش كست الأرض بصفرة تشي بأنها سبقت خضرة جذابة، بحيرة السد انحسرت قليلاً بحيث ودعت فصل الحياة (الخريف)، واستقبلت شتاءً معتدلاً على عكس بقية أقاليم السودان التي قسا عليها البرد ولم يرحم، سحنات الناس تدل على أفريقانيتهم الأصيلة، فبلاد الأنقسنا لها تاريخ طويل وحاشد بالأساطير، يخدمها جوارها الأفريقي الغارق في القارة السمراء ثقافة وتاريخاً، فحدودها مع جنوب السودان يجعل أهل تلك الرقعة الجغرافية الممتدة، يقاربون ثقافة قوميات الجنوب، بينما يتماهى سكان الشريط الحدودي مع أثيوبيا في ثقافة أكسوم، يتناولون الانجيرا والزغني كوجبة شعبية،  ويتحدث بعضهم الأمهرية بطلاقة، يتبادلون أنماط الحياة والتجارة.
}أنماط حياتهم
سكان إقليم النيل الأزرق (جنوب شرق السودان)، زراع ماهرون، يفلحون الأرض بمحبة، ويحصدون زرعهم حسب الموسم، معظمها محاصيل بستانية تغلب عليها فاكهة الموز المحببة لديهم، وبما أنها منطقة غابات، تجد أسراب النحل تعيش في وئام مع البشر وتمنحهم عسلاً يعدّ جزءاً أصيلاً من طعامهم ودوائهم، بينما تعمل بعض القبائل في الرعي على رأسها قبيلة ( الأمبررو) التي تقدس أبقارها المميزة أكثر من أي شي آخر، لا يخالطون الناس ولا يتزاوجون معهم، يعيشون في مجتمعاتهم منفردين، حتى أن معظمهم لا يجيدون العربية، يحتفظون بلغتهم الأم ويحافظون عليها، يهاجرون في مواسم الجفاف غرباً بحثاً عن الماء والكلأ لأبقارهم، يعبرون حدود الجنوب حتى بعد الانفصال في سكينة يحسدون عليها، متجاوزين قيود جوازات السفر وتأشيرات الدخول، يقطنون مساكن متحركة تشيدها نساؤهم، بينما ينشغل رجالهم بالرعي وحراسة القبيلة فقط، تبدو أنماط حياتهم أقرب للنظام الأمومي على خلاف بقية شعوب السودان، عند رؤيتك لهم أول وهلة تكاد لا تميز بين ذكر وأنثى إلا من خلال تضاريس الأجساد، فالرجال يتزينون بنفس زينة النساء.
هناك مجموعات أثنية تمتد أيضاً على مستوى الرقعة الجغرافية، منهم قبائل الفلاتة التي اشتهرت بالتدين الشديد، يحترفون الرعي والزراعة، الأنقسنا، البرتي، الفونج ومجموعات ذات أصول عربية، وبعض الوافدين إليها كـ(جلابة) أو تجار من أبناء الشمال النيلي والوسط، يتميز نسيجهم الاجتماعي بالتماسك الشديد، ويتعايشون في وئام يحسدون عليه في بلاد تهتك نسيجها بسبب الصراعات عبر التاريخ، بعض أهل تلك البقاع لا يهتمون سوى بحياتهم وحرفتهم، ويجهلون ماذا يفعل الساسة في الخرطوم، بينما الأقلية تهتم بأمور الحكم والفكر، لهم شارع يتجمعون فيه تحت ظلال الأشجار الوريفة، في قلب سوق الدمازين حتى اشتهر بـ(شارع السياسة).

}ليالي سمرهم
يعشق سكان النيل الأزرق الموسيقى كعادة جبلت عليها شعوب أفريقيا الصاخبة، لديهم الآلات الشعبية، وأغانيهم المحلية، من أشهر تلك الإيقاعات موسيقى (الوازة) التي تشكل حضوراً طاغياً في كافة مناسباتهم، لها مزامير تصنع من قرون البقر وبعض الحيوانات الأخرى، ينفخون عليها مخلفين نوتات موسيقية مؤثرة، يرقصون في حلقات ذكوراً وإناثاً، يتبادلون أداءً استعراضياً خلاباً، وسط نشوة بتلك الإيقاعات الموسيقية التي تحرك الوجدان والأجساد معاً، وللأنقسنا إيقاع تصاحبه رقصة شهيرة تعرف بـ(الشالك)، اشتهرت بها القبيلة كجزء من حضورها المجتمعي.
}الصيادون
اشتهر أهل منطقة النيل الأزرق بهواية أكثر منها حرفة، محببة إلى نفوسهم، وهو الصيد، حيث تعرف الرقعة الجغرافية بأنها عبارة من غابة كبيرة تتوزع أفرعها هنا وهناك، وسهول زراعية خصبة، يعشق سكانها الصيد، ويسمونه (القنيص)، يبدأ من صيد الحيوانات الكبيرة وحتى التي تطهى وتؤكل منها، حتى عرف أحد أشهر أحيائها القديمة بـ(حي قنيص) بالقرب من تعلية الخزان حالياً، ويعتبر أهل الولاية التي يمر بها نهر النيل الأزرق خاصة الذين يقطنون على ضفافه من صيادي الأسماك، والتي تعتبر غذاءً رئيسياً لهم.
}بص الروصيرص فات
ترقد مدينة الروصيرص التاريخية التي أتت تسميتها من أحجار شهيرة في المنطقة، تعرف بـ(الرصرص) سميت عليها قرية صغيرة أيضاً على أحد أضخم مشاريع التنمية في السودان، ولكن خزانها كالشجرة التي تظلل بعيداً، فمواطنو الولاية ما زالت خدمة الكهرباء من أهم مطالبهم، وتضم أيضاً في عمرانها القديم مقر حامية الجيشين الإنجليزي والعثماني، إضافة إلى مبنى أثري كان مقراً للبوليس، والبوستة التي نقلت أخبار الناس وغرامياتهم في أبهى حقب السودان وعصورها.
كانت الروصيرص مصدر إلهام للشعراء والفنانين وقتاً ما، فقد أقام فيها الشاعر العربي المعروف “حافظ إبراهيم ” إبان منفاه في بدايات القرن المنصرم، كما أقام فيها أيضاً الفنان الثري إبداعاً “عبد الكريم الكابلي”، ومنها خرجت أغنية (حبيبة عمري تفشى الخبر، وذاع وعمّ القرى والحضر)، واشتهرت بها أغنية شعبية يترنم بها الناس في أنحاء المعمورة (الثلاثة بنات لابسات تياب ومقنعات، الشغلن قلبي لمن بص الروصيرص فات)، تشمل مدناً تحمل أسماء تشبه أخرى في بقاع مختلفة من البلاد، قيل إنه رابط تاريخي بممالك حكمت السودان في عصور مختلفة بحسب إفادات ابن المنطقة الصحافي (أحمد إدريس) كمنطقة (قري) التي سميت على نظيرتها في الطرف الشرقي لولاية الخرطوم، ومدينة (قلي)، غرب الدمازين، التي تضم نظارة المنطقة العربية وهي لقبيلة الجعليين وناظرهم “الشيخ إدريس” والد معتمد الدمازين الحالي “أدهم الشيخ إدريس”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية