رأي

مسامرات

على طريقة “سيد سالم”

{ و”سيد سالم” لمن لا يعرفونه هو أشهر عازف في فرقة الست “أم كلثوم” وظل لأكثر من ستة عشر عاماً في فرقة الست، يحفظ كل جملة موسيقية في أغانيها عن ظهر قلب، تدرَّب مع العازفين ساعات طويلة يومياً لأن (الست) لا تحب أن يستخدم عازفوها النوتة، ولا تحب أن تحدد ما ستغنيه بالضبط في حفلتها القادمة، ستة عشر عاماً من العمل والضوابط والصعوبات والالتزامات.
{ هذا المبدع له قصة تستحق الإشارة إليها حيث تعود إلى العام 1966 عندما كانت “الست” منسجمة في أغنية “بعيد عنك”، وكان “سالم” يؤدي تقاسيمه على الناي، وفجأة خرج عن النص أي بالمعنى الفني “تسلطن”، وانتزع الآهات من الجمهور والتصفيق والصيحات التي جرت العادة أن تكون لـ”أم كلثوم” فقط، فالتفتت إليه الست وقالت: “أيه ده”!.. ليصيح الجمهور من جديد، ويعيد “سالم” الناي الشجي بنفس خروجه عن النص الذي وصف بالتمرد حينها، لتصبح تلك الحالة أشهر حالات الخروج عن (النوتة).. وهو ما عرف بتمرد “سيد سالم” على (الست).
{ بعد وفاة “أم كلثوم” في عام 1975، قام «سالم» بتسجيل ألحان الست على الناي في شريط كاسيت ثم اعتزل العزف بعدها.
{ في أواخر حياته عام 1994 أصابته جلطة بالمخ ولم يجد أي اهتمام من الأطباء عند دخوله مستشفى الأنجلو، وفي أيامه الأخيرة كان يطلب من ابنته أن يستمع لشريط عزف الناي وكانت عينه تفيض بالدمع.
{ و”سالم” يقدم أنموذجاً لكيفية (قلق) المبدع و(تمرده) الذي أضاف إلى (بنية) اللحن الأساسي، وقدم بذلك الإضافة المطلوبة تجاوب معها جمهور الحفل في ذلك الوقت كثيراً.
{ تمرد “سالم” الإبداعي صار (طريقة) إيجابية للخروج عن المألوف.. ولكن لدينا هنا تمرد من نوع آخر.. تمرد يصدم المجتمع من بعض المطربين الشباب الذين يحيكون الأزياء (الشاذة) والسلوكيات الصادمة.. والإيحاءات المنافية للآداب.. وكلمات الأغاني التي تجعلك تفغر فاهك ذهولاً واستغراباً.
{ يعتقد بعضهم أن ما أتى به (تمرد) سيخلد اسمه.. وسيذكر الناس الاسم وينسون (الفعل) بعد ذلك.. وهذا نوع من الشهرة السلبية التي قد تنقل أحدهم إلى أن يتردد اسمك في المحافل، لكنه مقرون بالسخرية والكراهية، فقط لأنك لم تضع بذور (الحب) و(الموهبة الحقيقة) بل أجبرت بعض معجبيك على تجرع كؤوس (الاشمئزاز) المنفرة.
{ كثيرون يمكن الإشارة إليهم.. سعوا إلى (تمرد) قيمي ومجتمعي وأخلاقي، وليس تمرداً محبباً ملطفاً على طريقة “سيد سالم”.
} مسامرة أخيرة
{ أعاد كورال كلية الموسيقى والدراما إنتاج أغنيتي (أرض الطيبين) و(بلادي أنا)، في ذات الوقت الذي نشر فيه “أبو عركي” أمس أغنيته الجديدة (وطن نجمة)، وقدم قبلهم الفنان الشاب “محمد الفاتح زولو” أغنية (الدم بيحن للدم)، وكلها أغانٍ وطنية تحرض على السلام والحرية والالتصاق بتراب الوطن.. وربما يؤشر ذلك إلى ما سبق أن نبهنا له من أن إنتاج الأغاني الوطنية لا يحتاج إلى مهرجانات ومبادرات، فالإبداع (قلق) فطري ينتجه القلب ويتلقفه القلب مباشرة بلا وسيط.. ويمكن أن نقول منذ الآن إن مبادرات مثل مبادرة إذاعة (بلادي) و”محمد الأمين” لا مكان لها من الواقع.. وأظن أن فشل التجاوب الجماهيري يحاصرها.
 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية