الرحيل
لملم عام 2017 أوراقه وطوى صفحات أيامه بكل ما بها من خيبات ونجاحات هنا وهناك، على الصعيد الذاتي والعام، وانصرفت السنة سراعاً لتقربنا كأفراد من اليوم الموعود ونحن في غفلة من أمرنا نحتفل بقدوم العام الجديد أم بوداع العام الذي رحل لا ندري أيهما أحق بالاحتفاء وأجل بالورود.
في العام الذي انقضى كانت ساعات فرح الأمة والشعب والأسرة والذات لجد شحيحة حد العدم وكانت الأحزان قد وشحت أغلب الأيام والشهور والساعات، والمرء بطبعه وخصاله يلهف وراء الدنيا الفانية وهو غافل عن مكرها وما تخبئه من أقدار، وفي كل عام نعدد في مثل هذه الأيام النجوم التي رحلت وتوارت عن الأنظار وطواها القبر وبقيت أسماء في حياتنا. ونعدد وجوه إخفاق السياسيين وفشلهم في تحقيق الطموحات ولا نحفل كثيراً بالنجاحات وأضواء آخر الإنفاق.
تحتفي بعض الشعوب العربية والإسلامية برحيل طغاتها وجباريها ولكنها بعد حين تحن إلى جلاديها لأنها شعوب نشأت تحت القهر والتسلط وارتضت العيش تحت أحذية العسكر وبين زخات رصاص الدوشكا في ليبيا التي قتلت دكتاتورها “معمر القذافي” وشربت دمه وفرحت لخيبتها وما إن انقشعت دخانة الانتفاضة العارمة إلا ووجد الشعب الليبي نفسه يتيماً بلا أب يبحث عن دفء آمن نظام “القذافي” ولا يجده، ولو كان الشباب الإسلامي المصري استدبر من أمره وضرب كف الرمل وبحث عن المنبئين والمنجمين الكاذبين وسألهم عن حال مصر إذا رحل “مبارك” لحافظوا عليه حتى يحمل على كرسي مثل “عبد العزيز أبو تفليقه” في أرض المليون شهيد، ولو كان حكماء اليمن الشقي بقادته قد أبصروا بعين زرقاء اليمامة وثوب الحوثيين على الحُكم في صنعاء لحافظوا على الجنرال “علي صالح” مثل محافظة إدارة فريق الآرسنال على المدرب الفرنسي العجوز “ارسن فينغر”
ولو قال العرافون كلمتهم واستمع الجنرال “سلفا كير ميارديت” إلى الكجور وريانق والروح مندقيت، كما تزعم أساطير الدينكا عن حال دولة الجنوب، إذا خرجت من عنق رحم الاستفتاء لترك لأهل الجنوب البقاء في كنف دولة “البشير” كما يُسمها باغضوها الذين أصبحوا مشردين ولاجئين في المعسكرات وأطراف المدن، بعد أن تبدد حلمهم ومات طموحهم ووئدت طموحاتهم تلك خيبات الجيران والأشقاء قريبهم وبعيدهم فهل من هذه الدروس اعتبرنا ومن رماد فشلها بحثنا عن أسباب نصرنا ؟
إن الإنقاذ التي يختلف حولها السودانيون بين أغلبية داعمة لبقائها، وأقلية عالية الصوت مطالبة بذهابها أن هي ذهبت اليوم بالعنف والإقصاء والإلغاء لأصبح حال هذا الوطن مثل ليبيا في صيفها الحالي ومثل سوريا في شتائها ومثل اليمن في مأساتها وجنوب السودان في أحزانه.
يأتي العام الجديد والسودان يتطلع لغد أفضل وفجر جديد.