تجار الذهب.. إيقاعات حارقة من بنك السودان
عادل عبده
لوحة كئيبة ارتسمت على وتيرة متصاعدة في أروقة شعبة الصاغة وتجار الذهب على خلفية القرار الذي أصدره بنك السودان خلال الأيام الفائتة، الذي حمل اسم منشور السياسات رقم (١٦/٢٠١٧م) القاضي بتعديل الضمان للذهب المصدر بغرض التصنيع والإعادة من شيك ضمان إلى ذهب صافٍ يعادل الكمية المراد تصديرها للخارج.
الذهب يشكل أسطورة لا تفنى، بل يزداد رصانة وقوة على مر التاريخ، فهو على قمة المعادن النفيسة على وجه البسيطة، ومن هذا المنطلق يجب أن تحوز القرارات المتعلقة به على الرؤية العميقة والتصورات الذكية حتى تعطيه الوزن الذي يستحقه.. فالشاهد أن شركات وأسماء الأعمال بمجمع الذهب المركزي بالخرطوم وغرفة الصاغة وتجار الذهب يمثل المعدن النفيس في عالمهم رونق كسبهم في دنيا التجارة وإيقاع تطلعاتهم على درب المعاش الأخضر، حيث لم يتحمل هؤلاء أبعاد ما جاء في منشور (١٦/ ٢٠١٧) الذي قلب الأمور والأشياء رأساً على عقب ووضع العربة أمام الحصان، وفتح جبهات سالبة عرقلت صادر الذهب الذي كان يسير على إيقاعات مرضية وأوضاع منتظمة كجريان الماء الرقراق على الجدول المنبسط.
أمين مال شعبة الصاغة وتجار الذهب “طه عبد الله الصديق تبيدي” يلتقط القفاز قائلاً: ما زلنا نعاني من ويلات قرار البنك المركزي الذي طالب بتعديل ضمان ذهب الصادر بذهب آخر، فهو تفكير غير منطقي ويستعصي قبوله والتعامل معه ولم يخضع للدراسات المستفيضة مع جميع الجهات المرتبطة بالذهب.. فهذا لعمري وضع يمشي على ساق واحدة، فالواضح أن هذا الوضع يعرض سوق الذهب إلى التجفيف والضمور والدخول في متاهات غريبة في حين كانت العملية قبل ذلك تبدأ بشريط طويل ومحكم بقيام الصاغة بإدخال ذهبهم الخام إلى هيئة المواصفات مروراً بقرار اللجنة الفنية بإجازة الكمية المصدرة من الذهب وهذه اللجنة مكونة من (الجمارك والمواصفات والمعمل الجمركي والأمن الاقتصادي)، ثم تصدير الذهب بضمان الشيك حتى عودته للداخل للبيع التجاري.
مناشدة تجار الذهب لمحافظ بنك السودان لم تثمر حتى الآن، وما زالت الأوضاع تراوح مكانها، فالخطوة الصادمة ألقت بظلال سالبة على ساحة الذهب.. لم يعد مجمع الذهب المركزي بالخرطوم وأماكن الذهب الأخرى تعج بالحركة الدائبة، فقد انزوى الوصال الوجداني بالمعدن النفيس وانحسر الاكتظاظ على الفترينات، وأغلب الظن أنه لم يتم تصدير أي ذهب بروح القرار الجديد، وإذا استمر الموقف على هذا الحال فإن معارض الصاغة ربما تصبح خاوية، فضلاً عن التشريد الذي ينتظر الكثيرين في هذا المجال والمشاكل التي ستظهر بسبب عدم الوفاء بالتزامات مؤسسات التمويل.
الأحوال في ساحة الذهب ملبدة بالغيوم، والسوق في هذا الحقل ربما يكون طارداً، فالقرار الصادر من بنك السودان عصي على التطبيق لمحدودية رؤوس أموال الصاغة.. ومن هنا فإن إيقاعات القرار كانت حارقة على تجار الذهب الذين وجدوا نصيراً لهم من دهاقنة الدستوريين في عالم الاقتصاد هو الدكتور “صابر محمد الحسن” محافظ بنك السودان الأسبق الذي أعلن معارضته بشدة دخول البنك المركزي في المضاربة في عالم الذهب، مؤكداً أن هذه ليست مهمته ودوره كجهة رقابية فقط.
من إيجابيات معارض الذهب بشكلها الحالي أنها تأكيد للاطمئنان الأمني في البلاد، فقد عبر عن ذلك الزوار الأجانب الذين اندهشوا بوجود كميات مهولة من الذهب بمليارات الجنيهات داخل الزجاج دون حراسة واضحة.
مشاعر الغضب والحسرة من جانب الصاغة وتجار الذهب هي رسالة مشروعة وضرورية تحكي الظلم والاحتجاج الحضاري، فالقضية تمس الاقتصاد الوطني ومعاش الناس وتضع معدن الذهب النفيس في موقف لا يحسد عليه.